يشكل التحكم في التوسع العمراني أحد أهم التحديات التي تعرفها الجزائر في الوقت الذي تشهد فيه منذ سنوات إنجاز المئات من الأحياء السكنية الجديدة لكن بدون هوية ولا روح، حيث تسعى الحكومة إلى الحد من أزمة السكن بوضع إستراتجية منسقة تهدف من ناحية إلى رفع وتنويع العرض في مجال السكن مع احترام قواعد العدالة الاجتماعية في توزيع إعانات الدولة في هذا المجال. تجمع كل الأطراف من مواطنين ومسؤولين وخبراء ومهندسين على أن الجزائر تعيش فوضى عمرانية حيث لا تستجيب الأحياء الجديدة لمتطلبات العمران الأساسية ولا تظهر فيها أي طابع خاص يعكس الهوية الوطنية. ويعتبر رئيس الهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين جمال شرفي أن برامج التجهيز والسكن في الجزائر بالرغم من ضخامتها لم تترافق مع متطلبات النوعية المعمارية وهو ما يستوجب -حسبه- مراجعة الإطار القانوني المنظم لهذا المجال بشكل زيحفز المهندسين ويفجر طاقاتهم الإبداعية. كما أشار إلى غياب إطار مرجعي للهوية المعمارية الوطنية يتم تحديد مواصفاتها التقنية بدقة قصد الاستناد عليها في صياغة دفاتر الشروط الخاصة بالمشاريع السكنية، ويمكن بالرجوع لهذا الإطار إنجاز سكنات عصرية تتلاءم مع خصوصيات المجتمع الجزائري وتستفيد من الموروث الثقافي الوطني. وقامت الجزائر منذ سنوات بمعالجة أزمة السكن وفق منظور كمي فقط تحت ضغط الطلب الكبير مما ساهم في إنشاء أحياء بمثابة مراقد تفتقد للمرافق الضرورية والمساحات الخضراء. وتعكف الوزارة حاليا على مراجعة قانون العمران مع إشراك الهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين، كما أصبحت هذه المراجعة ضرورة بالنظر لكون التشريع الحالي الذي يرجع لعام 1990 لم يعد يستجيب لمتطلبات العمران العصري والتطور الاقتصادي والاجتماعي المتسارع الذي تعرفه البلاد فقد أصبح مجرد نصوص شكلية. ويعتبر امتصاص أزمة السكن أولوية من أولويات برنامج عمل الحكومة و لهذا يعتبر رفع وتيرة الإنجاز وتبني أساليب وتقنيات حديثة للبناء من ضروريات القطاع لحل هذه الأزمة. وبفضل تناوله لقضية السكن كأساس يستند عليه في تعزيز روابط المجتمع أكد رئيس الجمهورية في برنامجه أن الدولة ستواصل دعمها للقطاع للقضاء كليا على أزمة السكن قبل نهاية البرنامج الخماسي .20192015 وتطبيقا لتعليمات رئيس الجمهورية قامت الحكومة مؤخرا برئاسة عبد المالك سلال في إطار برنامج عملها بتسطير برنامج يرمي إلى انجاز 6,1 مليون سكن بكل الصيغ خلال الخماسي 20192015 لامتصاص أزمة السكن. ويجدر الذكر أن برامج السكن مرشحة للارتفاع وهذا لتلبية طلبات المرشحين الذين تتوفر فيهم شروط الحصول على السكن خاصة منهم الشباب وكذا الجزائريين المقيمين خارج التراب الوطني. نظرا لضعف قدرات الانجاز الوطنية في قطاع السكن قررت الحكومة اللجوء مؤقتا نحو الشريك الأجنبي، ولهذا قامت الجزائر في السنتين الأخيرتين بالتوقيع على عدة عقود شراكة مع البرتغال، اسبانيا، ايطاليا، الولاياتالمتحدةالأمريكية تمخض عنها شركات مختلطة جزائرية-أجنبية. وتهدف هذه الشراكات إلى تقليص مدة الإنجاز بتبني الأساليب الحديثة للبناء ونقل التكنولوجيا نحو الجزائر في ميدان البناء وتنظيم دورات تكوينية للتقنيين الشباب الجزائريين كما تصبو هذه الشراكة إلى انجاز مصانع للسكن. ولجأت وزارة السكن للرفع من مستوى أدائها إلى إقامة شراكات مع مؤسسات اسبانية وبرتغالية وإيطالية قصد إنشاء شركات مختلطة مع فروع إنجاب مع ضمان تكوين الإطارات واليد العاملة الجزائرية ونقل تكنولوجيات البناء الحديثة المستخدمة في أوروبا. وفي الوقت الذي لا تزال فيه بعض هذه الشركات المختلطة قيد الإطلاق فإن البعض منها تعثر مبكرا لأسباب إجرائية مما جعل مدير إنجاب محمد ياسين حفيان يؤكد أنه لا بد أن تخضع كل شراكة مع مؤسسات أجنبية إلى مبدأ الثقة وضمان الربحية لكلا الطرفين. ولتحسين مردود و كفاءة المؤسسات العمومية للإنجاز تسعى السلطات لإعادة هيكلة شركة مساهمات الدولة إنجاب التي تجمع بين 56 مؤسسة مختصة في البناء وحسب مخطط إعادة التهيئة الذي أحيل على مجلس مساهمات الدولة سيتم تقسيم إنجاب إلى خمس مؤسسات انجاز كبرى يتم إنشاؤها بالشرق والغرب والوسط والجنوب-الشرقي والجنوب الغربي لتغطية كامل التراب الوطني.