وإنما ''بوتفليقة'' بالذات نظرا لما له من شعبية حتى وهو مريض ورغم كل محاولاتهم البائسة للنيل منها، وكم أعجبتني تلك الصحافية المتميزة أقصد '' الأخت سامية بلقاضي'' عندما قالت : '' إذا شعرنا بالغضب على العهدة الرابعة، فكيف لم نشعر بالخيبة عندما كنا نسمع عن بدائل محتملة وهي كلها خارجة من الأرشيف، لا قاعدة لها ولا ميزة سوى أنها من إنتاج النظام وغير صالحة للتغيير، ولماذا لم نغضب عندما سمعنا عن شخصيات مستهلكة قد يكون النظام منح لها الضوء الأخضر للترشح''. أنا مع الأخ ''محمد درقي'' حين كتب في جريدة الخبر '' تحت عنوان : رسالة إلى الرئيس'' مقالا يقول من بين ما يقول فيه بأن الجزائر لم تعقم، فالجزائر فيها رجال أكفاء قادرون ووطنيون مخلصون، لكن أين هم؟ فإذا كانت الجزائر ولودة فلا شك - وأظن أن الأخ درقي يتفق معي - أن الأحزاب أصيبت بالعقم، والجدب منذ زمان، ومثلها الجمعيات، والدليل على ذلك هو هذه الوجوه الباهتة التي رأيناها تركض - دون خجل وراء الترشح لأعلى منصب في الدولة - فهل تعتقد حقا يا أخي '' محمد'' أن من بين هؤلاء من هو قادر على الانتقال بالبلاد إلى عهد جديد؟ ربما فالمثل يقول يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر ''، لكن الاحتمال ضئيل وضئيل جدا، ولا يمكن أن نغامر في هذا الظرف العصيب بمصير الوطن مراهنين على معجزة قد تحدث أو لا تحدث على الإطلاق. لقد أصبح معروفا أن أغلب المعارضين ولا أقول كلهم- يعارضون من أجل مآرب شخصية أو مصالح حزبية ضيقة غير مبالين قيد أنملة بمصلحة الوطن العليا، وهذا ما عبر عنه بصفة رائعة الصحافي المخضرم العريق الأخ '' بوشن حاج شيخ'' في جريدة ''لوكوتديان'' الوهرانية عندما قارن الوضع الحالي للجزائر بالوضع في أمريكا عشية انتخابات ,1980 حين رفع الكل شعار :'' أي شخص آخر إلا كارتر''. وقف الجميع ضده رغم ما للرجل من قيمة سياسية وإنسانية مشهود له بها عالميا. نعم، اتفقوا جميعا على الوقوف في طريق الرئيس كارتر'' فجاءهم مكانه ممثل سينمائي من الدرجة الثانية أعني رونالد ريغان'' صاحب حزب النجوم الخاسرة، فصدقت بذلك مقولة:''رب زمان بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه''ومادمنا بصدد الحديث عن آراء ومواقف بعض المفكرين والمثقفين، فهم كثر ولكن أغلبهم صامتون، ومن تكلم منهم لا يختلف كلامه كثيرا عما يقوله زعماء الأحزاب، جل حديثهم يقتصر على الانتقاد والتنديد دون اقتراح البديل، ناهيك عن أن يقدموا أنفسهم كبدائل، ولا أدري، هل هي عقدة نقص أو عدم ثقة في النفس. وبالمناسبة هناك أحد الإخوة من الكتاب المتمكنين والمتميزين، ألا وهو الأخ '' سليم قلالة'' الذي طالما سعى دون كلل ولا ملل، إلى إنعاش الحوار الفكري، وترقية النقاش العلمي واجتهد عبر كتاباته لتكوين رؤيا مستقبلية مبنية على العلم والدراسة المعمقة، مما جعلني أقول في نفسي لماذا لا يترشح هذا النوع من الرجال، لماذا لا يترشح الأخ سليم وهو من الجيل الثاني وصاحب تجربة وعلم وثقافة، لماذا لا يترشح ويفضل الإصطفاف إلى جانب رجل آخر مهما كانت قيمة هذا الرجل السياسية. وإذا كان زاهدا في المسؤولية أو متوجسا منها، فهي أمانة ما بعدها أمانة، فلماذا لا يرشح أحد زملاءه ممن يتوسم فيهم الكفاءة والنزاهة والوطنية، لماذا يؤثر دعم رجل من الجيل القديم ومحسوب على النظام، رغم احترامنا لهذا الرجل وتقديرنا لتاريخه - لماذا مال الأخ سليم لهذا الاختيار وهو الذي لم يتوقف يوما عن المطالبة بالتغيير وتسليم المشعل للشباب، من جيل الاستقلال؟ الجواب عند السي سليم'' و لماذا إذًا يلومون على جيل الثورة تمسكه بالسلطة، وهم مستنكفون عن تقديم أنفسهم كبدائل، لماذا لا يترشح مثل هؤلاء فيدرك الناس قيمتهم ولو بعد حين - كيف يتقوقعون على أنفسهم أو يبقون في الخلف ويتركون الساحة لمن هب ودب كما يقال، وبعد ذلك يلومون على الشعب تشبثه بالوجوه القديمة المستهلكة على حد تعبين الأخ '' سعد بوعقبة''.. الأخ سليم - عوض أن يكون أحد الفرسان، وأنا أراه أهلا لذلك، فضل أن يدعم مرشحا آخر في نهاية المطاف، ولعل هذا ما جعل كتاباته الأخيرة تفقد شيئا من ألقها وروعتها، فقد أصبح يتكلم عن أمور لم يعتد الخوض فيها، أجل ترك التحليق في سماء التحاليل العلمية الرفيعة ونزل إلى حلبة السياسة الرديئة عندما راح يتحدث عن أرقام وعدد الاستمارات، فانضم بذلك إلى جوقة تلك الزمرة من المعارضين التي تحصر أسباب فشلها دائما في شيء واحد وهو التزوير، ولقد قلت في مناسبات أخرى، مع تسليمنا بأن التزوير لا يمكن أن تسلم منه أي انتخابات، إلا أن نسبته لن تكون حاسمة سواء كانت الهيئة التي تشرف عليها لجنة قضائية، أو مستقلة أو قادمة من القمر، فالأحزاب حاضرة في العملية من أولها إلى آخرها، في مراكز الاقتراع وفي كل مكتب وفي لجان الفرز إلى آخره، لذلك فإن التزوير - إن حدث- فلن يكون إلا نسبيا ودون أثر كبير في النتائج النهائية، ثم أسأل كل المتشككين قائلا :'' لو كانت الدولة لها كل هذه القدرة على تزييف النتائج والتلاعب بها لما استطاع الفيس أن يفوز بها سنة ,1992 فهل يعقل أن يكون للدولة القدرة على التزوير ولا تستعمله في الوقت التي كانت في أمس الحاجة إليه، حيث أن تلك الإنتخابات كانت تمثل بالنسبة للنظام آنذاك قضية حياة أو موت. فالحقيقة أن الشعب عندما يتجند ويعبر بقوة عن رأيه، فلا أحد يمكنه أن يزور رأيه أو يتلاعب بإرادته، '' الفيس نجح يومها لأن تياره كان جارفا وغالبا، ولا يمكن لأي قوة مهما بلغت أن توقفه وعليه ففشل أحزابنا المتحللة اليوم، ليس مرده التزوير وإنما يكمن في عجزها عن تجنيد الجماهير التي فقدت ثقتها، وفي نفس السياق يمكن القول أن حركة ''حماس'' هي الأخرى استطاعت أن تفرض نفسها في البرلمان وفي الحكومة في سالف الأيام، كان ذلك قبل أن يتسرب إلى بعض قادتها فيروس المادة واللهث وراء المصالح بعد أن شاركت في الحكم والحكومة فظهروا للناس على حقيقتهم وبذلك فقدت الحركة الكثير من مصداقيتها وتعاطف الجماهير معها، ونفس الكلام يمكن أن يقال عن أحزاب أخرى علق عليها الشعب بعض الأمل ثم خاب أمله فيها.أنا لا أدعي ولا أحد يمكنه أن يدعي بأن الجزائر على أحسن ما يرام، بل فيها الحسن وفيها السيء، فيها الإيجابي وفيها السلبي كما يقول الأخ '' لحبيب رشدين، وكما كنت تقول أنت يا أستاذ قلاله وكل محلل سياسي محترف، كما أنني لا أنكر أن الرئيس في سنة 1999 ليس كحالته سنة 2014 من الناحية الصحية، وهي الذريعة التي يرفعها أعداؤه مع العلم أنها كلمة حق أريد بها باطل. لكن أين البديل، فإذا كان البديل هو أحد أولئك السياسيين الذين قضوا حينا من الدهر في السلطة ثم غادروها منذ سنين وطاب جنانهم أكثر مما طاب جنان الأخ بوتفليقة، وإذا كان البديل الآخر هو من هؤلاء المتطفلين على السياسة من رؤساء الأحزاب الخربة، فأنا أفضل بوتفليقة حتى وهو مريض على هؤلاء، ذلك أن الجديد لا يُصنع بالقديم كما يقول المثل.وبهذا الصدد يقول المحلل السياسي القدير الأخ ''خروبي لحبيب'' في جريدة '' لوكوتديان'' ما يلي:'' من المحتمل أن الرئيس فكر في ترك الحكم بعد العهدة الثالثة، لكن ما قام به معارضوه أثناء فترة مرضه جعله يغير رأيه، وهو ما قلته أنا في بداية هذا المقال وفي كتابات أخرى، ولولا ذلك لما تحدث عن تسليم المشعل، لكن دافعه ليس الخوف عكس ما يقوله الأخ '' الحبيب'' فالرجل ليس من عجينة الجبناء، وإذا كان هناك من خشية لديه، فهذه الخشية لن تكون إلا خشية على الوطن من عبث العابثين في الداخل والخارج خاصة في ظل هذه الظروف الحبلى بالمخاطر التي لم يسبق للجزائر أن عرفتها منذ الإستقلال، كل المعطيات تقول بأن المنافسة ستنحصر بين الرئيس ورئيس حكومته الأسبق، فأين هي إذًا هذه المعارضة، وعلى ما كل هذا الضجيج وهذا الصخب إذا كان نصفها إنضم إلى مرشحي النظام كما يقولون والنصف الآخر تجمع في تحالف غريب ضد العهدة الرابعة، أقول غريب لأنه جمع بين التيار ونقيضه، أليس غريبا أن نرى سعدي إلى جانب بلحاج، أليس عجيبا أن يقف المستأصِل والمستأصَل جنبا إلى جانب، فلعل هذا من نتائج المصالحة الوطنية التي يقفون اليوم ضد عرابها ومنفذها، وعلى ذكر المصالحة، فقد رُوي لي، والعهدة على الراوي، أن بوتفليقة كان في زيارة خارج الوطن ذات يوم، وعندما سألته الصحافة - على هامش الزيارة - عن نتائج المصالحة الوطنية فأجاب مشيرا إلى الأخ '' بلخادم'' والسيدة خليدة مسعودي، اللذين كانا ضمن الوفد الجزائري قائلا:'' أنظروا، ها هي إمرأة علمانية سافرة تجلس إلى جانب رجل إسلامي ملتح، ويعملان في وئام وفي حكومة واحدة، أليس هذا دليل على أن عملية المصالحة قد نجحت؟... لقد قصوت أن أختم مقالي بهذه القصة أو اللفتة الظريفة والبليغة في نفس الوقت، حتى لا أختمه بخلاصة تبعث على التشاؤم واليأس والإحباط. ¯ إنتهى