يعني السمعي البصري في تعريفه المبسط مختلف الوسائل التي يتم فيها استخدام الصورة والصوت بشكل منفرد أوكليهما معا ، غير أن ما أعنيه في هذه المداخلة هو الإذاعة والتلفزيون تاركا الحديث عن الوسائل الأخرى للنقاش العام ولفرص أخرى.فعلى امتداد خمسين عاما ظل قطاع السمعي البصري في الجزائر تابعا للدولة. أما المتشائمون والمتخوفون من فتح السمعي البصري ومن بينهم عدد من المسئولين في مواقع السلطة فإن مكمن تخوفهم يعود إلى مجموعة من الأسباب من بينها : أ/ احتمال انحراف الخط السياسي والإيديولوجي لهذا القطاع والخطورة التي يمكن أن تشكلها المادة المقدمة من طرف بعض القنوات الناشئة نظرا لما للصورة خصوصا من مخاطر عكسية في حالة الاستخدام السيئ لهذه الوسيلة أوتلك وتأثيرها المباشر على المتلقي وبالتالي محاولة التأثير في القرار السياسي . ب/ الخوف من دخول أرباب المال وخاصة المال الفاسد في التأسيس لأنماط وسلوكات منافية للمجتمع عبر توجيه هذه القنوات السمعية البصرية وفق منظور خاص وما قد يشكله ذلك من انحراف على الحياة السياسية ، وفي التأثير السلبي على مختلف الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وعلى الهوية الوطنية وخصوصا على التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية. ج/ الخوف من أن تساهم بعض القنوات الناشئة في خلق توترات اجتماعية وأمنية وخصوصا إزاء ما تعيشه بعض الجهات من حراك اجتماعي وكذا تأثير ما يقع على حدود بلادنا نتيجة المشاكل التي تعيشها مختلف دول الجوار من صراع دموي ومن حراك بعضه كما يلاحظ يتم وفق أجندات أجنبية وبتواطئ داخلي والواقع أن مصدر هذا القلق قد يكون موضوعيا في بعض جوانبه وخصوصا ما يتعلق بمحاولات بعض أرباب المال الفاسد السيطرة على هذا القطاع وما قد يشكله ذلك من انعكاسات سلبية على التجربة الديمقراطية وعلى سير مؤسسات الدولة ،ولكنه في اعتقادي الخاص لا يجب أن يُنْظَر إلى جميع أرباب المؤسسات وأصحاب المال أنهم من فصيلة عبد المؤمن خليفة أوبرلسكوني في إيطاليا ،ولذا يجب وضع قوانين صارمة منبثقة من القانون الذي سيصادق عليه البرلمان بخصوص السمعي البصري تضبط العملية برمتها ومراعاة التدقيق في دفتر شروط سير المؤسسات الناشئة وأن تظم سلطةُ الضبط المقبلة رجالا ونساء من رجالات المهنة وأهل الاختصاص وشخصيات مشهود لها بالكفاءة والصرامة وتطبيق القانون لتكون هذه الهيئة قادرة على ضبط الأمور والحيلولة دون أي انحراف قد يسجل في هذا القطاع الحساس والاستراتيجي. إن نجاح قطاع السمعي البصري مستقبلا كفيل بأن يحقق كثيرا من الأهداف النبيلة، وسيكون واحدا من العناصر المفعلة للإصلاحات وعنصر تقوية للعبقرية الجزائرية وللثقافة الوطنية ولعناصر الهوية الوطنية بأبعادها الاسلامية والعربية والأمازيغية ، كما سيعمل على تدعيم أسس الوحدة الوطنية بما يجعل منها الإسمنت الذي تتحطم أمامه كل المحاولات التي تريد النيل من وحدتنا الوطنية . كما أن نجاح السمعي البصري من شأنه كذلك أن يشجع على انتشار الثقافة الوطنية ويبرز العبقرية الوطنية التي لا يجب أن تبقى مجرد آلة لابتلاع لغات وأفكار وإيديولوجيات وثقافات الآخرين ، ولكن يجب أن تتحول إلى قوة دافعة لنشر هذه الثقافة في شتى بقاع المعمورة لنعطي للأخر منتوجنا الثقافي الثري والمتنوع بدل أن نبقى مجرد مجترين لكل ما يأتينا من الآخر شرقيه وغربيه . لقد تم اكتساح الفضاء البصري بمئات القنوات والوسائط الاجتماعية بفعل التطورات التكنولوجية الهائلة الحاصلة في عالم الاتصال . فبعد أن كان التنافس على المشاهد الجزائري يجري في الثمانينات من طرف القنوات الفرنسية خصوصا فإن هذه المنافسة امتدت الآن لقنوات متعددة الجنسيات والثقافات غربية وشرقية ، ولم تعد تقتصر على رقعة معينة أولغة معينة بل صارت تشمل مذاهب وايديولوجيات عدة بعضها يغرس أفكارا متطرفة دخيلة على مجتمعنا وديننا السمح الحنيف حتى باسم الإسلام لتمرير طروحات ومذاهب دخيلة على المذهب المالكي خصوصا . واذا كانت نسبة مشاهدة التلفزيون العمومي الجزائري غير معروفة بدقة نظرا لغياب الدراسات الميدانية والاحصائيات في هذا المجال ولكون أن بعض عمليات السبر التي تمت في السابق لم تكن ذات طابع علمي ولا ذات مصداقية ، فإن بعض الخبراء في حقل الاتصال يشيرون أن مشاهدة التلفزيون العمومي الجزائري لا تكاد تتجاوز ال 20 في المائة على أكثر تقدير ، بينما نجد أن بلدا مثل مصر لديه 54 قناة فضائية 30 قناة منها خاصة تصل فيها نسبة المشاهدة للبرامج والقنوات المصريةÅ العمومية والخاصة إلى 60بالمائة ، في حين أنه ظهرت إلى غاية ماي الماضي 716 قناة فضائية عربية دون احتساب القنوات ذات البث التجريبي والتي تكاد تغطي الفضاءات العربية بما فيها الفضاء الجزائري ، إذ أن كل قناة من هذه القنوات الحالية واللاحقة تعمل على استقطاب أكبر نسبة من المشاهدين ومن بينهم المشاهد الجزائري ، وهوما يستدعي من القائمين على قطاع الاتصال عندنا أن يعملوا على ضرورة تغيير مناهج وأساليب العمل وفتح المجال السمعي البصري قصد ربط العديد من شرائح المجتمع الجزائري بقنواتها العمومية والموضوعاتية والخاصة ، ففتح الاتصال أمام الخواص أصبح من حتميات الممارسة الديمقراطية والحكم الراشد في هذا العصر ، Åإذ لا يجب أن يتحول إلى فزَّاعة يستخدمها البعض لحاجة في نفس يعقوب ، فلا بد من تحرير الطاقات والعمل على خلق روح المنافسة وإلزام الجميع بالقانون وعدم تخوين البعض من أجل التخوين والتشكيك في وطنية هؤلاء أوأولئك . إن ظاهرة تحول هذا المشاهد أوذاك من هذه القناة إلى تلك ليست جديدة ، ومما لا شك فيه أن فسح مجال الحرية والمنافسة للقائمين على الاتصال التلفزيوني كفيل بأن أن يقلل من الرداءة السائدة من جهة ويرفع من نسبة المشاهدة من جهة أخرى ، وقد بينت بعض الدراسات التي جرت مؤخرا من طرف مؤسسة أمريكية وجامعة نورث ويسترن في الدوحة أن نسبة مشاهدة قناة الجزيرة على سبيل المثال قد تراجعت في نقاط عدة من العالم العربي، بل إن إحدى التقديرات أشارت أن هذه النسبة تراجعت من 43 مليون مشاهد عربي يوميا إلى 6 ملايين فقط ، وهوما يؤكد أن المشاهد صعب المراس فعلينا إن أردنا الاحتفاظ به وتلبية الجزء البسيط من رغباته المتزايدة والقابلة للتغيير دوما أن نسند لخبراء الاتصال وأهل الاختصاص المسؤوليات الكاملة والصلاحيات الواسعة بما فيها حرية المبادرة ليكون التلفزيون بحق عين المشاهد وعقله وأذنه وروحه . إن قوة الأمم ليست في صلابة مؤسساتها الدفاعية والأمنية فقط ،ولكن أيضا في قوة المؤسسات المختلفة بما فيها تلك الساهرة على تنفيذ القانون وتنشيط حقل الاتصال والإعلام وإبراز القدرات التي يزخر بها الوطن في شتى المجالات الثقافية والعلمية والاتصالية والاقتصادية . ان من جرَّاء استمرار هذا الغلق في مجال الاتصال البصري خصوصا أن بعض العائلات الجزائرية للأسف خاصة في المدن الكبرى لا يكاد يربطها من رابط مع الوطن إلا الوجود فوق ترابه . وقد لا أذيع سرا إذا ما قلتُ إن بعض العائلات لا تكاد تتابع الأحداث المتعلقة بالشأن الوطني إطلاقا عبر التلفزيون الجزائري ولا تتعاطى داخل بيوتها إلا بلغة أخرى غير لغة الشعب ولا تشتري إلا من الماركات العالمية من وراء البحر ، ولولا جودة ما تنتجه أراضينا من خيرات فوق الأرض وتحتها لكانت وجهتها وجهة أخرى غير ثمار هذه الأرض المعطاء إن الرهانات المطروحة على السمعي البصري كبيرة ليست فقط ذات طابع اتصالي بحت ولكنها متعددة الأوجه والجوانب وطنية بالدرجة الأولى ،ثقافية واقتصادية وأمنية ، بل ذات جوانب استراتيجية مختلفة في محيط دولي وإقليمي متوتر متحرك لم يعد فيه الإعلام والاتصال يلعب عن دور الباحث عن الترفيه فقط ولكنه أصبح عنصرا أساسيا وفعالا في تغيير الموازين الإقليمية والدولية وقَوْلَبة وصنع الذهنيات بما يتلاءم مع مصلحة كل قوة في هذا العالم . نص المحاضرة التي ألقيت أثناء ملتقى الممارسة الإعلامية الذي نظمته جامعة عمر ثليجي بالأغواط يوم 21 نوفمبر 2013 . ¯ انتهى