تخوف الكثيرون من حلول الشهر الفضيل في أحر شهور السنة واقترانه بشهر جويلية، إذ دخل الكثير في عطلهم السنوية التي اختار البعض الاستفادة منها تزامنا مع شهر رمضان المعظم، من أجل الفرار من حرارة الجو التي تزيد من تعب الصيام والإحساس بالعطش، وعلى العموم تميزت الأيام الأولى من الشهر الكريم الذي نعيش قرب نهاية أسبوعه الأول بأجواء خاصة، إذ غاب المتنقلون عن الشوارع وكان مآلهم مقرات العمل أو البيوت، خصوصا مع ارتفاع درجة الحرارة إلى حدود الأربعين درجة في أواخر الأسبوع، وشهدت الشوارع خلوا تاما لاسيما خلال العطلة الأسبوعية، ناهيك عن قطاع النقل الذي شهدت خدماته تدهورا ملحوظا أثار حفيظة المسافرين مما أثر على العمال المداومين بقطاعات حيوية. اقترن رمضان لدى بعض الجزائريين بالكسل والجمود وقضاء معظم الوقت في النوم لتفادي العصبية والنرفزة التي تحدث بين الفينة والأخرى، ناهيك عن تعطل بعض القطاعات الحيوية ودخول الكل في سبات عميق وإلصاق التهمة بالصيام البريء من كل تلك الأفعال والسلوكات، ناهيك عن تعطل الكثير من المصالح والمشاغل وتفشي مظاهر الصراعات والنزاعات التي تحدث لأتفه الأسباب، وقد تصل إلى حد سفك الدماء وتخليف ضحايا قياسا بالتجارب الماضية التي تكشف في كل مرة عن ارتفاع وتيرة الإجرام خلال الشهر الفضيل. خلو تام للشوارع في ساعات النهار عم الجمود والسكون كافة النواحي لاسيما في الأيام الأولى وفر الكل إلى بيوتهم ومقرات عملهم، ناهيك عن الأسواق التي ظهرت محلاتها موصدة الأبواب خلال اليوم الأول من الشهر الكريم بدعوى العمل المتضاعف للتجار قبل رمضان، وكان كذلك حال سوق القبة وغيره من الأسواق، وحتى المواطنون ألغوا تبضعهم في ذلك اليوم بعد تحضير العدة قبل رمضان. الشوارع هي الأخرى شهدت خلوا تاما وكذلك محطات النقل وكان المتنقلون خلال اليوم الأول والثاني يعدّون على الأصابع بسبب استعصاء اليوم الأول من الصيام على الجميع، خصوصا مع ارتفاع درجات الحرارة التي وصلت إلى حدود الأربعين درجة. وهو ما شهدته معظم الشوارع عبر العاصمة وضواحيها على غرار الجزائر الوسطى، القبة، حسين داي،... بحيث تضاءل المتنقلون على غير العادة، فالبعض رأى أن التنقل يزيد من تعب الصائمين خصوصا مع الحرارة المرتفعة مما أدى إلى هجرة جماعية للمواطنين للشوارع وظهر بها البعض الذين تربطهم مصالح لا تحتمل التأجيل. اقتربت (أخبار اليوم) من بعضهم لرصد آرائهم واستفسارهم عن كيفية تأقلمهم مع الصيام في الأيام الأولى، خديجة سيدة في العقد الخامس التقيناها بساحة أودان قالت إن شهر رمضان في هذه السنة ليس سهلا وسيؤثر كثيرا على كبار السن والمرضى إلا أن فريضة الصيام تجبر الكل على أداء ذلك الركن الهام، وحمدت الله على الصبر والقدرة على الصيام، موضحة أن لها تجربة ناجحة منذ عقود لرمضان في فصل الصيف، ورأت أنه يستعصى على الأجيال الجديدة التأقلم معه أما الكبار فألفوا اقتران رمضان مع فصل الصيف. وشهدت الشوارع والأسواق خلوا تاما في الفترة الصباحية لتعود الحيوية شيئا فشيئا مع توالي ساعات اليوم، لاسيما في الفترة المسائية التي تعيد الحيوية والنشاط لأغلب الشوارع، إذ يهب باعة الحلويات الشرقية وكذا (الشاربات) إلى نصب طاولاتهم لاستقبال الزبائن في أغلب النواحي، كما أنها الفترة المفضلة للمواطنين من أجل الخروج خاصة مع الانخفاض التدريجي لدرجات الحرارة في الفترة المسائية، وهو ما يهيئ لهم الجو من أجل التنقل لاقتناء بعض مقبلات السهرة والإفطار. قلة وسائل النقل يزيد من توتر الصائمين عاش المسافرون على الأعصاب بالنظر إلى الخلو التام الذي شهدته محطات النقل بما فيها الثانوية أو الرئيسية سواء تعلق الأمر بقطاع النقل العمومي أو الخاص، ذاك الأخير الذي فاق تدهوره كل التصورات وكأن الناقلين الخواص باتوا يعملون لمصلحتهم وليس لمصلحة المسافرين ودون أدنى احترام لدفتر الشروط. وكان الأمر جد صعب، بحيث مكث الصائمون في بعض المحطات التي لا تتوفر حتى على واقيات الشمس وذاقوا الأمرين لأجل الظفر بحافلة نقل تقلهم إلى وجهاتهم المقصودة، بحيث شهدت بعض الحافلات تأخرا في الانطلاق وخلطا واضحا في المواعيد، ومن الحافلات من ألغت رحلاتها أو أجلتها إلى إشعار آخر، وكان المسافرون ضحايا تلك التصرفات اللامسؤولة، وهو ما عاشته محطة بئر توتة بمحاذاة الأحياء الجديدة إذ استعصى على سكانها الظفر بحافلة نقل خصوصا مع العطلة الأسبوعية وبالذات يوم الجمعة الذي أعلن فيه الناقلون الخواص عطلتهم، خلال الأيام الأولى من الشهر الكريم، وحذت حذوهم حافلات النقل العمومي ايتوزا التي تأخرت عن مواعيدها المقررة، وأبان الكل عن غيظهم من المأساة التي تجرعوها في أولى أيام الشهر الكريم في كامل النقاط بالعاصمة وضواحيها، ورأوا أنه كان من الأفضل خضوع القطاع إلى تنظيم مضاعف من أجل ضمان راحة المسافرين وتنقلاتهم، وليس إهمالهم في تلك المحطات تحت درجة حرارة عالية وهم صائمون، ما أبانه أحد المواطنين ببئر توتة إذ قال إنه انتظر على مستوى المحطة قرابة الساعة ولم تقدم حافلة إيتوزا على غير العادة، لاسيما وأنه يعمل في يوم الجمعة، وذكر أن الأمر يجسد الإهمال المعلن وانعدام الرقابة، والضحايا هم المسافرون، وتخوف من استمرار المعاناة خلال أيام الشهر الكريم. وهو ما قابلناه أيضا بالمحطة المركزية لبئر توتة، حيث غابت حافلات النقل الخاص وخلت المحطة منها خلوا تاما الأمر الذي انعكس سلبا على المسافرين الذين استنجد أغلبهم بسيارات الكلوندستان وفضلوا دفع أموالهم بدل المكوث تحت درجة حرارة عالية تلفح أجسامهم وتزيد من تعبهم، وطالب الكل بضرورة تنظيم القطاع وفرض الرقابة سواء على حافلات النقل العمومي أو حافلات النقل الخاص المخولة لخدمة الصالح العام. العصبية والنرفزة تطبع سلوكات البعض سيناريوهات النرفزة والعراكات الروتينية هي ميزة تطبع أيام الشهر الفضيل لدى البعض، ولم تسلم منها حتى الأيام الأولى بل سجلت حتى في الأيام الأولى ببعض الأسواق وحافلات النقل، ولم تعد ظاهرة تميز المدخنين بل انتشرت إلى الكل بما فيه الجنس اللطيف. وميزت المشهد أوانس وسيدات من مختلف الأعمار تزعمن تلك العراكات والملاسنات التي لم تنجو منها أي بقعة، ويقذف الكل بالتهمة إلى مرمى الصيام، والتزم الكل بالحيطة في التعامل بكل حذر مع بعض الأصناف، إلا أن الملاسنات والمشادات الكلامية هي من السيناريوهات التي لا مفر منها خلال أيام الشهر الفضيل، تصدر من أناس (غلبهم رمضان) كما يقال بالعامية. في هذا الصدد اقتربنا من البعض لرصد يومياتهم في رمضان واستفسرناهم هل هم عصبيون أم لا؟ فكانت الآراء متباينة. السيد ياسين قال إنه من المدخنين وبطبيعة الحال يتأثر بغياب السجائر إلا أنه يبذل قصارى جهده لتفادي النرفزة والعصبية سواء في البيت أو في الشارع، وتكون الأيام الأولى صعبة عليه إلا أنه يتأقلم بشكل تدريجي مع الصيام مع توالي الأيام. أما مواطن آخر يعمل تاجرا في محل للمواد الغذائية فقال إن النرفزة لا تغادره خلال الشهر الكريم، لاسيما وأنه يستقبل أصنافا متنوعة من الناس خلال اليوم وكثيرا ما يدخل في مشادات مع بعضهم لا تخرج عن حدود الملاسنات الكلامية بسبب سوء تفاهم بسيط بينه وبين بعض الزبائن، إلا أنه يعود في الأخير ويطلب منهم العفو حتى ولو كانوا مخطئين في حقه، ورأى أن بعضهم يتأثر بانعدام السجائر وآخرون يتأثرون بالصوم لأسباب مرضية وبذلك يعمل قدر المستطاع لتفهمهم وإرضائهم. أما الآنسة مروة فقالت إنها وقفت على موقف غريب في اليوم الأول من الصيام، بحيث راح أحد القابضين يتعارك مع سيدة ظهرت عليها معالم المرض على مستوى حافلة نقل خاص بالعاصمة، ودخل في مشادات كلامية عنيفة معها، ولم يشأ القابض ترك السيدة وحالها حتى بعد أن أعلنت للجميع إصابتها بالضغط الدموي واستعصاء صيامها إلا أن القابض لم يرحمها وواصل العراك معها وشتمها دون أدنى تدخل من طرف المسافرين على غير ما عهدناه في مجتمعنا، وتكفلت بمهمة إبعاد القابض عن تلك المرآأة المسكينة والمغلوبة على أمرها شابة طلبت منه أن ينصرف عنها ويبتعد عن مكان جلوسها كون مكوثه هناك سيزيد من عصبيتها، وختمت بالقول إنه موقف مؤسف جدا تعرضت إليه تلك السيدة التي كانت تظهر عليها ملامح التعب والمرض.