تكتب الصحافة بين الحين والآخر، ويتحدث الناس في المقاهي والأرصفة عن الأعداد المتزايدة من الأشقاء السوريين الذين يهيمون على وجوههم في مختلف أنحاء المدن والقرى الجزائرية، هربا من الحرب الأهلية الدائرة في بلادهم منذ عام ونصف، فبعد أن تناقلت الصحف لسنوات عديدة، أخبار السوريين الذي يعملون في مجال حفر الآبار في الأرياف بدون رخصة عمل، هاهي تتناول هذه الأيام ظاهرة أطباء الأسنان المتنقلين الذين يجوبون القرى والمداشر لتقديم خدماتهم لفئات من المواطنين تتعذر عليهم المعالجة بالأسعار والمواصفات الصحية الجزائرية. بالموازاة مع ذلك بدأ الحديث هذه الأيام وببرودة شديدة إن لم يكن بشيء من الاستخفاف عن ظاهرة المتسولين السوريين في المدن الداخلية بوجه خاص. ولو أن الغالبية من الجزائريين يبدون تعاطفا ملموسا مع الأشقاء السوريين، فإن كثيرين غيرهم لا يظهرون ذات الحماس والتضامن مع هؤلاء الإخوة الذين أصيبوا في أمنهم وأرزاقهم، وربما في كرامتهم أيضا، وقد كان من الطبيعي والإنساني أن يفروا بجلودهم إلى شعوب ينتظرون منها ويتوقعون أن يجدوا المساندة والاستقبال الحسن، وعلى الجزائريين أن يغتبطوا ويفرحوا أن شعوبا عربية ومسلمة، بالرغم من البعد الجغرافي، ينظرون إليهم على أنهم إخوة وأشقاء ويتوقعون منهم الدفء والتضامن والتآزر. إذا ما رجعنا إلى التاريخ، وابتعدنا عن السياسة اللعينة التي فرقت وما تزال تفرق بين الشعوب، فإن الشعب السوري له دين عظيم على الجزائريين الذين عليهم أن يتذكروا، أنهم وقت الإستعمار الفرنسي، كان أسلافهم يهربون من ظلم وطغيان المحتل إلى البلدان العربية، وإلى بلاد الشام تحديدا، وسوريا بوجه أخص. من، من الجزائريين، لم يقرأ في صفحات التاريخ، أن أحفاد المقراني والشيخ الحداد، إنما هاجروا إلى بلاد الشام متمثلة في فلسطين وسوريا، ومن منا لم يقرأ في كتاب التاريخ أن الأمير عبد القادر قد اختار في منفاه العيش في دمشق بين السوريين وليس غيرها من بلدان الدنيا، وأن أعدادا كبيرة من أنصاره ومؤيديه قد التحقوا به في دمشق، وأن هناك حارة بكاملها في العاصمة السورية ما تزال تحمل اسم حارة المغاربة، الذين هم جزائريون أصلا وفصلا· من أدرى الجزائريين الذين يتحدثون عن السوريين اللاجئين إلى الجزائر هربا من البطش والقتل والتعذيب، أنهم إنما ينحدرون من أصول جزائرية، وأن الأقدار هي التي عادت بهم إلى حيث كان منبتهم وأصلهم. نقول ونكتب مثل هذا الكلام عشية شهر رمضان، لنذكر الجزائريين والجزائريات، بواجبهم الديني والأخوي، تجاه أشقاء ألمت بهم المحن، وقلب لهم التاريخ ظهره، على قانون الخالق الذي يؤكد بأن الأيام دول، وتلك الأيام يداولها بين الناس. نرجو وندعو الجزائريين الكرام، أن يتذكروا كل هذا في رمضان الكريم، وأن لا ينسوا أن كل الشعوب معرضة لمحن وامتحانات، لا يلطف منها إلا التضامن والرحمة والشقفة على من تنكر له الزمان.. ولا يكرم الكريم إلا الكرام.. والجزائريون من هذا المعدن·