حياة الكثير من الجزائريين ستتوقف لأيام وربما لأسابيع خلال فعاليات كأس العالم لكرة القدم. من الجزائر إلى دبي مرورا بفرنسا وإنكلترا وحتى الولاياتالمتحدة، برا بحرا أو جوا، كل الطرق سيقصدها المناصرون الجزائريون للوصول إلى بلاد مانديلا. حياة بعضهم لها طعم آخر منذ أن بدأ رفاق يزيد منصوري يصنعون أفراحهم. قصص بعضهم تكاد لا تٌصدق، بعضهم ألغى عرسه، والآخر ضحى بعطلته، والآخر سيقصد جنوب أفريقيا على متن طائرة خاصة. كان من المفروض أن يتزوج نهاية الشهر الجاري ولأنه كان عليه الاختيار إما تكاليف العرس وإما السفر إلى جنوب أفريقيا، الكفة سرعان ما مالت نحو جنوب أفريقيا.هو الشاب سهيل ع. من مدينة سطيف ، ألغى عرسه - أو بالأحرى أرجأه إلى أجل غير مسمى حتى يتمكن من شراء تذكرة السفر ولا يرى في ذلك أي تضحية ولا تهور بل بالعكس يبرره قائلا «صبرنا عشرين عاما لغاية رؤية الفريق الوطني في المونديال، وربما لن نعيش الحدث مرة أخرى، فالفرصة لا يمكن تفويتها، أما العرس فبحول الله إذا لم أتزوج اليوم سأتزوج غدا أو بعد غد، ولحسن حظي أنني تمكنت من «اللعب بعواطف خطيبتي» فقبلت». كان يظن بأنه أحسن الاختيار بتحديد موعد الزواج وحجز قاعة الحفلات أشهرا قبل الموعد، لكنه «أساء التقدير على طول الخط»، لذلك اضطر إلى إيجاد حل ثان وعاجل، وهو توقيف فعاليات العرس لمدة ساعتين من أجل متابعة مباراة الجزائر - الولاياتالمتحدة في 23 جوان على شاشة عملاقة. كما أنه سيجيز الاختلاط بين الرجال والنساء خلال ساعتي المباراة.هذا ما لجأ إليه محمد من العاصمة ، الذي يقول «لم أجد تاريخا آخر لحجز قاعة الحفلات، وغالبية المدعوين هددوني بعدم الحضور، فقررت وضع شاشة عملاقة بقاعة الحفلات لتمكينهم من متابعة المباراة». هشام وأمين شابان جزائريان يدرسان الطيران في مدرسة «فلاي ترينيغ سرفيس» في جوهانسبورغ، قررا معايشة الحدث على طريقتهما حيث سيقصدان جنوب أفريقيا على متن طائرتين من نوع «سيسنا 172» يتدربان بهما، لمتابعة مباراة الجزائر - سلوفينيا في 13 جوان بمدينة بولوكوان التي تبعد عن العاصمة ب 272 كلم.يقول هشام: «فضلنا أن تكون الرحلة مميزة نظرا لتميز الحدث، علم الجزائر سيرفرف في سماء جنوب أفريقيا طيلة الرحلة التي ستدوم ساعتين ذهابا وساعتين إيابا بين مدينتي جوهانسبورغ وبولوكوان، وقد نعاود الكرة مع مقابلتي الولاياتالمتحدة وإنكلترا، وبذلك يكون العلم الجزائري قد رفرف في البر والبحر والجو». رشدي د. محامي جزائري و حاصل على الجنسية الأمريكية يعيش بجزيرة سانت توماس الواقعة بجزر الكاريبي وفي دردشة مع أصدقاء جزائريين عبر الانترنت حول المنتخب الجزائري، قرر الجميع في لحظات معايشة الحدث رغم أنهم كانوا موزعين في نقاط متفرقة من العالم. ويقول رشدي: «هذا المنتخب تمكن من لم شمل الجزائريين في كامل أنحاء العالم، أحيا فينا الشعور بالانتماء لأرض اسمها الجزائر حتى وإن لم نترعرع فيها، لم أحسب بعد المسافة بين جزيرة سانت توماس وجنوب أفريقيا ولا غلاء ثمن التذكرة (نحو 5000 دولار)، ولا تكاليف الإقامة والنقل والطعام طيلة ثلاثة أسابيع». الحاجة فطيمة من ولاية تيزي وزو و التي تبلغ 86 سنة من الممكن أن تكون عميدة مناصري المنتخب الوطني في جنوب افريقيا لأنها استكملت نهاية الأسبوع الماضي كل الوثائق الخاصة بالسفر و منها تأشيرة الدخول الى الأراضي الجنوب افريقية حيث صنعت أجواء رائعة في مقر سفارة البافانا بافانا بزغاريدها الرائعة التي قالت عنها خالتي فطيمة بأنها لم تظهر أي شيئ الى حد الآن والحديث سيكون بالزغاريد الجزائرية الأصيلة في بلاد مانديلا ... الحاجة فطيمة صاحبة 86 سنة هي ظاهرة تؤكد على عشق الجزائريين بكل أجناسهم و أعمارهم لوطنهم و تعلقهم بمنتخب بلدهم و كذا حبهم الكبير على ترك بصمتهم أينما رحلو و أرتحلوا . بن زرقة محمد الونيدي هو الآخر سيكون ضمن القوافل التي ستشد رحالها باتجاه جنوب أفريقيا بداية من 11 جوان قصته مع «محاربي الصحراء» تحمل لمسات من «الجنون والتهور» - حسب قوله - لدرجة أنها غيرت مسار حياته في بعض المرات. و بنبرات مزاحية يقول محمد «كلما كان المنتخب الوطني في القضية، أعطي نفسي عطلة مدفوعة الأجر لساعات أو لأيام، لا أشعر بما أقوم به، حياتي منذ العام الماضي مرتبة وفق برنامج الفريق الوطني، سبق لي وأن تلقيت إنذارا في العمل لأنني أرسلت رسالة هاتفية إلى مسؤولي عشية سفري إلى بنغيلا بأنغولا لمتابعة مباراة الجزائر - مصر».وعندما سأله المسؤول هل يشعر بالندم عما فعل أجابه محمد «لو كان للإعادة سأعاود ذلك غدا». بعد تأهل الجزائر لكأس العالم، كبرت أحلام الجزائر، وقبل محمد بالانتقال إلى السعودية لمباشرة عمله رغم المناخ الحار والبعد عن الأهل لا لسبب إلا ليتمكن من اقتناء تذكرة السفر لأن دخله بالجزائر لم يكن يمكنه من ذلك (سعر التذكرة يقدر ب 27 ألف دينار جزائري، ما يعادل حوالي ستة أشهر عمل)، في كل مرة تكون والدته فقط على علم بتحركاته، لأن والده مصاب بمرض السكري ويخاف أن يصاب بوعكة صحية. حنان لوسيلة تركت الجزائر باتجاه فرنسا وعمرها لا يتعدى الثلاث سنوات، وهي اليوم تشتغل بإحدى المؤسسات البنكية الكبرى في دبي.لم تكن تعرف شيئا عن كرة القدم ولا عن نجومها، لكنها أضحت من الجزائريات الناشطات على مواقع المناصرين على الانترنت وخاصة موقع «الخضرة» الذي يزوره الجزائريون من كافة ربوع العالم لمتابعة آخر أخبار»أشبال سعدان» وتنقلاتهم.وتقول لوسيلة «كنت أخشى ردة فعل والدي عندما أخبرتهما بأنني سأذهب إلى جنوب أفريقيا لمتابعة مباريات المنتخب الوطني مع مجموعة من الأصدقاء - فبالرغم من أن عائلتي تعيش خارج الجزائر إلا أنها عائلة ومتمسكة بعاداتها وتقاليدها العربية خاصة وأنني لا أتعدى ال26 سنة من عمري - إلا أنهما لم يبديان أي رفض أو انزعاج، بالعكس والدتي شجعتني على معايشة الحدث».أما عن ظروف الإقامة فتقول حنان «ضحيت بعطلتي وبمدخراتي المالية التي كنت أضعها جانبا من أجل اقتناء تذكرة سفر بنحو 2000 يورو. أما بالنسبة للإقامة فقد أرسلت نداء لبعض المتعاملين الأجانب وزبائن البنك الذي أشتغل فيه، حيث قبل بعضهم بإيوائنا طيلة فترة بقائنا من 11 جوان لغاية 28 من الشهر ذاته.