العلماء والقضاء كانوا حرّاسها بالأوقاف بنت الأمة ُ الحضارة َ الإسلامية بقلم: محمد عمارة موقع اتحاد علماء المسلمين في تاريخنا الحضاري مميزات يغفل عنها الكثيرون. ومن أهم هذه المميزات تعظيم الأمة وتحجيم الدولة والسلطة.. فالأمة هي التي بنت الحضارة الإسلامية، وليست الدولة. ولقد كانت مؤسسة الأوقاف وهي مؤسسة أهلية هي التي مولت صناعة الحضارة الإسلامية, كما كان القضاة والعلماء هم الحراس لهذه الأوقاف. ولقد حقق نظام الوقف الإسلامي فلسفة الإسلام في الثروات والأموال, التي تجعل المالك الحقيقي مالك الرقبة في هذه الأموال والثروات هو الله سبحانه وتعالي والناس مطلق الناس، وليس الفرد أو الطبقة، مستخلفون عن الله في هذه الثروات والأموال, لهم فيها ملكية المنفعة والاستثمار والاستمتاع في إطار عقود عهد الاستخلاف، أي الشريعة الضامنة للتوازن الاجتماعي بين الطبقات,وتحقيق مستوي الكفاية لكل المواطنين، وليس مستوي الكفاف. وبسبب من الحجم الكبير الذي كان للأوقاف في أغلب فترات التاريخ الإسلامي, والذي بلغ في بلد زراعي مثل مصر أكثر من نصف مساحة أرضها الزراعية, حقق نظام الوقف الملكية الجماعية للأمة, بينما رأينا الشيوعية التي ادعت تحقيق الملكية العامة للبروليتاريا، قد أفضت في الواقع إلي رأسمالية الدولة والبيروقراطية الحزبية, دون العمال والفقراء. ذلك أن الذين يوقفون الأموال والثروات إنما يخرجونها من حيازتهم وملكيتهم ويعيدونها إلى المالك الحقيقي, وهو الله سبحانه وتعالى فتظل أصولها موقوفة محبوسة، بينما تُنفق عوائدُها وثمراتها في النفع العام.. ولهذه الحقيقة قال الإمام ابن حزم الأندلسي: إن الوقف, ليس إخراج المال إلى غير مالك كما قال بعض الفقهاء، وإنما هو إخراجه إلى أجلِّ مالك وخير مالك وهو الله سبحانه وتعالى. ولقد عرفت حضارتنا الإسلامية نظام الوقف منذ فجر الإسلام.. فرسول الله صلي الله عليه وسلم حمى أي حبس وأوقف أرض النقيع بالمدينةالمنورة لخيل المسلمين، أي لمرفق أدوات الجهاد.. كما حمي أرض الربذة قرب المدينة لإبل الصدقة الموقوفة على جمهور الفقراء.. وعندما استشهد الصحابي مخيرق بن النضر يوم أحُد,3 ه 625م، وكان قد أوصي بأمواله لرسول الله صلي الله عليه وسلم يضعها في النفع العام، وكانت سبعة بساتين في المدينة، جعلها رسول الله وقفا على النفع العام. ثم وقف عمر بن الخطاب أرضا له بنجد وأخرى بخيبر، وكانت أثمن ما في ملكه، إذ ذهب إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال له: يا رسول الله, إني استفدت مالا, وهو عندي نفيس فأردت أن أتصدق به. فقال له الرسول: تصدق بأصله, لا يباع ولا يوهب ولا يورّث, ولكن يُنفق ثمرُه.. فكتب عمر وثيقة وقفه هذا، التي لعلها أقدم وثائق وحجج هذا النظام في تاريخ الإسلام, وفيها: هذا ما كتب عبد الله عمر في ثمغ أرض بخيبر أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث. للفقراء والقربى والرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف, لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم صديقا غير متمول فيه. ولقد ظلت مؤسسة الأوقاف على مر التاريخ الإسلامي إحدى أهم مؤسسات الأمة التي رجحت كفتها في مواجهة الدولة.. وفي عهد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك وبعد اتساع الأوقاف، قام أول ديوان للأوقاف, وكان مستقلا عن دواوين الدولة, يشرف عليه القاضي النائب عن الأمة.. وظل هذا هو حال الإشراف على الأوقاف من قبل علماء الأمة وقضاتها على مر تاريخ الإسلام. ولأن الفقه الإسلامي قد جعل شرط الواقف مثل حكم الشارع فلقد كانت الأوقاف في تاريخنا الإسلامي أداة لحماية الأموال والثروات من مصادرات الولاة والسلاطين الطغاة. وإذا شئنا إشارات شاهدة على تمويل الأوقاف لمختلف ميادين صناعة الحضارة الإسلامية, ومن ثم إشاعة مقادير كبيرة من العدل الاجتماعي بين الكافة, وإضفاء طابع إنساني جميل ورفيع على هذه الحضارة, فيكفي أن نعلم أن هذه الأوقاف قد تولت ورعت: - المساجد: التي مثلت بيوت الله في الأرض, ودواوين الشئون الاسلامية العامة, وأوتاد الإسلام في بلاد المسلمين. - المدارس: التي جعلت الحضارة الإسلامية منارة العلم الفريدة علي هذه الأرض لعدة قرون. المكتبات: التي يسرت العلم للراغبين فيه دون نفقات. نسخ المخطوطات: في عصور ما قبل الطباعة, إلى الحد الذي شهدت فيه مكتبات القاهرة من تاريخ الطبري أكثر من ألف نسخة. رعاية المخطوطات وحفظها من التلف.. والحفاظ على التحف والآثار.. وإقامة الخوانق والتكايا لأقطاب التصوُّف ومريديه.. وإنشاء المكاتب القائمة على تحفيظ القرآن الكريم.. وإقامة "البيمارستانات", وهي مؤسسات متكاملة للعلاج والاستشفاء من الأمراض العضوية والنفسية.. ورصف الطرق وتعديلها وصيانتها.. وتحرير الأسرى بافتدائهم, والإنفاق عليهم وعلى عائلاتهم.. ورعاية أبناء السبيل, حتى يعودوا إلى منازلهم وديارهم.. والمعاونة على أداء فريضة الحج لغير المستطيعين.. وتجهيز الحلي الذهبية وأدوات الزينة للعرائس الفقيرات اللاتي لا يستطعن شراءها عند الزواج.. ورعاية النساء الغاضبات, اللواتي لا أسر لهن أو من تسكن أسرهُن في بلاد بعيدة, فتؤسس لهن دورا تقوم على رعايتها نساء, وعلى رأسهم مشرفة تهييء الصلح للزوجات الغاضبات مع أزواجهن.. وعمارة الرباطات في الثغور للمجاهدين وشحنها بأدوات القتال ونفقات المقاتلين, ورعاية أسر الشهداء.. ورعاية العميان والمقعَدين وذوي العاهات والأمراض المزمنة.. وتطبيب الحيوانات والطيور, وإيواء ورعاية الحيوانات الأليفة.. ومؤسسات نقطة الحليب لإمداد الأمهات المرضعات المحتاجات للحليب والسكر لإرضاع أطفالهن.. وتهيئة موائد الإفطار والسحور في رمضان للمحتاجين.. والحدائق المخصصة ثمارها وظلالها للغرباء وأبناء السبيل.. والأواني المخصصة للمناسبات, لمن لا يمتلكها, والتي تعوض الخدم عن ما يكسر منها حتى لا يؤذيهم مخدوموهم.. وتجهيز الموتى الفقراء والغرباء.. وبناء مقابر الصدقة.. والإنفاق على الحرمين الشريفين وعلى المسجد الأقصى, وعلى العلماء والطلاب المجاورين بهم.. وإقامة أسواق التجارة وخانات التجار.. وإقامة المؤسسات الصناعية.. والعبّارات.. والحمامات العامة.. ورعاية المسجونين وأسرهم.. وتسليف المحتاجين بدون عوض.. وإنشاء القناطر والجسور.. وتزويج المحتاجين والمحتاجات.. ومؤسسات رعاية الأيتام.. إلخ.. نعم.. بالأوقاف, والتمويل الأهلي, بنت الأمة الإسلامية حضارتها الإنسانية, التي شملت مختلف جوانب الحياة.. من الموسيقي.. إلى رضاعة الأطفال.. إلى المساجد.. والمكتبات.. وحتى حراسة الثغور والجهاد في سبيل الله. فهل نعيد النظر في القوانين الجائرة التي دمرت مؤسسات الوقف, ومن ثم حجَّمت الأمة, وجعلت من الدولة غولا يفترس الحريات؟! * الذين يوقفون الأموال والثروات إنما يخرجونها من حيازتهم وملكيتهم ويعيدونها إلى المالك الحقيقي, وهو الله سبحانه وتعالى فتظل أصولها موقوفة محبوسة، بينما تُنفق عوائدُها وثمراتها في النفع العام.. ولهذه الحقيقة قال الإمام ابن حزم الأندلسي: إن الوقف, ليس إخراج المال إلى غير مالك كما قال بعض الفقهاء، وإنما هو إخراجه إلى أجلِّ مالك وخير مالك وهو الله سبحانه وتعالى. * من المجالات الكثيرة التي مولتها الأوقاف في التاريخ الإسلامي رعاية المخطوطات وحفظها من التلف.. والحفاظ على التحف والآثار.. وإقامة الخوانق والتكايا لأقطاب التصوُّف ومريديه.. وإنشاء المكاتب القائمة على تحفيظ القرآن الكريم.. وإقامة "البيمارستانات", وهي مؤسسات متكاملة للعلاج والاستشفاء من الأمراض العضوية والنفسية.. ورصف الطرق وتعديلها وصيانتها.. وتحرير الأسرى بافتدائهم, والإنفاق عليهم وعلى عائلاتهم.. ورعاية أبناء السبيل, حتى يعودوا إلى منازلهم وديارهم.. والمعاونة على أداء فريضة الحج لغير المستطيعين.. وتجهيز الحلي الذهبية وأدوات الزينة للعرائس الفقيرات اللاتي لا يستطعن شراءها عند الزواج..