مرة أخرى تثبت حركة أبوجرة سلطاني أنها ظاهرة صوتية بامتياز، فعوض التركيز على مكامن العطب في خطابها وتوجهها السياسي الذي دحرجها من ثالث قوة سياسية في الجزائر أيام الراحل محفوظ نحناح إلى حزب يحاول جمع شتات أبنائه الذين تفرقت بهم السبل، تحاول حمس تصيد أي خطأ لتحاول التأكيد أنها لاتزال على قيد الحياة، حتى إن كان ذلك على حساب مبادئ وأخلاق هي من صميم سلوكيات الإنسان السوي، فما بالك من يدعي الدفاع عن الأخلاق والمثل، ويبدو أن اتهام المجاهدين والوطنيين بالتطبيع مع الكيان الصهيوني هي آخر بضائع وسلع حمس الكاسدة. يبدو أن لحركة حمس معركة أخرى تريد أن تخوضها ولو كان ذلك على حساب الحقيقة ومن باب الإساءة المقصودة لرجل، يعلم القاصي والداني، مواقفه الثابتة من التطبيع، ولا مجال للنيل منها أو التشكيك فيها. إن تهمة »التطبيع بالتقسيط« التي تحدث عنها ذلك البيان، تعليقا على خطأ غير مقصود تم تصحيحه تجاوزت حدود المزايدة السياسية التي أصبحت فلسفة وتوجها ثابتا في نسخة حمس أبوجرة ، وإنما يمكن نعت ما أقدمت عليه تلك الحركة التي تسمي نفسها ب »الإسلامية« أنها وقعت في دائرة الإسفاف، ليس بمعناه السياسي فقط وإنما بالمعنى الأخلاقي والإنساني. يمكن لحمس أن تزايد أو تتهم السلطة في الجزائر بكل التهم والنقائص لكنها، بالقطع لن تستطيع اتهامها بالتطبيع مع الكيان الصهيوني المغتصب لأرض فلسطين وهضبة الجولان، وإذا كان هناك دولة في العالم أجمع موقفها مبدئي وثابت من القضية الفلسطينية فهي أكيد الجزائر وبشهادة واعتراف الفلسطينيين أنفسهم على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم. وفي هذا المقام قد يكون مفيدا التذكير بما كتبه السفير الفلسطيني حاليا بالهند عدلي صادق منذ أسابيع قليلة على صفحات إحدى الجرائد الفلسطينية حين تناول أهمية وقيمة الجزائر في أعين الفلسطنيين، من خلال عودته إلى حادثة جمعته بالراحل ياسر عرفات ، حيث يروي أن الزعيم الفلسطيني المغتال شعر في إحدى المرات بضيق شديد من تزايد الضغوط عليه من قبل بعض الدول العربية لدفعه إلى تقديم تنازلات مبدئية، فقام بطلب زيارة مفاجئة إلى الجزائر وحين حل ياسر عرفات ببلادنا وكان في إقامته زاره مستشاروه لتوضيح الهدف من الزيارة حتى يعلم المسؤولون الجزائريون ما هو مطلوب من الجزائر، فكان رد عرفات لافتا » جئت إلى الجزائر لأنها البلد الوحيد في العالم الذي لا يطلب منا قادته تقديم تنازلات مقابل المساعدات التي يقدمونها لنا «. ويمكن لحمس وغيرها أن تمارس المعارضة وأن توجه انتقاداتها وتحفظاتها على كل ما يقوله وما يفعله قادة الأفلان، لكن حتما ليس حزب جبهة التحرير الوطني هو الذي يمكن أن يتهم بالتطبيع، لأن فلسطين خط أحمر في أدبياته ومبادئه ونضالات أبنائه، وهذا ما يلتزم به الدكتور ولد خليفة المجاهد والمناضل والمثقف والسياسي ورئيس المجلس الشعبي الوطني، عن إيمان راسخ وقناعة ثابتة. وقبل ذلك كله، يمكن لحمس أن تختلف وتغضب وتنتقد رئيس المجلس الشعبي الوطني كما تشاء، لكنها لا تسطتيع ولا يحق لها أن تطعن في وطنية وإخلاص رجل بقامة وتاريخ وفكر ولد خليفة، وقد يكون سلوك تصيد الهفوات والأخطاء مقبولا في بعض التفاصيل والحيثيات السياسية العادية ، لكن أن يتهم مجاهد ووطني ومسؤول من طينة الدكتور محمد العربي ولد خليفة بالتطبيع، فهذا هو عين الإسفاف حتى لا نقول الوقاحة السياسية والأخلاقية. لقد غردت حركة أبو جرة حتى لا نقول إنها » نعقت« وحيدة خارج سرب الإجماع الوطني الذي يؤمن أن فلسطين ليس موضوع مزايدة أو متاجرة سياسية بخسة، لأن الجزائريين ليسوا في حاجة لا إلى حمس أبوجرة ولا إلى أي سياسي مهما كان، لتذكيرهم بأهمية قضية فلسطين وقدسية مسرى الأنبياء وثالث الحرمين الشريفين. لقد أرادت حمس أن تجعل من ذلك معركة سياسية عاصفة، لكنها انطفأت قبل أن تشتعل، لأنه وبمنتهى البساطة لم يكن هناك ما يستدعي أو يستحق كل هذا الضجيج والصراخ والعويل وسكب دموع التماسيح على فلسطين. ببساطة، لقد أخطأت حمس التصويب كعادتها ووقعت في خطيئة قد تدفع ثمنها السياسي والأخلاقي من رصيدها الذي استنزفته شطحات وخرجات أبوجرة وجماعته، الذين ننصحهم بالعودة إلى مؤلفات وكتابات الدكتور محمد العربي ولد خليفة- وهي منشورة ومعلومة- فقد يعود إليهم صوابهم وبصيرتهم ويكفون عن مثل هذه المزايدات الخائبة والمفضوحة، ولعلهم يدركون أن التطبيع سواء كان بالتقسيط أو بالجملة لن يأتي أبدا من الدكتور محمد العربي ولد خليفة وأمثاله من الوطنيين في جزائر الشهداء والمجاهدين.