تكمن أهمية الكتاب في قيمة صاحبه أولا، وفي دسامة المعلومات التي يحتويها ثانيا، وفي المكانة التي يحتلها المترجم على مستوى البحث الجامعي ثالثا: فالكاتب هو الفيلسوف الفرنسي الكبير الذي خرج عن قافلة الشر والقتل والعنصرية وناصر الثورة الجزائرية، فأقام من أجلها شبكة قوية لتمرير الأموال والحقائب وتأمينها، إنه فنسيس جانسون الذي وُلِد في 1922/07/07 وثُوفِّي في 2009/08/01 وكان غادر فرنسا قبل أن تُكتشَف شبكته عام 1960 فحُكِم عليه غيابيا بعشر سنوات سجنا، ولم يعد إلى فرنسا إلا بعد العفو عنه عام 1966 وألّف قرابة الثلاثين كتابا . ¯ المؤلف : فرنسيس جانسون Francis jeanson ¯ المترجم : موسى زمولي تاريخ صدور الترجمة: 2013 والكتاب هو توصيف لحاضر المجتمع الجزائري إبان الاحتلال الفرنسي وما ينبغي أن يكون عليه مستقبله بعد استرداد الاستقلال الذي تأكد للكاتب أنه قادم لا محالة، أعتقد أنه لو اطَّلع على هذا الكتاب المسيِّرون الأوائل للشأن السياسي، لاتّضحت لهم على الأقل بعض ملامح الطريق الصحيح، وما ضاعت من أرجلهم كما فعلوا حينما راحوا يقتتلون، ولولا أن وقف الشعب في وجوههم وقال قولته المشهورة : سبع سنين بركات، لكانت التهلكة * أما المترجم فهو موسى زمولي الباحث الجامعي الجزائري، وإن كان متخصِّصا في تقانة المعلومات والاتصال، فإن الترجمة استهوته حتى تفوّق في بعضها على المختصين، فترجم العديد من المؤلفات خاصة التاريخية منها . يقع الكتاب في مائتيْن وأربعين ''240 '' صفحة، ضمن ثلاثة أجزاء وثلاثة ملاحق . صدَّر للترجمة الدكتور علي تابليت بأقل من صفحة مفيدة ودالة، استنكر فيها ما يمكن أن نسميه بالجحود الذي أظهره الجزائريون تجاه أصدقاء ثورتهم حيث يقول: زقليلون هم أولئك الذين فكروا أو يفكِّرون في التعريف بأصدقاء الثورة الجزائرية الذين لا تعرف أجيال ما بعد عام اثنيْن وستين وتسعمائة وألف ''1962''حتى أسماءهم، ودورهم في مساندة القضية الجزائرية، وما عرفوه من قسوة التعذيب والاستنطاق والحرمان من كل حقوقهم كمواطنين في بلدانهم الأصلية، لأنهم صدقوا ما عاهدوا عليه في دعمهم للثورة الجزائرية بأقلامهم وحياتهم وأموالهم وأسرهم، وإسقاط جنسياتهم عنهم كمواطنين، فإلى هذا الحد ينسى الجزائريون هذه الشخصيات ولا نذكرهم ولا نتذكّرهم إلا في المناسبات الوطنية التي شاركوا فيها ؟!؟س وقد يكون المترجم تأثّر بهذه الحالة كما تأثر بوضع الجزائر التي يرى أنها أهملت كثيرا من إيجابيات ما كُتِب لصالح دولة ما بعد الثورة، إذ يقول : لعل بعض إطاراتنا الذين أوكلت لهم بعد استرجاع الاستقلال السياسي مهمة تنمية الجزائر، وطُرِحت أمامهم قضايا استراتيجية عويصة وفريدة من نوعها، لم يطَّلعوا على محتوى الكتاب، حيث كان سيُسهِّل عليهم الخوض في قضايا التنمية، مثل: ما نوع النظام الاقتصادي المناسب للجزائر ؟وما هي الأولويات بين القطاعات؟ وكيف يمكن للجزائر ان تستغل ثرواتها ومكاسب ثورتها؟ وما هي أهمية اللغة العربية وعلاقتها بالهوية؟ وما هو الأسلوب الأنجع لتكوين الشعب الجزائري؟ وما هي كيفيات الاستفادة من وحدة وحماس وتعبئة الشعب من أجل استعادة الاستقلال السياسي للمضي في نفس الانضباط؟ ويؤكِّد الاستاذ موسى أن زمولي أن هذه القضايا وغيرها يجيب عنها الفيلسوف فرنسيس جانسون الذي يقول عن كتابه: إنه محاولة أولى، ينحصر الهدف منها في طرح القضايا وفتح الآفاق المستقبلية ولأنه يعتبر أن الثورة الجزائرية هي قضيته فقد ''تشجّع لإنجاز هذا العمل رغم اعتقاده أنه من الجرأة إبداء الرأي في قضية شعبٍ وضع حياته في خطر من أجلها، في حين أن كل ما يمكن أن يصيبه هو الحجْر لا غير'' . أولا : الجزء الأول الأولويات السياسية، ويتألف من خمسة فصول : الفصل الأول: التخلف وعلاقته بالاستعمار، يقر فيه أن الاقتصاد الجزائري بعد احتلال الجزائر عام ثلاثين وثمانمائة وألف 1830 أصبح اقتصادا متخلفا، ويقدم مجموعة من المعطيات التي جعلته كذلك . الفصل الثاني: تزايد السكان ظاهرة ذات معنييْن، وهنا يورد التباين في الآراء بين الخبراء السياسيين والاقتصاديين حول نِسب التزايد والانخفاض في الولادات لدى مجتمع المسلمين، ويُنكِر على الذين يدَّعون أن تنظيم الوضع الاقتصادي يتطلب التركيز على الظاهرة الديمغرافية، ليخلص في النهاية إلى ان الاقتصاد الجزائري سيكون مستقبَلا متطوِّرًا أو لن يكون .الفصل الثالث: التنمية التعاونية ومهامها الثلاث، وينطلق في هذا الفصل من فرضية طرحها، وهي أن تزايد السكان لا يمكن أن يكون سببا في التخلف، بل يجب أن يُنظَر إليه على انه أحد آثار الاقتصاد السياسي الكولونيالي الذي فُرِض على الجزائر بعد احتلالها، ويقدِّم بعض الوصفات لجزائر يراها قاب قوسين من استرجاع سيادتها . الفصل الرابع: ديمقراطية حقيقية ضرورة ثورية، ويرى فيه أن تعبئة الجزائريين بل تحويل مجهودهم الجماعي في الحرب إلى مجهود جماعي للتهيئة والإنتاج، لا يمكن تحقيقه إلا عبر ثورة زراعية، وهنا يقدِّم مجموعة من المقترحات المسنودة بدراسات نجاعة، معبِّرًا عن تفاؤله بنجاح الثورة الجزائرية على كل المستويات، مستشهدًا بما اقتبسه عن سان جسيت saint just إن مَن يقومون بأنصاف الثورات هم يحفرون قبرهم ثانيا: الجزء الثاني أو الأولويات المنتظَرة، ويبدأه بالقول إن توفير الغذاء للسكان وتعبئتهم وتنظيمهم، وإيجاد رؤوس اموال لبداية التنمية الصناعية بطريقة محكمة، تأتي لتلبية ضرورات أساسية ومستعجلة حتى تُحدِث الإقلاع الحقيقي، ويرى انها القاعدة المرشحة لتجنيد مختلف الأولويات مستقبلا، والتي ستُبنى حولها التنمية الاقتصادية في الجزائر، ويوزِّع حديثه في هذا الفصل على أربعة فصول الفصل الأول ، مخطَّط قسنطينة ، وفيه تناول ما تناول ما جاء في عرض الحاكم العام روبار لاكوست robert Lacoste سنة خمسٍ وخمسين وتسعمائة وألف ''1955''والذي يراه إيجابيا على الصناعة في الجزائر، ويرى أن مشروع قسنطينة جاء لتكريس هذه الإيجابية،، إلا أنه أقر بفشله قائلا : أسباب الفشل تبيِّن لا معقولية السياسة التي تدّعي تحسّن مصير شعبٍ تحاربه،وعندما فقت مصداقيتها تجاهه لم يبقَ لها سوى مسلك واحد وهو محاولة تكوين نخبة جديدة لمواجهة جبهة التحرير الوطني فيما يُعرَف بالقوة الثالثة، وهندما تفشل في ذلك تراهن على العقبات الاقتصادية والفنية الموضوعة امام الحكومة الجزائرية التي ستستلم الحكم في الجزائر حين تجد نفسها مضطرة لطلب المساعدة الأجنبية، وسيكون من الأفضل لها أن تكون فرنسية . الفصل الثاني: قضايا التصنيع ، ويبدأه بسؤال مهم: هل يرضى الجزائريون أن تبقى بلادهم مجرّد مستعمرة، يتم الحصول فيها على الطاقة والمادة الولية واليد العاملة بأبخس الأثمان وبدا له أن الامبريالية الفرنسية الجديدة تراهن على هذا القبول الذي يرى أنه ستخسره كما خسر الاستعمار الجديد رهانه . الفصل الثالث: قضايا التخطيط، وفيه يُعطي رأيه بأن ''يُجبَر المخطِّطون على ألا يتصرّفوا تصرفا غير مشروط مثل الهواةس وألا يغالوا في التطبيقات النظرية الدقيقة، ويرى زأن اللجوء إلى الطرق العصرية مع استخدام طرق عتيقة ، تسمح هذه بتوفير تلك ، وينتج عنهما أفضل الفوائد'' . الفصل الرابع: قضايا التكوين، ويبدأ عنده من محو الأمية إلى تحصيل آخر المعارف والفنيات العصرية، ونبه إلى أن التعليم يجب ألاّ يتم بالطرق التربوية البالية والتي اعتبرها الكاتب ما زالت تمارس . ثالثا: الجزء الثالث أو المساعدات الخارجية: ويبدأه السيد فرنسيس بإقراره انه من أجل وضع جهاز فنيّ للقيام بالجرد الدائم، وتدوين كل العمليات التي تمت على مستوى الإنتاج، وحساب تأثيرات فرضيات التخطيط على نشاطات مختلف القطاعات، لا بد من وجود أخصائيين يعملون على تحسين الإنتاج الزراعي من جهة، وليكوِّنوا الفنيين الجزائريين من جهة أخرى، مع تكوين إطارات وعمال متخصصين للبدء في عملية التصنيع الحقيقي، وفصّل ذلك عبر فصليْن: الفصل الأول: المساعدة التقنية، وفيه يميل إلى ما يراه فرضية الاختيار الأكثر موضوعية لأخصائيين وفنيين فرنسيين، لأن اللغة الأجنبية الأكثر شيوعا هي الفرنسية، ولكنه يؤكد أنه من المنطقي عودة المهمات التنظيمية إلى مناضلي الثورة الجزائرية، ويطرح سؤالا مهمًّا: هل بإمكان الثورة الجزائرية التوجه إلى المنظمات اليسارية للحصول على مساعدة فنية ذات أهمية ؟ وبدون تردّد يجيب بنعم، ويُعرِّج على التعاون الذي تطرحه المنظومة الاشتراكية، وكذلك أمريكا والأمم المتحدة في إطار مِنَح المساعدات العلمية والتقنية. الفصل الثاني: المساعدة المالية، ويلخِّص فيه نظرته في المسألة فيقول: ''إن القضية المطروحة هي مشروع حضارة جديدة ذات طابع كوني، حيث يذهب فائض البعض لفائدة الآخرين، وفيها تُبعَث الثقة والمودة، لأنه سيكون هناك تبادل للممتلكات من كل نوع '' وهي نظرة يوافق فيها السيد لوبري Lebret الذي طرح فكرته أثناء مشاركته في مائدة مستديرة حول مساعدات الدول المتخلّفة . وينتهي المؤلف إلى خاتمة يعترف فيها أنه كان محظوظا بلقاءاته مع العديد من الجزائريين منذ خمس عشرة سنة، وهو ما جعل كفاحهم غير غريب عنه، فيقر أن جبهة التحرير الوطني هي تجمُّع لكل القُوى الوطنية الجزائرية، ولم يُقرِّر قادتها في أي اتجاه يسير كفاح الشعب الجزائري، كما أعاب على الاشتراكيين الفرنسيين شكهم بإمكانيات الثورة الجزائرية بدل مساعدتها . وقبل أن نترك القارئ يتصفّح الكتاب بنفسه، لا بد من الإشارة إلى الأهمية الخاصة التي تكتسيها الملاحق الثلاثة التي جاءت فيه، وهي: آراء بعض الجزائريين حول إعادة تنظيم قطاع الفلاحة . رد بعض الجزائريين على وهْمِ الاستعمار والإمبريالية الجديدين . آراء بعض الجزائريين حول التصنيع . وفي نهاية الكتاب نجد المترجم- مشكورا- وضع جداول تسرد مصطلحات وردت في النص، وفهرسا بأسماء الأعلام، وأهم المؤلفات والمقالات التي اطّلع عليها، واخرى تتعلق فقط بالجزائر، مع بعض الصور التي حبست لحظة من الزمن، أوقف فيها هذا المجاهد أو تلك المجاهدة عمرهما من أجل الجزائر.