بسطاء يقلدون أصحاب الشكارة يشتكي الكل من انخفاض القدرة الشرائية في ظل الالتهاب الذي تشهده أسعار كافة المواد الاستهلاكية التي تدخل في الاستهلاك اليومي للمواطنين، وبعد أن كانت الأسواق الشعبية مقصد الجميع تحوّل اهتمامهم في الآونة الأخيرة إلى المتاجر الراقية والكبرى التي انتشرت عبر العاصمة وتخصصت في بيع مختلف السلع الاستهلاكية وغيرها. نسيمة خباجة باتت بذلك المراكز التجارية الراقية تعج بالزبائن على الرغم من الارتفاع الذي تشهده المواد المعروضة على مستواها، إلا أن الازدحام المسجل عبر مداخلها يفسر الإقبال عليها، ويتأكد الجميع أن عدوى التبضع من هناك أصابت الكل ولحقت حتى بالعائلات البسيطة بهدف المفاخرة والبريستيج ليس إلا. ففي حين تختار بعض الطبقات التبضع من الطاولات الفوضوية والأسواق غير النظامية من أجل الاستفادة من بخس الأثمان قليلا والحفاظ على الميزانية وتفادي اختلالها، تذهب عائلات أخرى إلى التبضع من الأقطاب التجارية الفخمة بدليل الطوابير اللامتناهية للسيارات التي تحاذي تلك المراكز المعروفة على غرار (أرديس)، (لوازير) وغيرها من المراكز الأخرى، وبعد أن كانت حكرا على الطبقات الغنية أضحت حتى الطبقات المتوسطة تزاحم تلك الأخيرة وتحتك بها وكأنها بذلك أبت أن توسع قوائم موادها الاستهلاكية المعتادة وتضيف سلعا لم تكن تعرفها قط أو تسمع بها من قبل، واقتحمت ذلك العالم المليء بالمنتجات المستوردة باهظة الثمن، ورأت أن كل شيء يهون أمام غاية الغوص قليلا في عالم المعلبات والأشياء المستوردة ولو لمرة واحدة في الحياة والشعور بالنشوى ولو كان ذلك على حساب اختلال الميزانية وتأثرها. "البريستيج" يضع البسطاء في ورطة بمركز أرديس بالمحمدية وقفنا على الإقبال الهائل للعائلات على ذلك المركز كأكبر قطب تجاري على مستوى العاصمة واختلفت معروضاته بين المواد الاستهلاكية ومختلف المقتنيات الأخرى من ملابس وأوانٍ منزلية، فهو يشتمل على العديد من الأجنحة، فرقيّه دفع بالعائلات إلى الإقبال عليه قصد التبضع منه، وفي نظرة خاطفة على الأسعار ظهر لنا أنها مرتفعة نوعا ما ولا تخدم كافة الطبقات، إلا أن الإقبال كان كبيرا على ذات المركز ما فسرته الطوابير الطويلة للسيارات وكذا امتلاء الحظيرة المحاذية للمركز بالمركبات. اقتربنا من بعض الزبائن هناك لرصد آرائهم حول الأسعار وكذا نوعية المواد المعروضة فاختلفت آراؤهم، إحدى السيدات كانت برفقة زوجها وأطفالها قالت إنها دائمة التسوق من هناك بحكم أنها تقطن قرب المركز وليس لها خيار آخر، وعن الأسعار قالت إنها ملائمة وألفتها وبحكم عملها هي وزوجها في وظائف مرموقة لا يحسان بالعبء فهم عائلة ميسورة. ووجدنا شابين آخرين يحومان على بعض الأجنحة فتقدمنا منهما فقال أحدهما (لم أقدم وصديقي بنية الشراء فالأسعار ملتهبة جدا ولا تناسب سوى أصحاب الشكارة واتينا للتجوال فقط). وبالجهة المقابلة عثرنا على بعض العائلات وهي تحوم بين مختلف الأجنحة علها تجد مقتنيات تتوافق ودخلها البسيط، منهم السيدة عايدة التي قالت إنها تلج المركز للمرة الأولى بعد أن سمعت عنه كثيرا وصدمت بالأسعار الملتهبة لمختلف المقتنيات خاصة المستوردة منها ولم تتمكن سوى من اقتناء بعض العلب من مادة الياغورت وستهم بالخروج والفرار من هناك، كون أن تلك الأماكن لا تعني العائلات البسيطة ولا مكان لها عبرها، ومن أرادت الولوج إلى هناك فالخطوة هي من باب التقليد والمفاخرة. "شاريوهات" للتبضع تكاد تنفجر وأخرى خاوية ما جذبنا ببعض المراكز الراقية هو امتلاء بعض الحمّالات الحديدية أو (الشاريوهات) عن آخرها لدى بعض الزبائن، وظهورها خاوية لدى البعض الآخر والأكيد أن الصنف الثاني ينتمي إلى العائلات التي أرادت التقليد والتبضع من المراكز الراقية التي لا تتاح للكل وتكون حكرا على العائلات الميسورة ويكون من نصيب الآخرين التجوال عبر الأجنحة واصطياد بعض السلع التي تقوى عليها العائلات المتوسطة خصوصا مع الارتفاع الذي تشهده الأسعار هناك بما لا يتوافق مع القدرة الشرائية للكثيرين، واستنتجنا أن البعض يملؤون تلك الشاريوهات دون حساب تكاليفها ولا يهمهم ذلك، أما آخرون فيحسبون ألف حساب لكل خطوة يقدمون عليها وبذلك فشلت نواياهم في تقليد الطبقة الغنية التي تصرف دون أدنى تفكير في التكلفة، وبذلك أخطأوا المكان الذي يدفع فيه الأغنياء الملايين حتى أن سلعهم هي سلع خاصة وتكون في غالبيتها مستوردة باهظة الثمن. ولعل أن شاريوهات البعض الخفيفة أو الخاوية تبرهن أن حمى التقليد غزت كل شيء وكأن المواطن البسيط شاء أن يصنع مكانا له في تلك الفضاءات التجارية، إلا أن قلة المال جعلته يصول ويجول حتى حفيت قدماه دون فائدة لأجل جلب كمية ضئيلة من السلع بعد أن اصطدم بنار الأسعار، ما وضحه لنا السيد إسماعيل الذي قال إنه وفد إلى هناك مع أبنائه بعد أن صمموا اللجوء إلى المركز والتجوال به إلا أن الأسعار لم ترقه تماما ولم يتمكن إلا من اقتناء كمية من الأجبان ومشتقات الحليب ويستعد للخروج دون رجعة، فالأسعار لا توافق جميع الطبقات وخصصت تلك المراكز على ما يبدو للميسورين الذين لا يحسبون ما يصرفون أما المواطن البسيط فيختلف حاله عن ذلك. أغنياء يصرفون الملايين على الكماليات ما لاحظناه عبر بعض الأقطاب التجارية الكبرى أن معظم الميسورين يصرفون الملايين على أشياء تافهة أو كمالية إن صح القول لا تخرج في مجملها عن المواد المعلبة والمصطفة من أجبان وبسكويت ومصبرات ومعاجين لأنواع من الفواكه وغيرها، في حين لا يقوى الزبون البسيط على جلب مواد ضرورية في استهلاكه اليومي، ودهشنا لما أخبرنا البعض أن بعض أنواع السلع تأخذ أكثر من مليون سنتيم من مصاريفهم، ما وضحه لنا السيد زكي الذي قال إنه في العادة ما يصرف قرابة 1 مليون سنتيم على أنواع من السلع الاستهلاكية على غرار المعلبات والأجبان والمحليات من بسكويت وحلويات وغيرها ولا يجد أي حرج في ذلك خصوصا وأنه ألف الإنفاق على ذلك المنوال، وفي كم من مرة يحاول أن يتقشف قليلا إلا أنه لا يستطيع بعد حومه عبر مختلف الأجنحة بالمراكز التجارية الفخمة التي تسيل معروضاتها لعاب المتجول عبرها. ما وضحته سيدة أخرى التي قالت إنها في كل مرة تجبر على إنفاق مبلغ ضخم في بعض الكماليات التي تدخل في الاستهلاك اليومي لأفراد العائلة لاسيما وأن أبناءها يميلون كثيرا إلى استهلاك المواد المعلبة بمختلف أنواعها سواء كانت عصائر أم أجبان أم معاجين وتتفاجأ بحمّالة البضائع وهي تملأ عن آخرها من طرفهم بعد طوافهم على الأجنحة برفقتها ويكلفها ذلك دفع مبالغ ضخمة أمام قباضة المركز. وتبقى المراكز التجارية الراقية حكرا على طبقات معينة مهما حاولت الطبقات الأخرى مزاحمتها فإنها تقف مكتوفة الأيدي أمام عجزها المادي وتكتفي بإلقاء نظرات على ذلك العالم الذي لم تستطع أن تحظى بمكان فيه، فتعود العائلات البسيطة من حيث أتت وتكون وجهتها الأسواق الشعبية وحتى الطاولات الفوضوية التي تفتح ذراعيها واسعا لاستقبال (الزوالية) من دون قيود.