مظاهر وأشكال غريبة أصبحت الطابع الأول المميز لفئة واسعة من المراهقين والشباب بالجزائر، وكلها موضة مستوحاة من العالم الغربي، بحيث بات من العسير التفريق بين الجزائري أو الأجنبي أو حتى بين الذكر والأنثى، فما بين قصات شعر غريبة وبين أوشام لا تمت بصلة إلى المجتمع وقع الشباب ضحية تغريبة اجتماعية طمست معالم هويتهم، فمن المسؤول؟ ينصب اهتمام الكثيرين من الشباب الجزائري على متابعة كل جديد في مجال الموضة، وهو ما يدفع البعض إلى تقليد كل أشكال الموضة من ملابس ومكياج وقصات شعر ونوع الموسيقى دون النظر إلى ملاءمة ذلك للمجتمع الذي يعيشون فيه، والتي تحول في بعض الأحيان إلى مسخ يصعب تقبله. فلا يختلف الذكر والأنثى في التنميق والتزيين عن طريق الاعتناء بالمظهر الخارجي من باب الاهتمام بالذات وتغيير المظهر، وقد تجاوز في أيامنا هذه حدود المألوف والمتعارف عليه، حيث أصبحت تلك الأمثلة التي تزخر بها الذاكرة الشعبية الجزائرية عن الجمال والزينة متجاوزة تلك التقاليد الشبابية الجديدة المبتكرة، والتي تحمل في شكلها موضة إلا أنها تخفي في طياتها نوعا من التمرد والسخط الشبابي عن كل ما هو مرتبط بالتقاليد، دون معرفة أصولها أو الهدف من اتباعها). ذكور يتخصصون في "البرسينغ" و"التاتواج" (البرسينغ) و(التاتواج) حرية شخصية لا مجال للنقاش فيها بالنسبة للبعض، فبعد الامتداد الذي عرفته الحركات الاجتماعية المتمردة من (الهيبيزم) في سنوات السبعينات ابتدع شباب القرن الواحد و العشرين تقاليد أخرى غريبة عرفت اكتساحا قويا لدى فئة واسعة من شباب اليوم ك (البارسينغ) و(التاتواج) وتلك القصات غريبة الشكل واللون لا أحد يعرف من أين استوحى هؤلاء الشباب فكرتها ومعاني أسمائها ك(الشاقور) والأشكال الهندسية الأخرى (أديداس)، بالإضافة إلى الحواجب نصف الحليقة، أو بها فراغ كأنه ندبة جرح قديم، زد إلى ذلك السراويل الواسعة والمنخفضة، أو تلك الضيقة المعروفة ب(السليم) والألبسة الموقعة أو المطرزة ذات دلالات وعبارات تكون بلغات أجنبية غير مفهومة والتي لا تمت للثقافة بأية صلة. ومن هذا المنطلق، انتشرت موضة (البرسينغ) التي شاعت في البداية بين أوساط الفتيات اللواتي جعلن منها شيئا فريدا من نوعه يزيد من إبراز أنوثتهن ولفت الانتباه إليهن، خصوصا في المناسبات كالأعراس لما يعطيه للفتاة من جاذبيته أكثر وأناقة لامثيل لها، حيث كان استخدامه ينحصر فقط على مستوى الأنف بحثا عن سحر الفتاة الغجرية أو الهندية وجمالها الفاتن، غير أننا نشهد اليوم إقبالا كبيرا من جانب فئة الذكور على تجربة (البارسينغ) لكن هذه المرة ليس بهدف إبراز الجمال وإنما كوسيلة تزيد للرجل قوة وغموض، ومن جهة أخرى رؤية المجتمع تختلف من شخص لآخر، فالكثيرون لا يحبذون مثل هذه التصرفات التي يحاول فيها الشباب استحداث شخصية غريبة عنهم لا تعكس حقيقتهم الأصلية، والأمر يرجع إلى إعجابهم الشديد لإعتناقهم لمثل هذه الأفكار الغريبة التي لا تتطابق مع أصول الإسلام الذي يرفض تشبه الرجل بالمرأة وإلحاق الأذى بجسم الإنسان سواء كان ذلك بالثقب أو الوشم. 600 دينار للحصول على "البريسينج" حاولت (أخبار اليوم) جس نبض الشارع الجزائري، ووقفت عن قرب على تباين آراء المواطنين مابين مؤيد لاتباع الموضة بسلبياتها وبين رافض لكل ما يأتينا من الغرب، وينم عن اضطراب في الشخصية. وفي هذا الصدد، التقينا ب(عبدو) المعروف بحبه لموسيقى الراب الصاخبة وولعه بارتداء الملابس السوداء بالإضافة إلى (البرسينغ) على الطريقة الغربية وذلك بوضع قرط تحت شفتيه وثقبين على لسانه، وحواجب نصف حليقة، وما أرعبنا فعلا عندما رفع السترة التي كان يرتديها، حيث رأينا وشما غريبا ومكتوب تحته عبارة بالإنجليزية تعني (الطريق نحو الموت)، وعندما سألناه عن سبب هذا المنظر الذي يبعث إلى شخصية متشائمة رد علينا قائلا (صحيح أنه مرعب لدى البعض من الناس فالكثيرون حسبما جاء في كلامه يتخوفون من مصاحبته والجلوس معه وذلك لأنهم لا يستطعون التكيف مع شخصيته، مضيفا أنها حرية شخصية وأنه لا يسمح بتدخل أحد في تصرفاته التي هو راض عنها وعن نفسه وشكله ولو كلفه ذلك غاليا، خاصة أن وضع (البرسينغ) المتميز بمعدنه الأصيل يكلف مبلغ6000 دينار جزائري، وتختلف أسعارها حسب نوع المادة المصنوعة منه، مضيفا أن هناك ممن يضعها ب 1000 دينار جزائري لكن بدون مخدر يوقف الألم الذي ينتج بعد إحداث الثقب. ومن جهة أخرى، التقينا (صونيا) و التي تحدثت معنا بكل صراحة حيث قالت (كنت أهوى ارتداء (البرسينغ) ووضعه على شفتي وعلى مستوى الصرة محاولة للفت الانتباه بتصرفات كنت أصنعها لاتعكس شخصيتي، فقط من أجل أن أكون تلك الفتاة صاحبة الشخصية الجريئة والشعبية رغم أنني كنت فتاة بسيطة وخجولة، ومع التحاقي بالجامعة لم أكن أطيق شخصيتي تلك وهو الأمر الذي جعلني أغير من طريقة لباسي وحديثي، لكن لم أكن أدري أنني سأصل لدرجة أن يأخذ الناس عني انطباعا سيئا، وهذا طبيعي ومتوقع في مجتمع تحكمه المبادئ والقيم ويفرض على الفتاة تحليها بالحياء، إلا أن جنون المراهقة يجعلك تفعلين أمورا في نظرك عادية فيما هي في الأصل تصرفات طائشة). ومن وجهة نظر (آمال) طالبة بكلية العلوم السياسية والإعلام أن هذا التقليد راجع إلى نقص الوعي والوازع الديني، خصوصا عندما تقع هذه المسؤولية على الأهل بشكل كبير والإحساس بالنقص لدى الشباب الجزائري، وذلك بفكرة أن الغرب متطور وكل ما لديه رائع، وعند البعض فكرة أن الإسلام قلص حريتهم عكس الغرب وهذا قمة الخطأ، فاللذين يقلدون هم الشباب لما في هذه المرحلة من تغيرات وحب استطلاع وتجربة كل ماهو جديد وغريب والرغبة في لفت الأنظار أيضا، إلى جانب غياب القدرة واحتلال رفقاء السوء في هذه المساحة بما لهم من دور كبير في التأثير على تصرفات المراهق. وأضافت (أنا مع الاطلاع على الثقافات الأخرى ومع التقدم المستنير والهادف، ففي زمن العولمة والانفتاح على الآخر يجب التقييد بما يفيدنا في زمن الأنترنيت والمعلوماتية ويجب أن يوظف التقدم توظيفا صحيحا، أيضا من الأسباب المسيئة هو الفضائيات التي تبث برامج هابطة تؤثر على عقول الشباب علما بأن الشباب يتأثر بهذه القنوات العربية أكثر من القنوات الأجنبية، بالإضافة إلى عدم وجود توعية لهذا الغزو الثقافي لمجتمعاتنا العربية. ضعف الوازع الديني يلقي الشباب في فخ التقليد الأعمى ومن جهتها، اعتبرت الأخصائية في علم النفس، أمينة بلفارس، أن التقليد الغربي هو اتباع سلوكيات وطرق مختلفة غير التي يتبعها الشخص في المجتمع الأصلي، حيث تتخذ عدة أشكال ومظاهر متنوعة في طريقة اللباس وتسريحة الشعر، إلى جانب التفكير، مضيفة أن هذا النوع من التقليد في علم النفس، يدل على أنه اضطراب في الشخصية ينمو عن تقمص شخصية الآخرين، بمعنى أن الشخص يكتسب شخصية غير شخصيته متأثرا بالطرف الآخر سواء من جنس الذكر أو الأنثى. وأرجحت ذات الأخصائية الأسباب التي تجعل الفرد يقلد غيره، إلى ضعف الشخصية وعدم تلقي تنشئة سليمة من طرف الوالدين، وكذا تدليلهم الزائد، بالإضافة إلى الجلوس لساعات طويلة قرب التلفاز وكذا الدخول إلى مختلف مواقع الأنترنت دون رقابة الأولياء، حيث هذه الأخيرة تلعب دورا أساسيا في تزايد انحراف السلوك واتخاذ طرق سلبية تؤثر على شخصية الطفل والراشد وكذا كبارالسن. النفسانية أكّدت أن المراهق الأكثر عرضة للتقليد ما دام في سن صعبة وحساسة جدا لانعدام الرقابة من طرف الوالدين ونقص الوازع الديني والانغلاق في ملذات الشبكة العنكبوتية، مع المتابعة المستمرة للمسلسلات المدبلجة وتتبع كرة القدم خصوصا الأوروبية والتأثر بالمشاهير، بالإضافة إلى مغنيين (الراب) و(هيب هوب)، ويعتبر في الوقت الحالي (الفايسبوك) هو الطرف الصعب الذي يسير على وتره المراهقون ويتنافسون على كل ما هو جديد وموضة، حسب محدّثتنا. يبقى على الأولياء اتخاذ الحيطة والحذر من البداية من خلال التعامل بذكاء مع الأطفال والمراهقين لكونهم يمرّون بمرحلة حساسة وصعبة، فهم بحاجة إلى رفقة آمنة وصحيحة تقيهم من التبعية للغرب، وذلك بمراقبتهم عن بعد والليونة في التعامل معهم. وكنصائح عامة أكدت على ضرورة إحداث تغيير جذري للمعتقدات السلبية واتخاذ تغيير نمط تفكير الطفل والمراهق وتدريبهم على أمورهم الحياتية، مع الحرص على ضبط برنامج متنوع في الدراسة والرياضة وكذا دفعهم للانخراط في جمعيات ذات صلة بتربية النشء. أما الجانب الديني فقد أرجع هذا التقليد الأعمى للغرب إلى غياب الوازع الديني لدى الكثير، ما جعلنا نبتعد عن الدين الإسلامي وما حثنا عليه الإسلام، مشيرا إلى أن في أيامنا هذه غاب الوعي الديني بشكل كبير وموسع ولا يقتصر على بلدنا بل على جميع البلدان العربية فأصبحنا نرى لباس الفتيات للجينز الضيق وحلق الشعر سواء أكان (شابا أو فتاة) فأصبحنا لا نميز بينهم. بالإضافة إلى سماع الأغاني وأخبار الفنانين بدلا من سماع ما يستفيدون منه. كما أكد أن أحد العوامل الرئيسة لانتشار وتفشي هذه الظاهرة في عصرنا الحالي هو الانفتاح الثقافي والإعلامي على الغرب من خلال الفضائيات والإنترنت ووسائل الإعلام الأخرى التي تؤدي دورا فاعلاً في نشر ثقافة العولمة وأهدافها بين أوساط الجماهير العربية خاصة، بالإضافة إلى النخب البارزة في شتى المجالات لا سيما الثقافية، موضحا أن الخطوة الأولى لمواجهة هذه الظاهرة في الوقت الراهن هي العودة إلى الذات، والعمل على تقوية الحصانة والوعي من خلال الفهم الصحيح للدين والتاريخ الإسلامي، والنظر إليهما نظرة عز وفخر لا نظرة يأس واحتقار، والإيمان يقينا بأصالة حضارتنا ورساخة جذورها، وقدرتها على إلهامنا الحلول لمشاكلنا المعاصرة من منابعها الأصيلة، وأن ثقافة الغرب تفتقر إلى الأصالة والعمق الحضاري رغم التطور المادي والعلمي الهائل الذي لا غنى لنا عن الاستفادة منه بما يلائمنا.