وجه القضاء التركي رسميا أولى الاتهامات في إطار حملة اعتقالات واسعة قامت بها الشرطة لمكافحة الفساد شملت عدة شخصيات محسوبة على رئيس الوزراء رجب طيّب أردوغان الذي اعتبر أن الاعتقالات (عملية قذرة) وجزء من (مؤامرة) قبل أربعة أشهر فقط من الانتخابات البلدية، فيما جرى إقالة عشرات من الضبّاط والمسؤولين بالشرطة، ما صفته الحكومة بأنه تطهير عقب الاعتقالات. بعد ثلاثة أيّام من توقيفهم على ذمّة التحقيق أمرت نيابة إسطنبول بسجن ثمانية أشخاص من بين عشرات أوقفتهم فجر الثلاثاء في إسطنبولوأنقرة المديرية المالية بالشرطة في عملية مداهمة أثارت زوبعة سياسية غير مسبوقة في قمة الدولة التركية. وكانت الشرطة قد اعتقلت 52 شخصا -بينهم أبناء ثلاثة وزراء ورجال أعمال بارزون مقربون من رئيس الوزراء ومسؤولون بحكومات محلية- يوم الاثنين الماضي، في أكبر تحقيق حول مزاعم فساد في البلاد منذ تولي أردوغان السلطة عام 2002. واستمر مثول الموقوفين على ذمة التحقيق صباح أول أمس في مكاتب نيابة إسطنبول، حيث ينتظر خصوصا وصول أبناء وزراء الاقتصاد والداخلية والبيئة ورئيس مصرف (هالك بنكزي) سليمان أصلان ورئيس بلدية فاتح في إسطنبول مصطفى دمير العضو في الحزب الحاكم. ويشتبه في تورط هؤلاء جميعا في أعمال فساد وتزوير وتبييض أموال في إطار ثلاث قضايا مرتبطة بصفقات عقارية عمومية وتحويل أموال وذهب بين تركيا وإيران الخاضعة لحظر دولي. وتقول الحكومة التركية إن هذه العملية تستهدف الإساءة لحزب العدالة والتنمية الحاكم، قبل أربعة أشهر من الانتخابات البلدية، وتحدث أردوغان عن مؤامرة واتهم (دولة داخل الدولة) بتنفيذ (عملية قذرة) تهدف إلى تلطيخ سمعته. ولمح مراقبون إلى علاقة هذه التطورات بخلاف بين السلطات وبين جماعة الداعية الإسلامي فتح الله غولن النافذة جدا في الشرطة والقضاء. وبعد أن كانت لفترة طويلة تعتبر حليفة حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ 2002، أعلنت هذه الجماعة حربا على الحكومة بسبب مشروع إلغاء مدارس الدعم الخاصة التي تستمد منها قسما من مواردها المالية، غير أن الشيخ غولن نفى أي علاقة له بهذه التطوّرات. وكانت حكومة أردوغان قد قامت عقب الاعتقال بحملة (تطهير) واسعة في صفوف قوات الشرطة فأقالت حاكم شرطة إسطنبول حسين جابكين، وقامت اليوم بطرد 14 ضابطا من المديرية العامة في شرطة أنقرة، ليبلغ العدد في المجموع الذي أقيل نحو خمسين ضابطا ومديرا في إطار هذه الحملة التي بدأت الثلاثاء الماضي. وشملت الإقالات في وقت سابق قادة وحدات مكافحة الجرائم المالية والجريمة المنظمة والتهريب في إسطنبول و18 آخرين على الأقل في العاصمة أنقرة. في هذه الأثناء، قالت تقارير تركية إن هناك أدلة على تورط الموقوفين على خلفية ضلوعهم في قضية الفساد والرشوة، ونقلت وكالة (جيهان) التركية عن صحف محلية أن قوات الشرطة التي داهمت منزل المدير العام لبنك خلق التركي (البنك الأهلي) بأمر من النيابة العامة في إسطنبول، عثرت على 4.5 ملايين دولار مخبأة داخل صناديق الأحذية، وفي المكتبة المنزلية الخاصة به، وأضافت أن قوات الشرطة عثرت أيضا على سبع خزانات معدنية للنقود داخل منزل نجل وزير الداخلية، وبداخل إحداها مبلغ 700 ألف دولار، كما عثر على آلة لعدّ النقود مخبأة في غرفة النوم الخاصة به. وذكر متابعون أن المعارضة القومية والعلمانية طالبت باستقالة وزراء الاقتصاد والداخلية والتخطيط العمراني بعد اعتقال أبنائهم، للاشتباه في تورطهم بتهم فساد. وذهب رئيس الحركة القومية إلى أبعد من ذلك مطالبا باستقالة الحكومة برمتها، وقال إنها متورطة في قضايا فساد لها صلة بمشاريع ضخمة في إسطنبول ومدن أخرى. أمّا ردود الفعل الشعبية فتمحورت حول دعوة الحكومة إلى اتباع الشفافية وعدم التدخل في مسارات التحقيق. وفي المقابل، حذرت الحكومة التركية من تشويه صورة المعتقلين قائلة إن التهم لم تثبت ضدهم بعد، ودعت إلى عدم انتهاك سرية التحقيق وإفشاء المعلومات عبر وسائل الإعلام. وفي بروكسل شدد بيتر ستانوا الناطق باسم المفوض الأوروبي للتوسيع ستيفان فولي، على ضرورة (استقلال وحياد) القضاء التركي، بينما حرص السفير الأميركي في أنقرة فرانسيس ريكاردوني على أن (الشفافية أساسية في النظام الديمقراطي).