مما يحزن ويدمي القلب أن تلك الجماعة كان من بينها أناس لولا ''بوتفليقة'' لما عرفهم الناس ولا برزوا إلى الوجود أصلا، ولقد تحدثت عن هذا بكل تفصيل في عدة مقالات وخاصة المقال المنشور يوم 21 ماي 2013 على صفحات جريدة ''صوت الأحرار'' الغراء تحت عنوان '' ألا يخجل هؤلاء القوم''، لقد أشرت في أول الحديث بأني كنت أظن بأنني قلت كل شيء أعرفه عن الرئيس وأن الكتابة في الموضوع مرة أخرى لن تكون إلا من نافلة القول، إلا أنني أعود اليوم للكتابة عنه، والذي أعادني إلى ذلك - رغم التعب والمرض - هو مقال لأحد الإخوة يقدم نفسه على أنه محلل سياسي ويدعى ''عبد القادر بن ڤرينة'' نشره في جريدة ''الخبر'' تحت عنوان: ''سيناريوهات الرئاسيات المقبلة وسياسة الأرض المحروقة''، فالأخ بن ڤرينة'' هو حقا جدير بتسميته: ذلك أن بعض ما كتبه يثبت ''القرون في الرأس'' ويصاب من يقرأه بما يسمى عند العامة بمرض ''لڤرينة''، وهي حالة عصبية تكاد تلامس الجنون، فكيف لرجل يدعي أنه محلل سياسي أن يقول بأن الرئيس ''بوتفليقة'' إنسان متردد تنقصه الشجاعة والحزم'' فكيف لرجل عاقل ناهيك عن كاتب في السياسة أن يقول مثل هذا الكلام الأخرق المعاكس للحقيقة كلية ومن كل الجوانب، كيف يصف بالجبن من قاطع الدراسة يافعا ليلتحق بصفوف جيش التحرير، حيث تميز بإقدامه وذكائه وفطنته التي جعلت الزعيم ''عبان رمضان'' رحمه الله يقول عندما إلتقى به وتحدث معه لأول مرة أثناء حرب التحرير: ''هذا الشاب نموذج لما يجب أن يكون عليه رئيس الجزائر المستقلة'' قالها بحضور عدد من الجنود والضباط من بينهم المجاهد المرحوم ''جلول ملايكه'' الذي روى القصة في إحدى شهاداته، ولعلي أشرت إليها في كتابات أخرى، لكن لا بأس أن أذكر بها، فمن المحتمل جدا أن الأخ بن ڤرينة لم يسمع بها أبدا، لا أستوعب كيف سمح هذا الأخ لنفسه أن يصف بالتردد ونقص الشجاعة ضابطا ساميا في جيش التحرير وأحد أعضاء قيادة أركانه التي كان يرأسها ''بومدين'' رحمه الله فإذا كان ''بن ڤرينة'' لا يعرف ''بومدين'' بحكم سنه، فهو لا شك قرأ عنه وسمع عن شجاعته النادرة. فهل يعقل أن بومدين يختار رجلا ضعيفا خائر العزم ليقربه منه ويكلفه بالمهام الصعبة أثناء الكفاح، وبعد الإستقلال، ثم هل نسي ''عبد القادر موقف الرئيس أمام المرض، حيث واجهه بتحد وثبات لا يتوفر إلا للمؤمن الصابر المحتسب، وهو ما ينم عنه تصريحه لمبعوث التلفزة الجزائرية إلى باريس الذي سأله عن أحواله فرد عليه رد الموقن بمشيئة الله، حيث قال بنبرة لا يساورها وهن ولا وجل: ''هذا قضاء الله وقدره ولا مرد لقضاء الله'' كان ذلك سنة ,2005 ثم عاوده المرض بصفة أشد خطورة في المرة الأخيرة، فقابله بنفس الشجاعة والإيمان والرضى بابتلاء الخالق. ومما لاشك فيه أن ثقل العبء وهموم الوطن، بالإضافة إلى خيبة ظنه في الكثير ممن أولاهم ثقته، كل ذلك أسهم في تدهور حالته الصحية، اكتفي بهذا ولن أسهب في الموضوع، فقد تكلمت عنه بالتفصيل كما قلت، كما أني لن أعود إلى تقييم إدارته لشؤون البلاد، فقد تناولت ذلك باستفاضة في المقال المشار إليه سابقا، وكذا في المقال الآخر المنشور في جريدة ''صوت الأحرار'' تحت عنوان: ''بوتفليقة العودة والتحدي'' يوم 28 أكتوبر 2013 .وبناء على ما سبق أدعو بكل محبة الأخ ''بن ڤرينة'' - إن أراد أن يحافظ على مصداقيته كصحفي وكاتب - ألا يطلق الأحكام جزافا، وأن يفكر مليا قبل أن يتكلم، فهو يعلم أن زلة اللسان أصعب من زلة القدم''.''بوتفليقة عكس ما يقول ''السي بن ڤرينة'' ولفيفه المقرون'' وكما يعرفه الشعب الجزائري البار، رجل لا يلهث وراء السلطة، دليلي على ذلك أنه رفضها عندما عرضت عليه سنة ,1994 لأنه ليس من أولئك الذين يقبلون برئاسة شكلية، حيث تتحكم في قراراته سلطة خفية تقرر من وراء الستار، وعندما قبل أن يترشح لها سنة 1999 لم يقبل بذلك إلا بشروطه التي يعرفها العام والخاص وهو أن لا يكون ثلاثة أرباع رئيس ''بوتفليقة''. يا أخي عبد القادر ليس من المهرولين وراء السطوة والشهرة الزائفة، فلقد عرف المجد الحقيقي على الصعيد الوطني والدولي وهو في العقد الثالث من عمره، عندما كان وزير خارجية الجزائر الأبية الكريمة، وعندما غادر الجزائر -مكرها-، غادرها في الوقت الذي كانت تلقب بكعبة الثوار وتركها وهي في أحسن حال على جميع الأصعدة.. لما عاد إليها بعد عشرين سنة عاد إليها تلبية لنداء الوطن الجريح، وكيف لا يلبي نداء الوطن الذي بذل من أجله شبابه وحياته كلها، عاد إليه وهو يعرف أن الحمل ثقيل وأن الإرث الذي تركه عندما رحل قد ضاع، وأن البلد الآن محطم، مقسم ويحتاج الى جهد خيالي لترميمه وبنائه من جديد. لم يتردد ورفع التحدي، يا من تقول عنه أنه متردد خائر العزيمة! أجل رفع التحدي وحاول ما استطاع إلى ذلك سبيلا، إصلاح ما أفسده الآخرون دون مِنّة ولا أذى ولا تشهير بمن سبقوه رغم أنهم ألحقوا به أذى كثيرا، احتسب وعفا وباشر العمل مستعينا بالله، فأنجز أشياء عديدة رغم تخاذل وتقصير الكثيرين من أعوانه ومساعديه، وإن حدثت أخطاء فالعصمة لله وحده، بوتفليقة رغم ما يتوهم البعض، ليس متشبثا بالكرسي إلا من باب الشعور بالمسؤولية والحرص على الأمانة، ومع ذلك فقد أعلن في آخر خطاب أنه عازم على تسليم المشعل للأجيال الصاعدة، صرح بذلك عندما قال: لايكلف الله نفسا إلا وسعها وأن جيل الثورة قد أدى ما عليه وآن الأوان ليستريح، وعبر عن ذلك بعبارة أضحت مثلا يجري على ألسنة الناس حين قال: ''جيلنا حنا طاب جنانو''، فهل يعقل أن يقول مثل هذا الكلام صراحة ويلتزم به أمام الأمة قاطبة لو كان ينوي الإستمرار في الحكم إلى ما لا نهاية؟؟ الحقيقة أنه كان عازما على ترك السلطة، أغلب الظن، إن لم أقل بالتأكيد أنه كان ينوي تسخير ما بقي من عهدته لترتيب الأمور وتهيئة الظروف الملائمة لانتقال السلطة بصفة سلمية وبطريقة سلمية تحفظ أمن الجزائر وتضمن استمرارها في عملية البناء على أساس إصلاحات عميقة تتماشى مع مستجدات الواقع المحلي والخارجي، ولكن الله يقول على لسان رسوله الكريم في حديث قدسي صحيح : ''يا عبدي أنت تريد، وأنا أريد، ولا يكون إلا ما أريد''، أجل أراد الله أن يصاب الرئيس مرة أخرى بوعكة صحية خطيرة كما أسلفت، تقبلها بتسليم لقضاء الله كما عهدناه، ومع ذلك، ما أن استرجع نصيبا من عافيته حتى عاد ولو من بعيد للإشراف على أمور الدولة، ومتابعة سيرها، فما وهن وما ضعف وما استكان، و''الله يحب الصابرين''، خيب إذا كل الذين استبشروا بمرضه وأعلنوا نهايته وراحوا يحيكون السيناريوهات لتنحيته، والإستعداد لمرحلة انتقالية لا أدري كيف ومن يسيرها؟ هذا مع أن الدولة قائمة ولها مؤسساتها رغم ما تتسم به من فتور وضعف، فهل يعرف هؤلاء الذين ينادون من الداخل ومن وراء البحار بقلب الأمور رأسا على عقب، كأن الدو،لة لم تكن موجودة في يوم من الأيام ويتغنون بالمرحلة الانتقالية والتأسيس لجمهورية ثانية، الله وحده يعلم هل ستقوم وكيف تقوم وعلى أي أساس تقوم؟ .. هل يعرفون كلفة هذا المشروع الخيالي الذي نجهل ملامح كيانه وأعمدة بنائه ومنهاج سيره وهياكل قيامه؟ بالطبع لا، وبذلك أقول أن المجتمع الذي نصبو إليه والدولة الحديثة التي نسعى لإنشائها لا يمكن بناؤها، دون خسائر كبرى - إلا عبر المؤسسات القائمة حاليا وبمشاركة الجميع - وعندما أقول الجميع أقصد الشعب، وليس هذه الأحزاب والجمعيات المحنطة، وتحت رعاية الرئيس سواء كان بوتفليقة أو غيره، مع تمنياتنا أن يجدد لبوتفليقة وأن يمده الله بالصحة والعافية، فيرعى هذا المشروع الكبير كما رعا مشروع المصالحة الوطنية وما أدراك... وهذا المشروع التوافقي لا يمكن أن يتم إلا عبر ندوة وطنية يشارك فيها الجميع كما قلت، ندوة ليس كندوة '' السيد أحمد غزالي'' التي نعرف ما آلت إليه من فشل ذريع، وإنما ندوة حقيقية تعقد بعد نقاش شعبي واسع، كذلك الذي عرفناه في منتصف السبعينات بمناسبة إعداد الميثاق الوطني الشهير . ¯ يتبع