كما كان منتظرا، شهدت أسعار الخضر والفواكه في الأيّام الأخيرة ارتفاعا يمكن وصفه بالجنوني، بل بالفاحش، إلى درجة أن الكثير من المواطنين عادوا إلى ديارهم بأيدي فارغة بسبب نار الأسعار. ففي جولة قادتنا إلى العديد من أسواق ولاية البليدة وقفنا مشدوهين أمام الارتفاع الفاحش للأسعار، وفي غياب الكلّي لمن أطلقت عليهم حكومة أويحيى (رجال الخفاء) المكلّفين بمراقة الأسعار، راح جميع التجّار (الفجّار) يرفعون الأسعار وفق أهوائهم ولسان حالهم يقول (نبيعو كيما نحبّو)، وإذا دخلت في نقاش مع أحدهم فجوابه يكون واحدا مثل غيره من التجّار وكأنهم اتّفقوا على ذلك (اشري وإلاّ خلّي.. نبيع كيما نحب). من سوق مفتاح إلى سوق بوفرة مرورا بأسواق بوينان والشبلي والأربعاء وموزاية والعفرون والشفّة وبقلب مدينة البليدة، الكلّ يبيع كما يحلو له، الكلّ ألهب نار الأسعار من أجل أن يملأ جيوبه بأموال (الحرام) في نهاية الشهر الحرام واللّعنة في نظرهم على كلمة (الحلال) بعد أن انتزعوا من قاموسهم العبارة الشعبية القائلة (اللّي يربح العام طويل). لم أصدّق جواب (الباعة) بأن ثمن الكلغ الواحد من الكوسة (القرعة) وصل إلى 160 دج، والبعض الآخر يبيعها ب 180 وآخرون ب 200 دج، وقد يصل سعرها اليوم إلى أكثر من 300 دج، فكلّ شيء (حلال) عن (أولاد الحرام) إلاّ من رحبم ربّي. وعلى غرار (القرعة)، ثمن الكلغ الواحد من الخس وصل إلى 120 دج وفي أحد الأسواق وصلت إلى أكثر من 150 دج، على غرار أسواق مدينة البليدة، وهي الأخرى قد يتضاعف سعرها فلا تعجب إذا وصل ثمنها نهار أمس إلى 500 دج. البصل وبعد أن كان قبل أيّام لا يزيد ثمن الكلغ الواحد عمنه عن 40 دج، ارتفع سعره إلى أكثر من 80 دج، وهناك من وضع له سعر 100 دج. الجزر هي الأخرى تعدّى سعر الكلغ غرام الواحد منها كلّ الأعراف والتقاليد، فقد وصل ثمنها إلى 150 دج، وهناك من باعها ب 180، وقد يصل سعرها اليوم إلى 250 دج، بل فاق سعر الكلغ الواحد عشية أمس 300 دج. اللفت وبعد أن كان آباؤنا في الماضي القريب وكما يقال بالعامّية (يحشمو من أكلها) تحوّل إلى سلطان (المائدة)، وكيف لا يكون كذلك بعد أن وصل ثمن الكلغ الواحد منه إلى 150 دج، وفي بعض الأسواق إلى 200 دج، ولا تعجب إذا وصل سعره اليوم إلى أكثر من 250 دج للكلغ الواحد. الفلفل الحلو (الطرشي) لم يبقى يحمل كلمة (أطرش) بعد أن تخطّى الكلغ الواحد منه حاجز ال 150 دج. شقيق (الطرشي) الفلفل (الحار) هو الآخر وحتى إن كان يحرق في (الفم) فإنه أصبح يحرق (الجيوب)، كيف لا وسعر الكلغ الواحد منه تعدّى الحاجز ال 200 دج، وقد يصل نهار اليوم عند الحاجز ال 300 دج أن لم نقل قد يفوق ذلك بكثير طالما أن كلّ شيء (حلال) في دولة (القانون) التي لا يوجد فيها لا حسيب ولا رقيب. أمّا عن سعر الفواكه فحدّث ولا حرج، ولا تتعجب إذا وصل سعر الكلغ الواحد من العنب (صانصو) ولا نقول (الموسكة) إلى 250 دج، أو ثمن الكلغ الواحد من الخوخ إلى 200 دج أو ثمن الكلغ الواحد من التفّاح من النّوع الجيّد إلى 350 دج، فكلّ شيء حلال عند أهل (الفجّار). لكن ما شدّ انتباهي وأنا عائد إلى بيتي بأيدي فارغة بعد أن أحرقتني نار الأسعار، هو وجود طوابير طويلة لشراء (القرعة) وأخرى لشراء البطاطا وأخرى لشراء الفلفل الحلو والحار وحتى هناك من دخل في طوابير لشراء البصل، بل الأغرب من كلّ هذا هناك مواطنون قضوا أكثر من ساعة لاقتناء كلغ الواحد اللّحم (الغنمي) بسعر لا يقلّ عن 1800 دج، فمن قال إن الشعب الجزائري فقير فقد كذب، ومن قال إن الشعب الجزائري يعرف قيمة نفسه فقد كذب، فالكثير من المواطنين ونقولها بكلّ صراحة سذّج (يستحقّون أكثر من هذا، فالمواطن الذي لا يعرف قيمة نفسه يستحقّ أن تكوى جيوبه)، فماذا لو أضرب الجميع عن الشراء يوما واحدا فقط، أنا على يقين بأن التجّار (الفجّار) سيخفّضون الأسعار خشية فسادها، لكن... كلّ عيد وأنتم بخير.