أخبار اليوم" ترصد خلفيات وكواليس إضراب العمال ماذا يجري في قطاع البريد؟ في رسالة صريحة وواضحة باسمهم جميعا إلى وزير البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتّصال موسى بن حمّادي، قرّر عمال بريد الجزائر التمسّك بالإضراب الوطني المفتوح كآخر وسيلة ضغط لهم من أجل المطالبة بحقوقهم، على رأسها احتساب الأثر الرّجعي بنسبة 30 بالمائة كاملة غير منقوصة من 1 جانفي 2008 إلى غاية 1 جويلية 2011، كما سبق وأن اِلتزم به الوزير شخصيا أمام العمال كوعد شرف منه، مُقرّا بمشروعية المطالب عقب إضراب جانفي الماضي. كانت ل (أخبار اليوم) جولات في مقرّ البريد المركزي وزيارتان لمقرّ وزارة البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتّصال ومقرّ البريد القريب منه، ثمّ زيارة لمديرية بريد الجزائر من أجل الوقوف عن كثب على ما يجري في بيت الوزير بن حمّادي الذي تولّى شؤون القطاع منذ سنتين. النقابة المستقلّة تتبنّى الإضراب أوّل من استجوبناهم مجموعة من ممثّلي ما أصبح يعرف بالنقابة الوطنية المستقلّة لعمال البريد، قيد التأسيس، حركة منبثقة عن العمال أنفسهم تتبنّى مطالبهم وانشغالاتهم ولا يعترفون بالنقابة الرّسمية ممثّلا عنهم كونها حسبهم تعمل ضد مصالح العمال ولا يثقون في نزاهة أعضائها لأنهم جاءوا عن طريق انتخابات مزوّرة، حسب ادّعاءاتهم، وكلّما يتمّ استبدالهم تقوم الإدارة بشراء ذمّتهم، هذه الأخيرة أدّى استهتارها وتلاعبها بمشاكل العمال إلى تعفّن الوضع، حسب رأيهم. حاولنا التحدّث إلى بعض ممثّلي النقابة الرّسمية أو الإدارة لكن دون جدوى، دخلنا مبنى البريد المركزي للغرض ذاته فقال لنا العمال: (لن تجدوا أحدا منهم هنا)، يأتي بعض منهم يعاين ويستطلع ثمّ يختفي الجميع، مع التهرّب من التعامل مع الصحافة. وفي بدايات الحركة الاحتجاجية للعمال اِلتقينا ممثّلين عن النقابة المستقلّة وكان منهم السيّد (بوعلام أحمد) الذي لخّص لنا مجمل ما يعاني منه عمال البريد بقوله (إن عامل البريد في الجزائر يعمل ليل نهار ويسهر على خدمة المواطن دون أن ينال حقّه كاملا، براتب يوازي ما يبذله من جهد وتعب طيلة سنوات العمل ودون ترقية، فحاله هو هو منذ دخوله وهو شابّ حتى يغادره وهو شيخ). ويتّفق كلّ العمال مع (بوعلام)، ويضيفون أن الوزير وعدهم بتسوية مشكل الأجور والمنح شهر ماي الماضي وفق الاتّفاقية المبرمة بين الشريك الاجتماعي والوزارة، لكنها كانت مجرّد وعود كاذبة لم يتحقّق منها شيء لحد الآن. تسلّمنا نسخة من وثيقة بيان النقابة المستقلّة أعرب فيه العمال عن تمسّكهم بمطالبهم بإجراء إصلاحات حقيقية في القطاع، كما عبّروا فيه عن تذمّرهم واستيائهم من تماطل وتضليل الجهات الوصية واستهتار الإدارة، محذّرين من تدهور الأوضاع، وعليه فهم يلحّون على الوزير تطبيق سلّم الأجور الجديد بأثر رجعي، مع ضرورة فتح ملف المنح والعلاوات بدراسة منحة المردودية الفردية والجماعية على حِدة وضخّها بأثر رجعي من تاريخ 2004 وضخّ منحة المردودية لسنة 2012 وفتح تحقيق شامل في تسيير الموارد البشرية وأموال الخدمات الاجتماعية التعاضدية، وتثبيت وترسيم عقود ما قبل التشغيل، كما وعد الوزير. وتضيف الآنسة (سارة) زيادة على ما ذكر بصفتها عاملة في مركز بريد بئر توتة أنهم يعانون أيضا من ضغط العمل نظرا لنقص اليد العاملة وانعدام التهوية، وأكثر ما يعانون منه الفساد المستشري في القطاع، على حد تعبيرها. تحالف بين الوزارة الوصية والمديرية على الصمت في مقرّ وزارة البريد وفي زيارتين متتاليتين حاولنا الاتّصال بالمكلّف بالإعلام لكننا لم نتلقّى أيّ جواب، فهم دائما في اجتماعات مغلقة وتحوّلنا إلى مديرية البريد بباب الزوار، فثمّة المشكل والحلّ حسب الوزارة التي لا علاقة لها بالإضراب لا من قريب ولا من بعيد، والوزير الذي يخاطبه العمال المضربون مباشرة بتنفيذ وعوده في خبر كان. في مقرّ المديرية التي على رأسها محمد العيد محلول، حاولنا الاتّصال بالمكلّف بالإعلام مرارا دون جدوى، والمدير العام مثله مثل الوزير لا أثر له ولا تصريح. وكان لنا حديث مع بعض العمال منهم أعضاء من النقابة الرّسمية تسلّمنا منهم تعليمة صدرت بتاريخ 18 أوت اليوم الأوّل من الإضراب تحمل إمضاء المدير العام لمديرية بريد الجزائر السيّد محند العيد محلول، وكذا إمضاء الأمين العام لنقابة مؤسسة بريد الجزائر مراد بن جدّي جاء فيها ضخّ الدفعة الثانية بقيمة 30000 دج من منحة الأرباح قبل 25 أوت الجاري. وقد أقرّ العمال لنا بأنهم تسلّموا الدفعة الأولى فعلا في العشر الأوائل من رمضان، وفيها أيضا صرف مبالغ منحة المرد ودية الفردية قبل تاريخ 30 سبتمبر القادم. وبخصوص تطبيق شبكة الأجور الجديدة بدءا من 1 جويلية 2013 فإنه تقرّر صرف الرّواتب بالزّيادة شهر أكتوبر من العام نفسه، وأشارت التعليمة إلى اِلتزام الوزير بوعده الذي أعطاه للعمال في جانفي 2013. هذا، وقد سألنا بعض العمال عن هذه القرارات الصادرة فقالوا إنها غير كافية ومجرّد مسكّنات ولا تعالج الأزمة القائمة، لذا يرفضها العمال ويستمرّون في الاحتجاج إلى أجل غير مسمّى، وهي حسبهم لا تغيّر شيئا من الأزمة القائمة بينهم وبين الإدارة والوزارة. نقابة سيدي السعيد مع "الواقف" في حديثنا مع بعض من ممثّلي النقابة الرّسمية رفضوا الإعلان عن هوّياتهم، تساءلنا عن موقفهم من النقابة المستقلّة وعن الاتّهامات الموجّهة إليهم فقالوا: (نحن ننفّذ تعليمات الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين سيدي السعيد الذي في اجتماع له معنا أثناء إضراب جانفي الماضي أصدر أمرا بعدم المشاركة في أيّ احتجاج أو إضراب من أجل تفويت الفرصة على مَن يريد ضرب استقرار البلد، خصوصا في هذه الظروف الإقليمية والعربية الصعبة، ونحن بين المطرقة والسندان، مطرقة سيدي السعيد وسندان العمال الذين ننتمي إليهم أساسا، لكننا نختلف في طريقة الاحتجاج، فنحن بحكم انتمائنا النقابي نقوم بواجبنا واتّخذنا خطوات قانونية على مدار العام للمطالبة بتحسين وضعية القطاع، وربما ما نقوم به أنجع من الإضراب، وإن كنّا نقرّ بأن الاحتجاج الأخير كان له أثر في استجابة الإدارة الوصية لبعض المطالب). حديث عن صراع خفي بين الوزير والمدير تضاربت الأقوال والتأويلات وتعدّدت الآراء، هل الإضراب عفوي وعادي أم هو مفتعل وتحريضي؟ ذكر لنا عمال في المديرية أن السيّد محلول الذي عيّنه الوزير بن حمّادي منذ عامين يشهد له بالجدّية، وأنه يبذل قصارى جهده من أجل تحسين الأوضاع في قطاع لا ينقصه المال، لكن أين يبدّد؟ فالمدير يصرّح للعمال بأنه ليست لديه أيّ نيّة ولا صلاحية إن كان لم يتلقّ أموالا لتلبية مطالب العمال، والمشكل حسب رأيه قائم في الوزارة، وهل المشكل بين الوزير والمدير؟ وهما يتقاذفان الكرة والعمال والقطاع ضحّية وحلبة صراع؟ كلّها فرضيات وجدناها تتردّد هنا وهناك في كواليس العمل وبين آذان العمال في ظلّ غياب تصريح رسمي من الوزارة أو المديرية. فحسب ما استقرأناه ويشاع في أحاديث العمال فإن الوزير ربما يكون وراء إثارة زوبعة احتجاجات حول مديره الذي عيّنه منذ عامين، وأن صمته وعدم تسريحه للأموال دليل على رغبته في تصعيد الأزمة وتوريط محلول مع العمال حتى تسهل إزاحته بحجّة سوء التسيير، إضافة إلى اتّهامه بالفساد ورفع دعوى قضائية ضده، حتى أن بعض القريبين من المدير العام محند العيد محلول ذهب للمطالبة بتدخّل الرئيس بوتفليقة نفسه من أجل وضع حدّ لأزمة قطاع البريد. وحديث آخر عن الفساد يجرّ بعضه بعضا، فهذا قطاع يفتح شهية كلّ من يرغب في الثراء بطرقه الملتوية، فعامل بسيط طالت يده مبلغ 600 مليون سنتيم في قضية درفانة وآخر يأخذ صكوكا دون توقيع لحسابه الخاص، وما خفي أعظم فمن سيحاسب من؟ وأين تذهب الأموال الطائلة؟ ولا يدفع الثمن سوى ذلك العامل البسيط (النيّة) الذي قال لنا بائسا أمام بوابة البريد المركزي: (لا أشعر بقيمتي كمواطن وعامل وخاصّة في الأعياد وفي شهر رمضان، حينما تزداد المصاريف ويشحّ المدخول في حين يستفيد المدراء المركزيون من علاوات تصل إلى 80 مليون سنتيم). للتذكير، فإن قطاع البريد شهد منذ سنة 2000 إصلاحات تمّ الفصل فيها بين خدمتي البريد من جهة وبين المواصلات تمثّلت في مؤسسة (بريد الجزائر) التي تهتمّ بكلّ ما هو خاص بالبريد، وهي مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي وتجاري تختصّ بالطابع البريدي وإصداراته وخدمة البرقيات العادية والسريعة والمضمونة. وتحتوي أيضا على قسم خاص بالخدمات المالية البريدية تعنى بكلّ ما هو نقدي كتحويل المال من الصكوك البريدية والحوّالات البريدية والتحويل السريع للمال عبر الدول. والقسم الثاني هو مؤسسة اتّصالات الجزائر وهي مؤسسة ذات أسهم تختصّ بكلّ ما هو اتّصالات سلكية ولا سلكية، منها مؤسسة (جواب) المكلّفة بخدمات الهاتف النقّال و(موبيليس) المكلّفة بالاتّصالات (أ.ت.س) تعنى بخدمات الأنترنت و(أ.ت.س) الفضائية كالأنترنت عن طريق الأقمار الاصطناعية وكلّ ما يهمّ تكنولوجيات الفضاء المختلفة.