الحديث عن مقدم شهر الصيام في كل عام يكتسي طابع الأهمية بمكان في الجزائر، لأنه في واقع الحال حديث ذو شجون، لما يتخلله من إشكاليات ومشكلات لا حصر لها . إن رمضان هذا العام فضلا عن كونه يأتي في عز فصل الحر الشديد، فإنه يتميز كالعادة بارتفاع أسعار المواد الأساسية ذات الاستهلاك الواسع، التي دأب المضاربون على التلاعب بها على حساب الصائمين وجيوب المحتاجين من ذوي الدخل الضعيف المتوسط . وبالرغم من أن السلطات العمومية والدوائر الوزارية المعنية مباشرة بتموين السوق وتنظيمها ومراقبتها تعلن عن جملة من الإجراءات والتدابير الضرورية لضمان سير عاد لشهر الصيام والقيام، إلا أن التجربة تؤكد لنا في كل سنة أن مافيا الأسواق، سواء كانت بالجملة أو بالتجزئة، أقوى من كل التنظيمات والقوانين التي تحكم قطاع التجارة في الشهر الفضيل . أبسط مظاهر التحكم والتلاعب والمضاربة من جانبه التجار الكبار والصغار، الشرعيين والطفيليين، تتجلى في ندرة واحتكار واختفاء بعض المواد الاستهلاكية الأساسية في الشهر المعظم، الذي جعله الله عز وجل شهرا للتوبة والغفران، لكن البعض من الناس عندنا يحولونه إلى شهر لكل الموبقات وأعمال الغش والتحايل على الصائمين، والنصب على جيوبهم ومدخراتهم الموجهة لتلبية ضروريات رمضان. إن العادة التي ألفناها مع حلول كل رمضان، هي أن السلطات العمومية تكثر من التصريحات المطمئنة للمواطنين، من حيث تموين السوق الوطنية بكل المواد التي يكثر عليها الطلب في هذا الشهر، ومن حيث تعزيز أدوات ووسائل المراقبة الميدانية للتجار، غير أن الحقيقة التي تصدم دائما المرء، هي أن كل ما تعلن عنه المصالح العمومية المعنية، لا نجد له أي أثر أو تأثير على شبكات المضاربين والغشاشين والمحتالين والمتلاعبين بالسوق. إلتهاب الأسعار مع حلول شهر الرحمة ظاهرة تعوّد عليها المواطنون، ولا شيء يبدو أنه قد يتغير هذا العام. فحرارة المناخ غير المسبوقة، ترافقها حرارة الأسعار التي تلهب الجيوب، والمقاربة الرسمية والشعبية للمعادلة الرمضانية لم تتغير، فالروتين هو سيد الموقف في كل المجالات وعلى كافة المستويات. إن تطمينات السلطات لا تعدو في نظر المواطنين سوى مجرد كلام، لا يمكنها أن تصمد في وجه أباطرة السوق، الذين لا يردعهم لا قانون ولا أخلاق ولا حرمة الشهر الفضيل، ولا تهمهم أبدا صرخات وآنات الضعفاء من الصائمين، الذين يتضرعون إلى العلي القدير أن يرحمهم من بطش الطفيليين، الذين لا يتركون أية حيلة من أجل استنزاف الخلق، وتحقيق الكسب السريع، حتى ولو كان حراما وعقابه مضاعفا عند الله في هذا الشهر. هل يأمل المواطن هذه السنة أن يكون تموين السوق الوطنية أفضل من السنوات السابقة، وهل يأمل في رؤية السلطات العمومية تضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه المس أو التلاعب بجيوب المواطنين في هذا الشهر المعظم، وهل يأمل المواطن في أن يعمد الصائمون هذه المرة إلى الحد من التبذير والتقليل من الإسراف، اللذين حرمهما ونهى عنهما ديننا الإسلامي الحنيف، الذي يقضي أن يتوجه الصائم إلى خالقه بقلب سليم، ويبتعد عن كل ما من شأنه انتهاك حرمة شهر رمضان. حقيقة أننا لا نأمل أن يتكرر في الشهر الفضيل لهذه السنة سيناريو الرمضانات السابقة، ولتكن هذه الفرصة مناسبة لإحداث القطيعة مع ممارسات وسلوكيات الأعوام الماضية، وليكن هذه المرة شعار كل واحد من الجزائريين صيام رمضان إيمانا واحتسابا.