ميدان تقسيم القشة التي قصمت ظهر البعير تركيا وألمانيا.. صراع المصالح في أوروبا لم تنحسر ارتدادات الاحتجاجات التي شهدتها تركيا طيلة نحو ثلاثة أسابيع داخل حدودها، بل تجاوزتها إلى علاقاتها الدولية والدبلوماسية، حيث وصلت شرارة هذه الاحتجاجات موضوع المفاوضات من أجل انضمام أنقرة للاتحاد الأوروبي، وأدت إلى تبادل استدعاء السفراء بين تركيا وألمانيا، وهو ما قرأ فيه بعض المحللين (صراعا في النفوذ بين البلدين). فقد انتقدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تعامل الشرطة التركية مع المحتجين وعدته (قاسيا(، كما دعا بعض المسؤولين في حزبها إلى وقف مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي التي من المقرر أن تعقد جولة جديدة منها بعد أيام قليلة. هذه التصريحات رد عليها وزير الاتحاد الأوروبي في الحكومة التركية إيغمان باغيس قائلا إنه (إذا كانت ميركل تبحث عن مادة لحملتها الانتخابية الداخلية فإن هذه المادة يجب ألا تكون تركيا)، في إشارة إلى الانتخابات التشريعية المرتقبة في ألمانيا في 22 سبتمبر المقبل. ومع تصاعد التوتر استدعت الخارجية الألمانية السفير التركي في ألمانيا لطلب توضيحات، وردت أنقرة بالمثل واستدعت السفير الألماني، وهو ما فسره محللون بأنه مجرد (صراع مصالح ونفوذ( بين ألمانيا وتركيا. الجولة المقبلة من المفاوضات يفترض أن تبحث الفصل 22 المتعلق بقضايا السياسة الإقليمية، غير أن وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله قال هذا الأسبوع إنه يرغب في بدء النقاش حول الفصلين 23 و24 المتعلقين بالحقوق المدنية وحرية الصحافة وحرية التجمع. الأكاديمي والمحلل السياسي التركي مسعود أولكار قال إن ألمانيا هي الفاعل الأساسي في الاتحاد الأوروبي، وإن تركيا بدورها انتقلت في السنوات العشر الأخيرة من موقع الضعف إلى موقع القوة المتصاعدة، وأصبحت لها علاقات مع دول الشرق الأوسط وأفريقيا، و(هذه القوة يراقبها الاتحاد الأوروبي عن كثب). وأضاف أن مثل هذا التوتر ليس جديدا، وأن علاقات الاتحاد مع تركيا يطبعها دائما المد والجزر، معتبرا أن ألمانيا وبعض دول الاتحاد خصوصا فرنسا (قلقة من انضمام تركيا إليه لأنها تشكل قوة سكانية كبيرة وستصبح ثاني قوة انتخابية في أوروبا بعد فرنسا في حال انضمامها). ويرى أن ألمانيا تعرف أن تزايد قوة تركيا سوف يكون على حساب النفوذ الألماني في أوروبا، خصوصا أن تركيا في نظره أصبحت مؤثرة في محيطها، ولن (تقف تنتظر أمام الباب كما تريد لها بعض الدول، فأوروبا اليوم تحتاج إلى تركيا أكثر من حاجة تركيا إلى أوروبا). ويقول أولكار إن الشعب التركي لا يثق في كون أوروبا تريد انضمام تركيا إليها، وإن 40 بالمائة منه لم تعد لهم رغبة في هذا الانضمام، لأن الاتحاد الأوروبي يتعامل مع تركيا بسياسة لخصها المتحدث نفسه في تعبير شعبي تركي معناه (الباب مفتوح لكن العتبة مرتفعة). وردا على سؤال بشأن ما إذا كانت الأزمة بين ألمانيا وتركيا ستؤثر على مفاوضات الانضمام، قال إن هذه المفاوضات ستستمر، و(سيطلب الأوروبيون من تركيا أن تركز على الحريات العامة، لأن الاتحاد قرأ الأحداث الأخيرة في تركيا قراءة خاطئة). وبدوره يرى المحلل السياسي التركي برهان الدين قور أوغلو أن العلاقة بين ألمانيا وتركيا (متميزة وتاريخية بالنظر إلى حجم التبادل التجاري بين البلدين وعدد الأتراك الموجودين في ألمانيا). لكنه اعتبر أن الإعلام الألماني في الفترة الأخيرة (نشر أخبارا غير صحيحة عن الأحداث التي شهدتها تركيا، وردت تركيا على ذلك رد فعل شديدا فتصاعدت الأزمة)، مشيرا إلى أن ألمانيا منذ فترة (أصبحت ترى في تركيا منافسا قويا على نفوذها، وكلما توسع نفوذ تركيا قلص من نفوذ ألمانيا وتضررت مصالحها). وأوضح أن مما فاقم الأمر أيضا ما سماه (تصاعد المواقف العدوانية والفاشية في ألمانيا ضد الأتراك والمسلمين)، مؤكدا أن استمرار مفاوضات الانضمام ونجاحها رهين بموقف أوروبا من تركيا. وقال إن تركيا تريد الانضمام للاتحاد الأوروبي (ولكن ليس بأي ثمن، فإذا كانت هناك معايير عادلة فهي ستقبل الانضمام، أما إذا استمرت المعايير غير العادلة فإنها ستستغني عن أوروبا، فأولويتها لم تعد الانضمام للاتحاد الأوروبي). في المقابل استخدمت الشرطة التركية ليل السبت إلى الأحد مدافع المياه لفض الاحتجاجات المتجددة المناهضة للحكومة في وسط اسطنبول، وهو ما يطيل أمد الأزمة بين المتظاهرين وقوات الأمن. وكان المحتجون قد تجمعوا في ميدان تقسيم في اسطنبول بعد أن تم طردهم منه مرتين خلال الأسابيع الثلاثة الماضية. وعرقل المتظاهرون حركة المرور مرة أخرى في الوقت الذي كانوا يحملون فيه لافتات تندد بحكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان. وأخلي الميدان من المتظاهرين وأعيد فتحه أمام حركة المرور بعد منتصف فجر أمس الأحد.