هو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر الخراساني النسائي، صاحب السنن، ولد في (نَسا) سنة 215 هجرية، وتتلمذ على عدد كبير من كبار العلماء والفقهاء والمحدثين. لقب الإمام النسائي بالحافظ الثبت، وشيخ الإسلام، لتأثيره الكبير في مجال علم الحديث، حيث كان من بحور هذا العلم، وكان حسَن الفهم والإتقان والتأليف، ومليح الوجه، وحسن الشيبة. وكان النسائي وحيد عصره في علوم الحديث، يحب طلب العلم والترحال من أجل تحصيله، فقد جال البلاد، واستوطن مصر، وخرج إلى الرملة في فلسطين، وكان يجتهد في العبادة، فقد قال عنه أبو الحسين محمد بن مظفر الحافظ: (سمعت مشايخنا بمصر يعترفون له بالتقدم والإمامة، ويصفون اجتهاده في العبادة بالليل والنهار، ومواظبته على الحج والجهاد). كما قيل إنه (كان يصوم يوما ويفطر يوما، وكان له أربع زوجات، وكان حسَن الوجه، مشرق اللون). وكان الإمام النسائي من بحور العلم مع الفهم والإتقان، ونقد الرجال وحسن التأليف، رحل في طلب العلم إلى خراسان والحجاز ومصر والعراق والجزيرة والشام والثغور، ثم استوطن مصر ورحل الحُفَّاظ إليه، ولم يبقَ له نظيرٌ في هذا الشأن، وقد تتلمذ على يديه العديد من العلماء أمثال أبي بشر الدولابي، وأبي جعفر الطحاوي، وأبي علي النيسابوري... وقال الحافظ ابن طاهر: (سألت سعد بن علي الزنجاني عن رجل فوثقه، فقلت: قد ضعَّفه النسائي. فقال: يا بُنيّ، إن لأبي عبد الرحمن شرطاً في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم. قلت: صَدَق فإنه ليَّن جماعة من رجال صحيحي البخاري ومسلم). وقال الحاكم: (كلام النسائي على فقه الحديث كثير، ومن نظر في سننه تحيَّر في حسن كلامه). وقال ابن الأثير في أول جامع الأصول: (كان شافعيًّا، له مناسك على مذهب الشافعي، وكان ورعا متحريا). مؤلفات وللإمام النسائي مجموعة من الكتب والمصنفات المهمة أشهرها كتاب السنن الكبرى في الحديث، وهو الذي عُرف به، وجاء في سير أعلام النبلاء، وكتاب المُجتبَى، وهو السنن الصغرى، من الكتب الستة في الحديث، ومسند علي، وله كتاب التفسير في مجلد، وكتاب الضعفاء والمتروكون في رجال الحديث. يقول السيوطي في مقدمة شرحه لكتاب السنن للنسائي: (كتاب السنن أقل الكتب بعد الصحيحين حديثاً ضعيفاً، ورجلاً مجروحا). وقد اشتهر النسائي بشدة تحريه في الحديث والرجال، وشرطه في التوثيق شديد، وقد سار في كتابه (المُجتبى) على طريقة دقيقة تجمع بين الفقه وفن الإسناد، فقد رتَّب الأحاديث على الأبواب، ووضع لها عناوين تبلغ أحياناً منزلة بعيدة من الدقة، وجمع أسانيد الحديث الواحد في موطن واحد، وبعده وضع علماء كبار شروحاً لسنن الإمام النسائي مثل (زهر الرُّبى على المجتبى) لجلال الدين السيوطي، وهو بمنزلة تعليق لطيف، حل فيه بعض ألفاظه، ولم يتعرض بشيء للأسانيد، و(حاشية) لأبي الحسن نور الدين بن عبد الهادي السِّندي، ومن الشروح الحديثة: (ذخيرة العُقبى في شرح المجتبى) للشيخ محمد بن علي بن آدم الأثيوبي المدرِّس بدار الحديث الخيرية بمكة، ويظهر فيه الاهتمام بتراجم الرجال، والعناية بالمسائل اللغوية والنحوية التي تفيد في فهم الحديث، وقد طبع الكتاب مؤخراً في ثمانية وعشرين جزءاً. سماع الحديث ومما جاء في ثناء العلماء على الإمام النسائي، قول ابن كثير في البداية والنهاية: (أحمد بن علي بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار، أبو عبد الرحمن النسائي، صاحب السنن، الإمام في عصره، والمقدم على أضرابه وأشكاله وفضلاء دهره، رحل إلى الآفاق، واشتغل بسماع الحديث، والاجتماع بالأئمة الحذاق). وقال الإمام الذهبي: (هو أحفظ من مسلم). وقال ابن عدي: سمعت منصوراً الفقيه، وأحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، يقولان: (أبو عبد الرحمن النسائي إمام من أئمة المسلمين). وقال الحافظ أبو عبد الرحمن النيسابوري: (أبو عبد الرحمن النسائي الإمام في الحديث بلا مدافعة). وقال أبو الحسن الدارقطني: (أبو عبد الرحمن مُقدَّم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره). واختلف المؤرخون في مكان وزمان وفاة النسائي، فقيل: توفِّي بمكة سنة ثلاثٍ وثلاثمئة(303ه). وقيل: تُوفِّي بفلسطين سنة اثنتين وثلاثمئة.