عرفت الآونة الأخيرة انتشارا واسعا للأمراض الخبيثة التي تسببت في معاناة كبيرة للمرضى، حيث بات الحديث عنها لا يوافيها حقها بالرغم من النية الصادقة لمعرفة ما يتكبده مرضى السرطان بمختلف أنواعه، هذا المرض الخبيث الذي لا يعرف صاحبه لا لذة الحياة ولا طعم النوم باعتباره قاتلا، ولكن ما زاد من معاناتهم بصفة أكبر هو تهميش السلطات المعنية لهم. فمن خلال خرجتنا الميدانية التي قادتنا إلى مستشفى مصطفى باشا رصدنا مدى المعاناة اليومية التي يتجرعها مرضى السرطان، وما زاد الأمر تأزما هو نقص الأدوية والمستشفيات المتخصصة في هذا المجال حتى يتم استقبال الأعداد الهائلة التي تتوافد يوميا على المصلحة من أجل إجراء التحاليل والأشعة أو من أجل العلاج، وفي هذا الشأن شدد البروفيسور(كمال بوزيد) رئيس مصلحة (بيروماري كوري) بالمستشفى الجامعي مصطفى باشا في حديث سابق على ضرورة التكفل العاجل بالأعداد المتزايدة بمرضى السرطان بالجزائر، مؤكدا أن هذا لن يأتي إلا باستلام مراكز جديدة متخصصة تستوعب آلاف الحالات المكتشفة التي تضطر حاليا للانتظار مطولا مما يزيد من خطورة وضعها خلال فترة الانتظار، هذا رغم سياسة الكشف المبكر التي تتبعها مصالح وزارة الصحة وحملات التوعية التي تطلقها بانتظام في أوساط المواطنين. إلا أن حالات الانتظار التي يقع فيها المواطن والتي تمتد من 3 أشهر إلى 6 أشهر فما فوق كل هذا من أجل الحصول على دور للمعاينة يعني إعطاء الفرصة لتطور المرض ووصوله إلى مراحل خطيرة وجد متأخرة يصعب معها التماثل للشفاء، وفي نفس السياق أرجع ذات المتحدث مشاكل نقص التكفل بمرضى السرطان إلى عجز المستشفيات عن توفير أجهزة العلاج الإشعاعي بالقدر الذي يستوعب كل المرضى، واقترح في هذا الإطار توجيه 60 بالمائة من الحالات الجديدة المكتشفة للعلاج بالخارج طالما أن مستشفيات الجزائر عاجزة عن استيعاب مرضانا والتكفل بهم قبل فوات الأوان، مع العلم أن 28 ألف مريض من أصل 44 ألف المشخصة إصابتهم سنويا لم يستفيدوا من العلاج مما يؤكد ضرورة تعويض صناديق التأمين لكل أشكال الأدوية المتعلقة بعلاج كافة أنواع السرطانات. ومن خلال تواجدنا بالمكان اقتربنا من بعض المرضى الذين كانوا ينتظرون دورهم من أجل العلاج، حيث أفادتنا إحدى السيدات التي كانت متواجدة بالمصلحة رفقة ابنتها التي تبلغ من العمر 23 سنة من أجل العلاج تقول: (نعاني مشكلا كبيرا على مستوى الأجهزة بسبب كثرة الأعطاب التي تؤدي إلى تأخير العلاج فالمستشفى لم يعد قادرا على استيعاب جميع الأعداد التي تتوافد عليه يوميا باعتبار أن هذا المرض عرف انتشارا واسعا خلال الآونة الأخيرة). أما محمد فيقول: (إننا نعاني يوميا في صمت على أمل أن يصلنا الدور، لكن في غالب الأحيان يفوت الأوان) وقد اتفقت معه الطبيبة المعالجة له معتبرة أن الانعكاسات السلبية للتأخر الكبير المسجل في مواعيد العلاج الكيميائي للمرض سببه الضغط الكبير على 5 مراكز منتشرة عبر الوطن ما يزيد من معاناة المصابين، كما أنهم من بين 35 ألف حالة سرطان جديدة تسجل كل سنة 28 ألف منها تتطلب العلاج بالأشعة، في حين لا يمكن التكفل إلا ب 8 آلاف حالة فقط ما يستدعي إنشاء وحدات جديدة للتكفل بجميع الحالات. وحسب أرقام وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات فقد قدرت حالات الإصابة بالسرطان في الجزائر ب130 ألف حالة أي بمعدل 35 ألف إصابة جديدة كل سنة، وبالرغم من تشييد عدة مراكز جديدة لمكافحة السرطان إلا أنها لا تزال بعيدة عن الاستعمال. وفي نفس السياق وحسب ما أفادت به (موساوي آسيا) المختصة في علاج سرطان الثدي بمركز مكافحة داء السرطان بالعاصمة أن 43 بالمائة من النساء اللواتي يقطن بالعاصمة يقمن باستشارة الطبيب لفترة أقل من 6 أشهر، في حين 4 بالمائة فقط منهن بولايات الجنوب يستشرن الطبيب ويقمن بزيارته في نفس المدة المذكورة، وهو ما يدل على نقص في عمليات التحسيس الذي يلعب فيها الإعلام دور الموجه قبل الطبيب وأهل الاختصاص لأن هناك نساء قدمن للمراكز والمستشفيات المختصة وهن في وضعيات كارثية بسبب تقدم نسبة المرض بعدما فضلن عدم إجراء الفحوصات والتحاليل اللازمة في وقتها المناسب. الأمر الذي يستلزم تكاتف كل الجهات المعنية وتسخير كل الوسائل المادية والبشرية من أجل تحقيق توعية أكبر قبل أن يصل المرض إلى حالات متطورة حيث تعجز جميع الأساليب في القضاء عليه.