عرفت الجزائر، خصوصا العاصمة خلال الأسبوع المنصرم معركة حقيقية بين السلطة وبعض النشطاء المعارضين للعهدة الرئاسية الرابعة، وبرزت مخاوف جدية وربما لأول مرة من احتمال جر البلاد إلى مستنقع العنف والفتنة بحجة الرغبة في تغيير النظام وغلق الطريق أمام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. واجهت قوات الأمن الحركة الاحتجاجية التي دعت لها حركة »بركات« الخميس المنصرم بساحة »موريس أودان« بالعاصمة، واعتقلت أمام عدسات كاميرات الفضائيات زهاء أربعين من النشطاء الحركة التي جرت من ورائها عشرات المحتجين المعارضين لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية رابعة، فارتسمت صورة عن بلد كان يفترض أنه قد ودع إلى الأبد تلك الأساليب القديمة في التعامل مع الرأي الحر، وهذه القراءة بدت جد واضحة لدى الكثير من قيادات الأحزاب ومن الشخصيات السياسية المستقلة ومن المناضلين السياسيين والحقوقيين المنتمين لتيارات وإيديولوجيات مختلفة ومتباينة. المدير العام للأمن الوطني عبد الغني هامل قال بأن الشرطة لم تستعمل القوة المفرطة في التعامل مع الحركة الاحتجاجية، وكل من تتبع عمليات قمع المظاهرات يكون قد لاحظ بأن قوات البوليس بالزي الرسمي والمدني لم تلجأ إلى استعمال الهراوات وكانت تجر المحتجين نحو عربات الشرطة قبل نقلهم إلى المخافر، ليتم إطلاق سراح الجميع فيما بعد، وهذه نقطة تسجل لصالح جهاز الأمن وإلى مسؤوله الأول هامل، فهناك فرق شاسع بين الشرطة الجزائرية وشرطة »دول الربيع العربي« التي لا تزال حتى بعد ما يسمى ب »الثورات« تواجه بالرصاص لصدهم عن حقهم في الاحتجاج والتعبير عن أرائهم. ولا يمكن محاسبة الشرطة عن تنفيذ أوامر بمنع التظاهر في العاصمة، فقمع نشطاء حركة »بركات« كان بسبب قرار منع التظاهر في العاصمة والساري المفعول منذ ما يقارب خمسة عشر سنوات بعد زحف العروش فيما سمي بالخميس الأسود، ثم إن هذه الحركة لم تحصل على ترخيص يسمح لها بتنظيم أي تجمع بغض النظر عن مضمون هذا التجمع وعن توجهاته السياسية. السؤال يطرح هنا عن مدى صحة المعلومات التي يتم الترويج لها هنا وهناك حول أجندة خارجية تقف وراء الحركات الاحتجاجية الرافضة للعهدة الرابعة، وهل نظرية المؤامرة يمكن أن تطبق على »حركة بركات« وعلى باقي الحركات التي تسعى إلى تحريك الشارع الجزائري هذه الأيام ومنذ الإعلان عن ترشح الرئيس بوتفليقة ؟ بالنسبة للزعيم السابق لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية سعيد سعدي فإن الحركة الاحتجاجية التي تنظمها حركة بركات تهدف إلى دعم مرشح معين تطرحه بعض دوائر في السلطة، وكان يقصد المرشح لرئاسيات 17 أفريل القادم، علي بن فليس، وبالنسبة لسعدي لا فرق بين بوتفليقة وبن فليس لأنهما يمثلان نفس النظام. هكذا يتناسى سعدي أنه كان أحد أطرافه ومن بين مروجي سياساته. لا يمكن أن نشك في وطنية الشباب الجزائري الذين تجمهروا في ساحة »موريس أودان بالعاصمة« وبكل الذين يعارضون العهدة الرابعة، لكن من حق الجميع أن يتساءل عن احتمال وجود سيناريو معين قد يجهله حتى المحتجين لجر الجزائر إلى مستنقع الفتنة، فالمحاولات لإلحاق الجزائر بقائمة ما يسمى بدول »الربيع العربي« متواصلة منذ سنوات، وكلنا يذكر الاحتجاجات التي عمت الجزائر تحت عنوان »الزيت والسكر«، ولم يتوقف الشارع الجزائري عن الغليان طيلة الثلاث سنوات الأخيرة، وجربت كل الوسائل من خلال الدفع بالكثير من الفئات الاجتماعية والمهنية إلى الشارع، فاضطرت السلطة في كل مرة إلى مجابهة الخطر بشراء السلم الاجتماعي عن طريق زيادات بأثر رجعي في رواتب الكثير من الأسلاك وتوزيع السكن وفتح مجالات التشغيل أمام الشباب خصوصا في مناطق الجنوب، فالسلطة لم يكن أمامها خيار أخر وهي تدرك، بحكم الوسائل التي بحوزتها لاستباق أي سيناريو يستهدف استقرار البلد وأمنه، بأن المخابر التي تكلفت بجر الجزائر إلى مستنقع »الخريف العربي« لن تتوقف عن محاولاتها حتى يسكنها اليأس وتفقد كل أمل في تحقيق أهدافها. ربما تستعمل السلطة الفتنة العربية لتخويف الجزائريين، وهذا محتمل، لكن استبعاد وجود هذا الخطر هو أيضا مغالطة يدعيها البعض عن جهل أو من منطلق الاعتقاد بأن الجزائر سوف تسقط بسهولة كما سقطت الكثير من الدول العربية في حبال الفوضى، فالطموحات كثيرة لركوب موجة التغيير عن طريق الشارع، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتجاهل حقيقة هذا السيناريو المرعب الذي قد يعيد البلاد إلى مرحلة ربما أخطر من مرحلة الإرهاب، فالجراح لم تندمل بعد وعقليات الثار موجودة ولا يمكن نكرانها، واشتعال المواجهات في الجزائر، يعني بكل بساطة النزول بالبلاد إلى الهاوية. والحقيقة أن ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة رابعة لم يفاجئ أيا من المراقبين، فكل السيناريوهات كانت تتجه نحو هذا الخيار، وظهور الرئيس أمام الصحفيين وهو يدخل المجلس الدستوري ونقل التلفزيون لصور الرئيس وهو يتحدث إلى رئيس المجلس مراد مدلسي، أريد لها أن تكن مطمئنة لملايين الجزائريين الذين طرحوا تساؤلات جدية حول صحة الرئيس، وحتى وإن ربح بوتفليقة تحدي جمع التوقيعات وجمع ما لا يقل عن 4 ملايين توقيع في استعراض واضح للقوبة من قبل الداعمين له، فإن ذلك لم ينه الجدل المتواصل حول الرئاسيات المقبلة وحول نزاهتها، فالتعليمة التي وجهها الرئيس بوتفليقة والمتضمنة إلزام الإدارة بالنزاهة والتأكيد على الشفافية وصون أصوات الناخبين، لا تقنع الكثير من المعارضين الذين يعتبرون بأن الانتخابات المقبلة سوف تكون مغلقة، وهو ما يدعم موقف المقاطعين وحتى حزب جبهة القوى الاشتراكية الذي قال أمينه الأول، أحمد بطاطاش، خلال لقاء صحفي، إن الانتخابات المقبلة، والتي لن تكون سوى شكلية، حسب قوله، لن تسمح ب »تجنب مخاطر الفراغ السياسي وعدم الاستقرار المؤسساتي، والتطرف المحتمل«، كما أنها »لن تمحو خطر سيناريوهات كارثية عاشتها من قبل عدد من البلدان في منطقتنا الإقليمية« . واللافت أن مرحلة فرز المترشحين وانتهاء مهلة تسليم استمارات التوقيعات، شكلت نهاية ل»كارنفال« حقيقي امتزجت فيه الدراما بالهزل، فلم يظهر أي اثر لبائع الخضر ومربي الدواجن وغيرهما من الوجوه الهزلية التي دخلت غمار الرئاسيات، وحتى المترشح المثير للجدل رشيد نكاز غادر هو الأخر الرئاسيات بعد الإعلان عن حادثة غريبة تمثلت في سرقة سيارة كانت تحمل توقيعات، حسب زعمه، واختلف الجميع في فهم وتفسير ذلك، بين من يرى أنها مجرد خدعة ابتدعها الرجل لتغطية عجزه عن جمع التوقيعات، وبين من يرى بأن نكاز الذي تخلى طوعا عن الجنسية الفرنسية للترشح في الجزائر، وعرف في فرنسا بدفاعه عن المنقبات وحصل على شعبية قياسية في مواقع التواصل الاجتماعي فاجأت الكثير من المراقبين، تعرض إلى مؤامرة لإقصائه من المنافسة. المرحلة المقبلة سوف تشهد، وربما خلافا لكل التوقعات، سباقا محتدما بين المترشحين للرئاسيات فرغم ما يقال عن الغلق وعن التزوير والتشكيك في ضمانات السلطة، يصر العديد من المترشحين على دخول غمار المنافسة، ويعتبر المترشح الحر علي بن فليس الذي ساندته هو الأخر العديد من الأحزاب السياسية وأجرى اتصالات حسب بعض المصادر حتى بشخصيات إسلامية من بينها أسماء تنتمي للحزب المحل، الأكثر بروزا، مما يعني أن الرئاسيات المقبلة سوف تعرف منافسة ساخنة قد تكون كافية لاستبعاد باقي السيناريوهات التي يراد لها أن تنزل بالجزائر إلى مستنقع العنف وتلحقها بركب دول »الشتاء العربي«، هذا »الشتاء« الذي خلصت دراسة أعدها البروفيسور بول ريفلين، وإسحاق غال ، كلف الدول العربية التي مر بها ما لا يقل عن 800 مليار دولار خسائر بين2011 ونهاية عام ,2014 وقالت الدراسة أن »ثورات الربيع العربي«، أدت إلى تفاقم مريع للفقر وزيادة كبيرة في مستوياته وانخفاض مستوى الخدمات العامة، ناهيك عن ألاف الضحايا وعن مخاطر لم تعرفها هذه الدول من قبل أضحت تهدد وحدتها.