تحمل سكان المناطق الريفية ببلدية العمارية بنحو 25كلم إلى شرق المدية، عبئا ثقيلا ومعاناة كبيرة خلال سنوات الإرهاب الأعمى والتي ميزتها المجازر والاغتيالات العشوائية، ما جعل سكان بعض المداشر يصمدون في وجه الضربات الموجعة، فيما نزح بعضهم الآخر إلى أطراف المنطقة الحضرية ببلدية العمارية مقر الدائرة أو اتجاه مناطق الساحل المتيجي وبوقرة وعاصمة الولاية، وللوقوف على حجم معاناة سكان هذه القرى حتى بعد تحسن الوضع الأمني زارت (أخبار اليوم) قرية سيدي سالم ووقفت هناك على حجم المعاناة في ظل انتشار مظاهر الفقر والحرمان. الزائر لقريتي سيدي سالم واللبابدة بجبال الأطلس البليدي، يقف على مظاهر الفقر المدقع والبطالة المتفشية، في ظل حرمان السكان الذين تشبثوا بأراضيهم الخصبة، حتى من أبسط برامج محافظة الغابات على اختلاف تسمياتها للرجال والنساء على حد السواء، فيما لا يزال السكان النازحون وبنسبة 100 في المائة ينتظرون وعود كل المسؤولين التنفيذيين منذ بشائر تحسن الوضع الأمني، لتعبيد الطريق أمامهم لعودتهم إلى أرزاقهم. السكان يرغبون في العودة الى أرزاقهم لكن بشروط في بداية رحلتنا إلى قرية سيدي سالم بنحو7كلم شمال العمارية، صادف وأن استوقفنا بعض شباب القرية لطرح انشغالاتهم وهم في حالات قصوى من التذمر، ليتساءل أحدهم بقوله (أيعقل أن يراجع أبناؤنا دروسهم على ضوء الشموع في ظل انعدام الكهرباء؟) بسبب تعرض كوابلها النحاسية إلى السرقة، ليضيف آخر: كما ترون أن أغلب سكان القرية لا يزالون يهتمون بتربية مختلف أنواع الماشية، تتصدرها الأبقار المدرة للحليب واللحوم الحمراء ورؤوس الأغنام وكذا الدواجن، وعن عودة النازحين 100 في المائة أضاف محدثنا: (أننا نحلم بالعودة إلى أرزاقنا، لكن بشروط توفير الدولة لأهم المرافق الضرورية لحياة بني البشر، كإعادة الكوابل الكهربائية وتهيئة المسالك وبرمجة قاعة علاج والماء الشروب، وكذا ترميم أو بناء مساكن في إطار البناء الريفي كون أن أحواش القرية تعرضت للتخريب من طرف الجماعات المسلحة والعوامل الطبيعية. أكد سكان قرية سيدي بأنهم لم ينقطعوا عن أراضيهم مصدر عيشهم طيلة سنوات العشرية السوداء، حيث كانوا يهجرون مساكنهم ليلا ويعمرونها نهارا للاشتغال في أراضيهم الخصبة مع شديد الحيطة والحذر، ثم تجمعوا وأفراد عائلات داخل مساكن كبيرة متقاربة، لتسهيل عمليات الدفاع عن أنفسهم بالأسلحة البيضاء لغاية نهاية 1997 أين تسلحوا في إطار الدفاع الذاتي، ما مكنهم وبالتنسيق مع القوات المشتركة من القضاء على فلول الجماعات الإرهابية. ونحن رفقة بعض شباب المنطقة، تمكنا من معاينة نقطة تعذيب المجاهدين خلال الثورة التحريرية، شيدت بالإسمنت بطول 4 أمتار وبعرض لا يتجاوز المتر ونصف (الصورة المرفقة)، كان يوضع داخلها أزيد من عشرة مجاهدين يبيتون ليلتهم الأخيرة قبل إعدامهم في الصباح الباكر حسب من تحدثوا إلينا، تبعد بنحو 100 متر عن ثكنة العدو، هي الآن مدرسة ابتدائية غير معبدة الساحة. الزائر لقرى شمال شرق البلدية، لا يلاحظ سوى بقايا الأحواش والفيلات التي أصبحت أثرا بعد عين، وحتى مناظر الحدائق باتت أشجارها المثمرة في حالات يرثى لها، نتيجة إهمالها وإصابتها بألسنة النيران التي طالت كل المساحات الغابية التي كانت تسر الناظرين، وحسب (ع.هني) مرافقنا في هذه الرحلة التحقيقية، فإن سكان فرنة-أولاد تركي- أسبيكة-أولاد علي -الطوابي.. كانت تشتهر بإنتاج مختلف أنواع الفواكه تتصدرها التين من نوع "عنق الحمام" وتربية المواشي في مقدمتها الأبقار الحلوب (الصورة المرفقة)، لكن مع بداية 1997 المتزامنة وشهر رمضان المعظم، بدأت عمليات الهجرة الاضطرارية نحو البليدة والعاصمة وبوفاريك، على إثر مجزرة أولاد التركي بزعامة عنتر زوابري، والذي بدأ أعماله الإجرامية باغتيال إمام مسجد القرية، المجزرة طالت 13 شخصا من عائلة واحدة بينهم أستاذي: (علي بوتو) في مادة اللغة العربية بالإبتدائي، بمبرر أن أخاه كان يؤدي واجب الخدمة الوطنية وحسب ملاحظتنا فإن جهة فورنة رغم الحصار التنموي المفروض عليها بمبرر نزوح سكانها، لا زالت المنطقة تشتهر بتربية الأبقار والحبوب خصوصا القمح وعلى أزيد من 100 هكتار، فرغبة العودة لمسناها عند كل الذين تحدثوا إلينا في الموضوع، شريطة إعادة الكوابل الكهربائية وتعبيد المسالك الرابطة بين هذه القرى والطريق الوطني رقم 64 الرابط بين العمارية بالمدية وبلدية بوقرة بالبليدة، مع تجميع المياه المتوفرة عبر ينابيع وعناصر منتشرة على مستوى الجهة، إضافة برمجة السكن الريفي مع دعم المستثمرين الخواص في تربية الماشية على غرار الأبقار الحلوب و الأغنام وتربية دواجن اللحوم الحمراء والبيض وغيرها من المتطلبات. الفلاحون لم يتلقوا الدعم والسكان لم يستفيدوا من مسلك معبد أجمع المواطنون الذين تحدثنا إليهم في جانب التنمية الشاملة، أن أرياف العمارية مهمشة على طول الخط في الجانب التنموي، متسائلين عن أسباب ذلك رغم التضحيات التي قدمها الآباء والأجداد أثناء الثورة التحريرية التي احتفلنا بذكراها ال 59 قبل أيام فقط قال أحدهم، والذي أضاف مسترسلا في السياق ذاته قائلا (إن أرياف الأطلس البليدي التابعة لإقليم المدية، قدمت الآلاف من الشهداء بينها العمارية المشهورة ب3200 شهيد؟). فالشاب (ب. مسعوداني) أشار إلى ظاهرة انعدام الكهرباء ببعض السكنات بهذه القرية الآهلة بالسكان، ولأزيد من أربعة أعوام حتى بالنسبة للسكنات الريفية، وهذا رغم عديد الشكاوي والمراسلات إلى السلطات المحلية الولائية منها شركة سونالغاز، بالإضافة إلى مياه الشرب التي لا تزور حنفياتنا إلا مرة كل عشرة أيام وبكمية قليلة. أما فيما يخص برامج السكن الريفي فقد شهد تقدما ملحوظا حسب محدثينا. أما الشاب (ه.عبد النور) فمن خلال دردشة مع (أخبار اليوم) أكد أن القرى بهذه البلدية الفقيرة، على غرار سيدي سالم -مدالة-تفالة- ذراع لقراد أي ذراع حراس الغابات في العهد الكولونيالي وبوقيطون إلخ..،لم تنل من مشاريع محافظة الغابات بالمدية، أثناء المخطط الخماسي الأول أوالثاني الموشك على الانتهاء، (فلا شجرة زيتون غرست ولا صندوق نحل أعطي لأحد فلاحي الجهة ولا مسلك ريفي برمج) -أكد محدثنا-، وأن كل المشاريع هي عبارة عن حبر على الورق أو ملفات بالرفوف ليس إلا. وحتى المرأة الريفية على مستوى أرياف العمارية، حرمت كذلك من البرامج المخصصة لها في إطار المرأة الريفية. وفي السياق ذاته قال محدثنا، وحتى المرأة بريف القرى السالفة لم تسمع بلفظ الارانب أو النحل أو ألات الخياطة أوبضعة دجاجات للبيض،ما جعل بعض شباب الجهة يصفون صندوق التنمية الريفية بالمصاب بالزكام. المعلومات المتطابقة لسكان أرياف العمارية،أشارت إلى إحصاءات مشاريع التشجير لسنة 2012 ،تؤكد استفادة ولاية المدية ب4ألاف هكتار مخصصة للأشجار المثمرة،سبق لها وأن وزعت عبر بلديات الولاية ال 64 بلدية باستثناء العمارية، التي تتوفر على الظروف المناخية الملائمة والتربة الجيدة، المناسبة لنجاح أشجار الكروم والزيتون والتين وحب الملوك والخوخ والمشمش..لدرجة أن الرئيس الراحل هواري بومدين، وصف العمارية بالمنتج الأول لمختلف الفواكه من حيث الكمية في الهكتار والنوعية أثناء زيارته لذات الولاية سبعينيات القرن الماضي، ما جعل محدثونا يطالبون بلجنة تحقيق في برامج محافظة الغابات ببلدية العمارية.