على بعد نحو مائتين كيلومتر شمال غرب العاصمة تونس، حيث تعانق الغابات الكثيفة شواطئ البحر الأبيض المتوسط مشكلة منظرا طبيعيا قل نظيره، تطل عليك مدينة طبرقة السياحية، فاتحة ذراعيها لاحتضان السائح، مغرية إياه بما حباها الله من مميزات طبيعية، وخدمات سياحية وبأسعار تنافسية، فكانت بذلك واحدة من المدن التونسية التي يتهافت عليها السواح، فكانت بحق ملتقى للحضارات وتلاحم الثقافات وتعايش الأجناس. طبرقة عروس السياحة التونسية لم يكن اختيار الديوان الوطني للسياحة التونسي، وممثله فوزي باصلي تنظيم زيارة استكشافية لوسائل إعلام جزائرية إلى مدينة طبرقة نهاية شهر جوان الماضي، عشوائيا أو اعتباطيا، فقد كشفت الجولة التي شاركت فيها »صوت الأحرار«، عن دقة الاختيار، ومقاصده. فمدينة طبرقة هي واحدة من ابرز المدن السياحية التونسية التي يتهافت عليها زوار تونس الباحثين عن الراحة والاطمئنان، واولئك الأملين في المتعة والاستجمام وحتى هواة الغطس أو عشاق لعبة الغولف. فالمدينة الصغيرة تستلقي وسط غابات كثيفة تكاد تلامس رمال البحر، وهو ما جعل منها لوحة طبيعية أبدع فيها الخالق. وما زاد من حجم الإقبال على مدينة طبرقة من قبل السواح سواء الأوروبيين أو العرب، توفرها على مرافق هائلة، فنادق عديدة تقدم خدمات رفيعة، وتطرح أسعار تنافسية فبإمكان كل سائح مهما كانت مكانته الاجتماعية قضاء أحلى الأوقات والتمتع بزرقة البحر ورماله الذهبية، والاستمتاع بمختلف المهرجانات الفنية والموسيقية التي تحتضنها المدينة طيلة موسم الاصطياف بتكاليف بسيطة. ليس هذا فحسب، فالمدينة على غرار مختلف مناطق تونس، توفر الأمن والاطمئنان للسائح، مما زاد من قوة إغراءاتها للسواح وبالأخص الجزائريين الذين وجدوا في مدينة طبرقة الملجأ الأكثر احتضانا لهم، لأسباب عديدة أبرزها قرب المدينة من الحدود البرية الجزائرية، فالوصول إلى طبرقة على متن سيارة مثلا لا يكلف المرء سوى ساعات قليلة، فضلا -كما أسلفنا الذكر- الأسعار التنافسية التي يجد فيها السائح الجزائري ضالته خاصة العائلات، التي تبحث عن قضاء أيام راحة بتكاليف معقولة، لكن أيضا بخدمات مقبولة. الأمن موجود على العكس تماما من النظرة المسبقة التي رسمناها على الوضع هناك، في ظل بعض التقارير الإعلامية التي تتحدث بين الحين والأخر عن غياب الأمن في المناطق السياحية خصوصا وتونس عموما منذ الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي، وتنفخ في بعض الأحداث المعزولة، وقفنا على مدار الأيام التي قضيناها سواء في تونس العاصمة، سيدي بوسعيد، البحيرة، وغيرها من المناطق، وصولا إلى طبرقة عبر رحلة برية استغرقت نحو 3 ساعات، على حقيقة الوضع هناك، والواقع أن مسالة الأمن غير مطروحة على الإطلاق، فبإمكان السائح آن يجوب ربوع المدن التونسية بلا خوف، فالأشقاء في تونس وما يمتازون به من رحابة الصدر، وحسن الضيافة ، ما يزالون يحافظون على تقاليدهم في استقبال السواح ومعاملتهم معاملة طيبة رغم بعض ملامح التعب البادية على قطاع واسع من المواطنين التونسيين وبالأخص منهم التجار الذين تأثروا بالاختلالات التي عقبت الثورة وارتداداتها على الحركية التجارية والسياحية، لكن بالمقابل هناك إصرار من قبل الجميع وهذا ما لاحظناه على ضرورة العمل من اجل توفير المناخ الملائم لعودة السياحة إلى دورها الريادي في دفع عجلة الاقتصاد التونسي وتحسين معيشة المواطن، ومن هنا فلاغرابة أن يسعى الجميع إلى ضمان الأمن والأمان لزوار تونس، الراغبين في التمتع بمميزاتها السياحية والتي توفر للسائح كل ما يريده من وسائل الترفيه والاستجمام وتجعل من العطلة حقا وقتا مستقطعا للراحة والمتعة. وفي هذا الإطار يقول مرافقنا فوزي باصلي أن المخاوف الأمنية التي يطرحها البعض لا أساس لها من الصحة، فالوضع مستقر والأمن مستتب، وقد وقفنا خلال جولاتنا سواء ليلا أو نهارا على هذه الحقيقة، فالناس ستجولون إلى آخر ساعات الليل والمحلات والمطاعم والمقاهي والحانات، تقاوم النوم من اجل توفير حاجيات الزبائن من مختلف الجنسيات، فهنا كل سائح له ما يشتهيه، والمرافق المتعددة والمتنوعة تسعى لتلبية طلباته، في كل الأوقات، في جو يسوده الهدوء والطمأنينة.
مرافق متعددة وخدمات رفيعة وأسعار تنافسية تشتهر مدينة طبرقة عن بقية المدن السياحية التونسية بطابعها المعماري المميز الذي يمتزج بين الأصالة والحداثة، ويحكي تاريخ المدينة العريق انطلاقا من تأسيسها من قبل الفينيقيين وصولا إلى يومنا هذا، فالمدينة بكاملها يسيطر عليها لونين لا ثالث لهما، منازل بيضاء وأبوابها ونوافذها الزرقاء ، هذا إذا استثنينا أسقفها القرميدية ذات اللون الأحمر، مما أعطى للمدينة الهادئة رونقا وجمالا زادتها انسجاما مع اخضرار غاباتها التي تغلب عليها أشجار الفلين والبلوط، وشواطئها المتداخلة بين الكثبان الرملية. والمدينة واحدة من المدن المتوسطية التي تشتهر كذلك باكتنازها للمرجان، لذلك فهواة الصيد من الباحثين على المرجان لا يختارون أبدا مكانا آخر غير مدينة طبرقة وشواطئها الساحرة. هذه المميزات الطبيعية التي لقيت العناية الكافية بها، وتم تكييفها واستغلالها لضمان متعة السائح وراحته، تم تزويدها بعشرات المرافق السياحية، فالعشرات من الفنادق من مختلف الدرجات تتنافس بينها لاستقطاب الزبائن، ولهذا الأمر وليس لغيره، تجد خدمات متنوعة ومتعددة وبأسعار تنافسية، ففي مدينة طبرقة وفنادقها المنتشرة عبر طول شريطها الساحلي، لا يمكن لأي سائح أن يشتكي من ضعف الخدمات أو غيابها، ولا احد أيضا يمكنه أن يطرح مشكل الأسعار، فالكل هنا بإمكانه الحصول على مبتغاه حسب إمكانياته، ولعل هذه الخاصية هي واحدة من أهم الخصائص التي تجعل من طبرقة مقصدا للسواح من مختلف الفئات، على غرار الجزائريين وبالأخص منهم اولئك الذين يقصدون طبرقة رفقة عائلاتهم. في هذا الإطار تقول سيدة من مدينة عنابة التقيناها رفقة أفراد عائلتها بفندق اثروبيكا، أنها وجدت راحتها في هذا الفندق المعروف بخدماته الرفيعة وتوفيره لمختلف الأنشطة الترفيهية وغيرها مما يحتاجه السائح، فضلا على هذا وذاك فالأسعار معقولة بالنظر إلى عدد أفراد العائلة. ويجد كثير من الجزائريين في مدينة طبرقة ضالتهم، فهم يفضلونها على العديد من المدن السياحية التونسية، لتناسبها مع قدراتهم المعيشية من جهة، وقربها من الحدود البرية الجزائرية سيما للعائلات التي تفضل السفر بسياراتها إلى هناك من جهة أخرى، لكن كذلك لتناسبها مع المستوى المعيشي للفئات المتوسطة، فالعائلات التي تريد قضاء عطلتها والاستمتاع بما توفره الفنادق من خدمات وبرامج ترفيهية بإمكانها ذلك، وتلك التي تختار كراء شقق أو منازل بإمكانها أيضا مع استفادتها طبعا من أجواء البهجة والمتعة التي توفرها المدينة من خلال العشرات من الحفلات التي تقام يوميا لشتى الطبوع الموسيقية العالمية. الثقافة جسد المدينة والموسيقى روحها من بين ما يلفت نظر السائح أو الزائر إلى مدينة طبرقةالتونسية، هو اهتمام المدينة بالثقافة أو بالأحرى جعلها محرك للعملية السياحية برمتها، من خلال العشرات من المهرجانات الموسيقية التي تقام في المدينة وعلى شواطئها طيلة موسم الاصطياف، فمن الموسيقى الغربية إلى الموسيقية الأندلسية كما هو الحال لمهرجان الجاز الذي اجل هذا العام أو الغي لأسباب مالية بحتة حسب بعض المعلومات الإعلامية التي تناولت الموضوع، وهكذا تمتزج الثقافات وتتعانق الحضارات في مشهد يختزل تفاعل ثقافات البحر الأبيض المتوسط وتعايشها وتكاملها، فهنا الجميع يرقص للموسيقى الغربية والكل يستمع ويستمتع للموسيقة العربية، وخاتمتها أن المتعة والفرجة والبهجة وحدها من تعلو في سماء المدينة الهادئة، فهنا وحده التسامح يسود والسلام ينشد بمختلف اللغات ومن قبل الأجناس. مهرجان "السالسا" يهزم الخوف صادف وجودنا بمدينة طبرقةالتونسية نهاية جوان الماضي، تنظيم مهرجان الرقص اللاتيني وبالتحديد رقصة "السالسا" وذلك بفندق طبرقة بيش، بمشاركة 10 دول هي: فرنسا بلجيكيا سويسرا كوبااسبانيا ايطاليا البيرو ناميبيا البرتغال والولايات المتحدة. ويدخل المهرجان حسب فوزي باصلي ضمن النشاطات الثقافية التي تخصصها مدينة طبرقة لسواحها من مختلف الجنسيات قصد الترفيه وكذلك ضمن رؤية لتبادل الثقافات مع دول المتوسط خصوصا ودول العالم الأخر. وقد شهد مهرجان "السالسا" وتوافدا كبيرا للسياح لمتابعة مختلف فقرات هذا المهرجان واستقطب أيضا فضول العائلات ت العربية سواء تونسيين أو جزائريين أو مغربيين أو غيرهم، فالمهرجان وما تركه من حركية ثقافية قوية، ومتعة للسياح ترك أيضا بصمات الديوان الوطني للسياحة التونسي الذي يسعى وفق رؤية محكمة للنهوض بالسياحة التونسية، العصب المحرك للتنمية في البلد. وبالعودة إلى مهرجان "السالسا"، فقد كان واحد من ابرز المشاهد التي تروي مدى تمسك تونس بموروثها الثقافي والسياحي القائم على البعد المتوسطي من جهة، والتعايش مع الثقافات من جهة أخرى، لكن الأهم من كل هذا أن المهرجان المذكور بعث برسالة قوية مفادها أن تونس والتوانسة لن يتنازلوا أبدا على قيم الحداثة ومكتسبات العصرنة مع احتفاظهم بأصالتهم وتقاليدهم في التعامل مع الآخر، كيفما كان هذا الآخر، وهكذا يمكن القول دون مبالغة أن مهرجان "السالسا" واحد من الأدوات الثقافية التي تمكنت من طمأنة الأخر حول مستقبل تونس، وهو بذلك هزم الخوف، الخوف الذي أرادت أن تسوق له بعض الجهات. فصدق من قال »الثقافة وحدها من يصنع السلام، والسلام وحده من يصنع الأمن والأمان«.