لعلي قد أجبت ولو جزئيا - عن هذا السؤال في كتابات سابقة وخاصة ضمن مقالي المنشور يوم 28 أكتوبر 2013 في نفس الجريدة تحت عنوان ''بوتفليقة: العودة والتحدي'' ولقد أشرت حينها إلى كون هذه المعارضة التائهة لا تكاد تتفق إلا على نقطة واحدة هي ضرورة البحث عن توافق يمكنها من دخول المنافسة الرئاسية بمرشح واحد، وذلك من أجل هدف أوحد هو قطع الطريق على الرئيس ''بوتفليقة'' وقد نسيت يومها أن أقول أن لا أحد من زعماء معارضتنا المنهكة - باستثناء بعض الأقزام اللاهثة وراء الشهرة - أعرب عن نيته في أن يكون هو المرشح المأمول وهذا في تقديري له تفسير واحد، هو أن لا أحد منهم مقتنع بأنه يتمتع بالقامة والهامة والتميز الذي يجعل الآخرين يقبلون به كمرشح إجماع لهذا التكتل المصطنع وأنى لهم أن يتفقوا وهم عشرون، إذا أضفنا لهم جماعة ''''17 أصبحوا قادرين على تشكيل كتيبة احتياط في الجيش. ■آيت سالم ● بعد هذه الوقفة القصيرة مع الأستاذ الربيعي الذي ظلم نفسه وظلم السياسة عندما ولج متطفلا -عالمها- فهو والسياسة نقيضان في رأيي، لكن يشفع له أنه غادرها عندما استقال مقدما بذلك نموذجا فريدا ومثلا جميلا يحتدى به، فهو الرئيس الوحيد بين رؤساء الأحزاب الجزائرية الذي ترك المسؤولية قبل أن تتركه، بعد هذه الوقفة العابرة كما قلت، لابد أن أعرج على زعيم الإصلاح ''الأستاذ'' جهيد يونسي الذي يقول عن نفسه بأنه من محترفي السياسة وليس من هواتها، وقد أصبح فعلا من محترفيها بحكم التجارب العديدة التي مارسها سواء داخل حزبه أو على الصعيد العام، حيث خاض معارك انتخابية كثيرة أبرزها ترشحه لانتخابات ,1999 سواء دخلها كأرنب أو فارس من الفرسان الذي يتحدث عنهم زميله ''الأستاذ مناصرة'' فهو حقا صاحب تجربة في الإخفاق والرسوب ولا أقول الفشل مادام مستمرا في النشاط، ولا أقول النضال، وتجربته هذه هي التي جعلته دون شك يتيقن بأن القضية ليست قضية تزوير وبالتالي فلا فائدة من المطالبة بلجنة مستقلة للإشراف على الانتخابات المقبلة، اجتهاد الأخ جهيد يونسي جعله بعد لأي يكشف بأن الحل يكمن في مبادرة لحوار وطني يجمع السلطة والمعارضة لتدارس مشكل ''شرعية الحكم'' التي لم تحل حسب رأيه منذ الاستقلال وهذا معناه، بالنسبة لجهيد- ومجتهدين آخرين، أن الحكم ظل خارجا عن كل شرعية منذ نصف قرن، فالحمد لله أن الأخ يونسي'' تفطن لهذا، بعد خمسين سنة، أي بعد أن صال وجال وتقلب وانقلب في الساحة السياسية كل هذه السنين ! ما هذه السخافة يا أستاذ جهيد؟ فأنت تعرف بل أنت أول العارفين بأن شرعية الحكم كانت شرعية ثورية حكمت البلاد عن طريق الحزب الواحد وتمثلت في لجنته المركزية ومكتبه السياسي الذي استبدل بمجلس الثورة سنة ,1965 واستمر إلى غاية 1976 حيث نظمت انتخابات رئاسية بمرشح إجماع حسب مقتضيات النظام الأحادي الذي كان سائدا آنذاك، ليس في الجزائر وحدها بل في مختلف بلدان المعسكر الإشتراكي عامة، واستمر الوضع على هذه الحال حتى سنة 1988 مع تغيير طفيف تمثل في العودة. بعد وفاة الرئيس بومدين إلى صيغة المكتب السياسي بدل مجلس الثورة. وبعد أحداث أكتوبر وإقرار التعددية، إنتهت مبدئيا شرعية الحزب الواحد وانتقل الحكم إلى شرعية التنافس بين أحزاب متعددة المشارب والتوجهات وقد كان ولا يزال حزبك أحد هذه الأحزاب المتعاركة على السلطة، وعلى هذا الأساس فالنقاش حول الشرعية محسوم منذ مدة، فالشرعية اليوم شرعية صندوق الاقتراع قد يمكن الحديث عن تعديل قانون الإنتخابات، وعن الضمانات الضرورية لإجرائها في جو من الشفافية والنزاهة التي لا يرقى إليها الشك، لكن لا أفهم ماذا يقصد الأخ ''يونسي'' بالحوار حول الشرعية، والحقيقة أن الاخ ''جهيد'' يعرف بحكم تجربته- كما يقول - أن المشكل ليس مشكل تزوير، كما يعرف بأن الخروقات أو التجاوزات التي تشوب أحيانا عملية الإنتخاب مهما ارتفعت نسبتها- لا تصل إلى الحد الذي يؤثر بصفة حاسمة على النتائج. الأخ ''جهيد'' يعلم علم اليقين إذ أن المشكل ليس في التلاعب والغش، وإنما في هذه الأحزاب نفسها، التي فقدت مصداقيتها مع مرور الأيام لدى المواطنين فالكل يعلم اليوم أن وزنها في الشارع لا يساوى الكثير، وذلك لأسباب يعرفها الجميع وهي في أكثرها داخلية، ولا مجال لتعليقها على شماعة النظام، وهذا ما يفسر عزوف المواطن عن الإقتراع، نعم هذه هي الحقيقة المرّة التي يعرفها زعيم ''الإصلاح'' كما يعرف بأن اللجنة المستقلة التي يطالب بها زملاؤه لا تقدم ولا تؤخر، وأن الحديث عنها من طرف المعارضة هو مجرد ذريعة لتفسير وتبرير فشلهم، لا أقول المحتمل بل الأكيد. هناك حزب جديد سماه صاحبه جبهة الجزائر الجديدة، لعله جناح منشق عن أحد الأحزاب الإسلامية، ما كنت لألتفت إلى هذه التشكيلة الناشئة لولا أن رئيسها ''السيد جمال بن عبد السلام'' تميز عن زملائه بفعلة لم يسبقه لها أحد في الجزائر منذ الاستقلال لأنها فعلة غريبة لا يتصورها العقل السليم، حيث لم يتردد هذا الرجل مع أن حزبه لا زال وليدا في القيام بما يشبه السطو على صلاحيات رئيس الجمهورية، والذهاب إلى ''سوريا'' لتأييد الرئيس ''بشار الأسد''، وما أدراك ما بشار '' إبن أبيه''، أجل لقد ذهب الأخ ''بن عبد السلام'' من تلقاء نفسه ودون تفويض من أحد، ليعرب عن دعمه للرئيس الذي قتل عشرات الآلاف وشرد الملايين من شعبه المسكين، لا لذنب سوى أنه طالب بقسط من الحرية، والعدالة والإنصاف، نعم ذهب أخونا ''جمال'' ليتضامن مع هذا الرئيس القاتل الذي ورث الحكم عن أبيه الذي أباد هو الآخر عشرات الآلاف من السوريين في مجزرة رهيبة فاقت مجازر النازيين والصهيونيين معا. وكل ذلك بدعوى أن ''سوريا'' ضحية مؤامرة حبكت من طرف أعداء المقاومة، فعن أي مقاومة يتحدث ''بشار'' وهو الذي لم يطلق رصاصة واحدة على العدو منذ هزيمة ,1967 التي يتحمل نظامه جزءا كبيرا من المسؤولية في حدوثها، نعم، عن أي مقاومة يتكلم وهو الذي لم يرد يوما على اعتداءات إسرائيل المتكررة، ولو رد بصاروخ واحد، لرفع العتب عنه وأمكنه أن يدعي بأنه زعيم المقاومة، أما أن يقاوم بواسطة الآخرين، أعنى عن طريق عمليات فدائية يقوم بها الإخوة الفلسطينيون داخل أراضيهم في الوقت الذي نرى اسرائيل تسرح وتمرح في ''الجولان السوري'' دون أن تزعجها ذبابة، ولا أقول دبابة، فهذا لا يمت إلى البطولة والمقاومة بصلة، ولو شن هذا البطل المزعوم هجوما واحدا على إسرائيل لحياه الشعب السوري كله والعرب المسلمون جميعا وانحنوا له إكبارا وإجلالا، ولما كلفه ذلك من الضحايا والدمار ما كلفته الحرب الإبادية التي شنها على شعبه وأرضه مع ما جرته عليه من خزي وعار، لكن دعنا من المقاومة فذاك موضوع طويل ما يهمني هو أن الأخ ''جمال'' أقحم نفسه في قضية أكبر منه وليست من اختصاصه، فبأي حق وبأي حقة وباسم من ذهب أخونا ليدعم النظام السوري، أمر خطير كهذا من اختصاص الرئيس ووزير خارجية وربما البرلمان إن طرحت القضية للنقاش، فما الذي جعله يحشر أنفه في شأن من الشؤون السيادية للدولة لاسيما وهو يعرف أن الجزائر اتخذت بهذا الصدد موقفا محايدا يدعو إلى حل سلمي عبر حوار جدي بين الفرقاء، فمن فوّض الأستاذ بن عبد السلام إذا للقيام بهذه المبادرة العرجاء التي أحدثت بلبلة داخل الأوساط السياسية حيث فسرت من طرف المغرضين في الداخل والخارج على أنها تعكس الموقف الرسمي للجزائر، كما أنها أثارت سخطا كبيرا لدى شريحة واسعة من الشعب الجزائري الذي لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يتعاطف مع رئيس عربي أو غير عربي شرد نصف شعبه وحطم الجزء الأكبر من بلاده، مهما كانت التفسيرات والمبررات للأخ ''جمال'' الحق أن يكون له رأي خاص به في القضية، كما أن له الحق في أن يتعاطف ويتضامن مع من يشاء، لكن ليس من حقه أن يفعل ذلك باسم الجزائر، ناهيك عن أن يتخذ موقفا لا ينسجم مع الموقف الرسمي للدولة في أي قضية من القضايا الخارجية لاسيما عندما يتعلق الأمر بنزاع خطير كالنزاع السوري. لذلك نقول لزعيم ''الجزائر الجديدة''، ولأمثاله، الاولى به ان يهتم بأمور حزبه وأن يركز تفكيره على مشاكل الجزائر وهي كثيرة ومعقدة وخطيرة عوض الإنشغال بقضايا خارجية عويصة ما أغنانا جميعا عن الخوض فيها في الوقت الراهن مهما كان موقعنا منها ورغم تعاطفنا مع شعوبها. لكن لا عليه فلكل جواد كبوة، كل ما نرجوه ألا يعود لا صاحبنا ولا غيره من رؤساء الأحزاب مهما كان حجمها إلى مثل هذه المبادرات اللامسؤولة كي لا أقول الطائشة. إن الأحزاب في الجزائر توالدت وتولدت في سرعة البرق إلى درجة أنه أصبح من المستحيل - خاصة بالنسبة - لعجوز مثلي - أن يحفظ أسماءها المتشابهة، ناهيك بتناولها كلها بالدرس والتحليل، ولذلك قصرت كلامي على بعضها ممن يطلق عليها - تجاوزا - صفة الأحزاب الفاعلة، مركزا على تلك التشكيلات التي تميزت بتقلب الموقف وتحول الخطاب أحيانا من النقيض إلى النقيض، مائلة حيث مالت الريح، فالأخ ''موسى التواتي'' مثلا زعيم الجبهة الوطنية - وما أكثر الجبهات - يقول بأن العملية مغلقة ومع ذلك يترشح كما فعل من قبل حيث شارك في أغلب الاستحقاقات بعد أن صرح مسبقا بأن الإنتخابات ستكون مزورة ويدعي بعد ذلك أنه ليس من الأرانب وهو من دشن قافلتهم، وإن لم تخني الذاكرة، فقد أباح في أحد تصريحاته، بيع رؤوس قوائم المرشحين مسنا بذلك سنة آثمة دنيئة. وراح يشتكي بعد ذلك من خيانة وعدم وفاء بعض نوابه ومنتخبيه بصفة عامة، فهل غاب عن الأستاذ ''التواتي'' أن من اشترى منصبه بالمال لا ولاء له لأحد، وأن من باع ذلك المنصب ليس من حقه أن يطمع في ولاء ووفاء من زكاهم مقابل دراهم معدودات، فكانوا فيه من الزاهدين، وعلى ذكر الأرانب والشيء بالشيء يذكر لا يفوتني أن أشير إلى الأخ ''الجيلالي سفيان''، الذي كنت أنتظر منه، بحكم مستواه وشبابه - خطابا رصينا عقلانيا، يختلف عن حشو ولغو الآخرين، لكنه خيب ظني أيما خيبة، عندما أدلى بتصريح تفوق غرابته وسخافته كل ما سمعته من قبل، حيث إدعى بأن الدولة أبرمت صفقة مع ''الأمريكان'' تتخلى بموجبها عن الودائع المالية الجزائرية مقابل أن تغض الولاياتالمتحدة الطرف عن النظام الحالي وتقبل باستمرارية الحكم، فهل هناك خبل مثل هذا الخبل، وهل هناك هراء يفوق هذا الهراء أيها الناس !؟ فهل يظن الجيلالي أن الشعب الجزائري غبي إلى الدرجة التي تجعله يصدق مثل هذا الكلام الأخرق !؟ وعندما يقول السيد الجيلالي بأنه ليس من الأرانب بل أنه ''بيطري'' يعالج الارانب فهو بلا شك وبحكم المهنة يعالج حتى القطط التي يحكمها انتفاخا حولة الأسد إلا أنني لا أظن بأنه يستطيع علاج الأسود أو حتى الاقتراب منها لان القطط تبقى قططا، وتبقى الاسود أسودا. هناك حزب مجهري آخر ما كنت لأنتبه اليه أو أهتم به لو لا أن إسمه يشوبه نوع من الابهام والغموض. حيث سماه صاحبه '' السيد علي راشدي'' السبيل وهي كلمة جميلة إلا أننا لا نعرف أي سبيل يقصده السي راشدي، فالسبل كثيرة منها القويمة ومنها المعوجة، لكن أظنه يقصد سبيل الرشاد، فيأتي العنوان بذلك إسما على مسمى، كما يقولون وهذا جيد وجميل فالرشاد فيه من معاني النبل والسداد ما يدعو إلى التفاؤل والامل لولا أن صاحبه يعطي الانطباع بتصريحاته، بأنه يريد أن يقول لنا ما قالته الآية الكريمة ولو على لسان فرعون ''ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد وما رآه السيد علي'': هو أن الجزائر ستنهار بعد سنتين، هذا بعد أن قال - عندما أحرجه سؤال أحد الصحفيين أنه لا يدري ماذا سيأتي به المستقبل القريب، وقد كان صاحبه، أو بالأحرى ابن السبيل يطالب من قبل وبوحي من فكره الرشيد بالطبع بحل توافقي مفروض؟ فكيف يكون ويا للعجب، حلا توافقيا مفروضا، مع العلم أن التوافق يعني التراضي والقبول عن طيب خاطر، لو طالب الاستاذ '' بدكتاتورية رشيدة'' لكان ذلك منسجما مع طرحه، ولسانده كثيرون، ذلك أن طيفا لا يستهان به من أبناء الشعب أصبح اليوم يرى في الدكتاتورية الرشيدة '' الحل الأمثل لعلاج مجتمع بلغ من التميع والتسيب مداه، لكن الأخ راشدي لا يرى هذا بل يرى - بعد أن تبين له الرشد من الغي بأن الحل في الانتظار ... انتظار سقوط السلطة التي تحتكر - حسب رأيه - كل المؤسسات من أحزاب ونقابات وجمعيات وكل التنظيمات الأخرى، وبالتالي فالتغيير لا يمكنه - كما قال أن يأتي عن طريق الاحتجاج السلمي، ولذلك أن ننتظر أن يختفي الرئيس بشكل أو بآخر، وتتراجع أسعار النفط وينتهي الإرهاب، وبكلمة واحدة يريد أن يقول لنا علينا أن ننتظر إنهيار الدولة فيحدث الفراغ وعندها يتم التغيير تلقائيا وبكل سهولة - هذا الكلام المستوفى من رشد الرشيدي يشبه كلام السيد الربيعي الذي سقته في بداية الحديث، نعم هكذا يفكر زعماء أحزابنا ولا أقول كلهم ولعمري كيف يرجى الخير من شخصيات تفكر بهذا المنطق السقيم . ■ يتبع