برحيل المجاهد والمناضل «عبد الرزاق بوحارة» يكون حزب جبهة التحرير الوطني قد فقد فيه «رجل الإجماع» الذي كان مرشحا لتولي منضب الأمين العام خلفا للمسحوبة منه الثقة «عبد العزيز بلخادم»، وليس مستبعدا الآن أن يدخل «الأفلان» في «نفق مظلم» إيذانا ببداية مسلسل جديد من الصراع على القيادة على اعتبار أنه يصعب إيجاد شخصية تتقاطع عليها آراء أعضاء اللجنة المركزية. بدأت الحسابات فعليا في بيت حزب جبهة التحرير الوطني حول من سيكون الأمين العام المقبل وما هي المواصفات التي ينبغي أن تتوافر في الشخصية التي ستقود السفينة إلى حين انعقاد المؤتمر العاشر في 2012، لكنها حسابات تختلف عن تلك التي سبقت وفاة المجاهد والمناضل «عبد الرزاق بوحارة» الذي كان محلّ ثقة من طرف رئيس الحزب «عبد العزيز بوتفليقة» وغالبية أعضاء اللجنة المركزية قبل أيام قليلة من انعقاد دورتها الطارئة. ويعترف الكثير من القياديين في «الأفلان» بأن الظرف الحالي الذي تمرّ به هذه التشكيلة لن يكون سهلا برحيل «بوحارة»، وحسب العارفين لشؤون «الأفلان» فإن المرحلة المقبلة ستكون أصعب من تلك التي سبقت سحب الثقة من «بلخادم» يوم 31 من شهر جانفي المنقضي. وفي غياب «رجل الإجماع» الذي ووري الثرى أمس يصعب الآن الاتفاق على وجه «أفلاني» يحظى بالإجماع ويدفع نحو تفادي الذهاب إلى الصندوق الذي يعني مزيدا من الانقسامات، لكن مع ذلك فقد ظهرت أسماء جديدة مرشحة لتولي زمام قيادة جبهة التحرير الوطني بعد أسابيع من الآن. وليس غريبا أن تختلط الأوراق من جديد في بيت «الحزب العتيد» الذي أخطأ الجميع باعتقادهم أنه برحيل «عبد العزيز بلخادم» تكون آخر صفحات الأزمة قد طويت على اعتبار أن العكس هو الذي حصل، فجماعة ما يسمى ب «حركة التقويم والتأصيل» التي يقودها «عبد الكريم عبادة» رفقة عدد من الوزراء السابقين وهم «الهادي خالدي» و«عبد الرشيد بوكرزازة» و«محمد الصغير قارة» أعلنت صراحة أنها لن تقبل بأن ينقضّ الوزراء الأربعة «عمار تو» و«الطيب لوح» و«عبد العزيز زياري» و«رشيد حراوبية»، على قيادة الحزب بعد أن قدّرت أنهم «انضموا إلى ركب المعارضة في الوقت الضائع». وبحسب ما جاء على لسان «عبادة» بداية الأسبوع الجاري فإن «التقويميين» لن يسمحوا بشخصية خارج حركتهم أن تتولى منصب الأمين العام، وبرأيه فإن جماعته هم الأحق بذلك لأنها من أطاحت ب «بلخادم» على حدّ قناعته. واللافت أن «عبد الكريم عبادة» نفسه كان يعترض على تولي «عبد الرزاق بوحارة» قيادة الحزب إلى غاية انعقاد المؤتمر المقبل، من منطلق أنه لا يزال يطمح للتربّع على عرش القوة السياسية الأولى في البلاد. لكن طموح «عبادة» قد يصطدم بمواقفه السابقة التي لا تخدم «الأفلان» إلى جانبه كونه لا يحظى بالإجماع حتى من أقرب مقرّبيه، زيادة على ذلك كان الرجل محسوبا عن الأمين العام الأسبق «علي بن فليس»، ومشكلته الكبيرة أنه سريع الانقلاب على أصدقائه مثلما حصل تمام عندما كان عضو أمانة الهيئة التنفيذية «المكتب السياسي حاليا»، في عهد «بلخادم» قبل المؤتمر العاشر وبعد أن أبعده الأخير رفقة عدد من الوجوه الأخرى اختار صفّ المعارضة بداعي «انحراف» الحزب عن خطه الأصيل. في غضون ذلك أصبح من المؤكد أن يتخلى الوزير «عبد العزيز زياري» عن تحفظه بخصوص طموحه لتولي منصب الأمين العام وهو مزكى من طرف وزراء الحزب الحاليين في الحكومة لاسيما وأن «عمار تو» ليس مستعدّا لخوض تجربة القيادة الحزبية لاعتبارات جهوية بحتة، وفي ظلّ الأوضاع الراهنة التي أعقبت وفاة «عبد الرزاق بوحارة» تبرز إلى الواجهة بعض الأسماء الأخرى من الرعيل الأوّل ل «الأفلان» مثلما هو الشأن بالنسبة إلى المجاهد «الصالح قوجيل» الذي عيّنه رئيس الجمهورية قبل أيام ضمن تشكيلة أعضاء الثلث الرئاسي بمجلس الأمة وقد تكون هذه الورقة رابحة لوضع الثقة في شخص «قوجيل». ويتوفر « صالح قوجيل» الكثير من المواصفات التي تؤهله لتولي قيادة «سفينة» جبهة التحرير الوطني في هذه الفترة خاصة وأنه يجمع بين عدة أجيال ومعروف عنه مواقفه المتسمة بالانسجام وله الكثير من المواصفات التي تتقاطع مع الراحل «بوحارة» رفيق دربه. وتزامنا، يأتي اسم «عبد الرحمان بلعياط» في المقام الثاني لكن محسوبيته للأمين العام السابق قد تقلل من حظوظه في الاستمرار في قيادة الحزب لوقت أكبر بعد أن تمّ تكليفه بتهيئة أجواء انعقاد الدورة الطارئة للجنة المركزية، لكن الثابت في كل هذا أن الأمور قد تزداد تعقيدا في «الأفلان» إن لم يتم الاستقرار على «مرشح إجماع».