يشرف الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني في مقبل الأيام على تنصيب اللجان الفرعية المنبثقة عن اللجنة الوطنية للمؤتمر العاشر، هذا الحدث السياسي الهام، سيكون فرصة مواتية لفتح نقاش واسع يفتحه الحزب مع نفسه ومع محيطه العام، وسيكون سؤال المستقبل هاجس الجميع، من قيادة الحزب إلى القواعد النضالية، مرورا بالمتعاطفين والمحبين. هذا السؤال الجوهري، طرحه الأمين العام للحزب في أكثر من مناسبة، وما »النقاط العشر« التي تشكل خارطة طريق، واضحة المعالم ومحددة الأهداف، إلا تعبير عن هذا الانشغال الكبير الذي توليه القيادة كل الاهتمام، إيمانا منها بأن معركة التغيير التي يجب أن يخوضها الحزب هي شرط ضروري لاستمرارية رسالته. فالحديث عن وحدة الحزب، وعن عصرنته وإعادة إحياء هيئاته وأجهزته وتحسين تسييره وتوسيع قاعدته الاجتماعية وترقية دوره التاريخي والحفاظ على هيبته وتأكيد ريادته السياسية وأخيرا تكثيف حضور الحزب دوليا، هو حديث عن مستقبل حزب جبهة التحرير الوطني، هو حديث عن هاجس المستقبل الذي ينبغي أن يصبح قضية الجميع، حتى يتعزز الحزب بالمزيد من عناصر القوة التي تكرس مكانته كتشكيلة سياسية كبرى، منسجمة مع العصر ورهاناته. لذلك كله، فإن الحديث الذي، يتردد في بعض الصحف، ومفاده أن الأمين العام للحزب، عمار سعداني، يستعجل انعقاد المؤتمر لوضع منافسيه أمام الحائط! وأنه يعتزم فرض سياسة الأمر الواقع، من خلال »تصفية« خصومه وجعل معارضيه »خارج المشهد« في مرحلة ما بعد المؤتمر العاشر، إنما يتجاهل بصورة كلية الرهانات الكبرى التي ينعقد فيها هذا الحدث السياسي الهام. إن المؤتمر المقبل مؤتمر عادي ولكنه استثنائي، بالنظر إلى طبيعة الظرف الذي ينعقد فيه، حزبيا ووطنيا، فهو مدعو أولا، إلى القيام بعملية تقييم وتقويم لتجربة الحزب الطويلة، خلال مرحلة التحرير وخلال مرحلتي الأحادية والتعددية السياسية، وثانيا، هو مطالب برسم الآفاق التي تحدد معالم المستقبل، بما يضمن تعزيز وحدة الحزب وترقية أدائه وإضفاء الجديد على منظومة أفكاره، وكذا سد الطريق، قانونيا وديمقراطيا، ضد كل ما من شأنه عرقلة مسار الحزب وتضييع اهتماماته في المهاترات والصراعات العبثية. ذلك كله يمنح المؤتمر المقبل صفة الخصوصية التي، تجعل منه المؤتمر الذي يضع الحزب على سكة التطوير والتحديث، بكل ما يعنيه ذلك من إعطاء جبهة التحرير الوطني صورة الحزب الكبير، المتجذر شعبيا والمتجه بعزم وثبات نحو المستقبل. ولعله، من باب الشجاعة الفكرية، يجب الإقرار بأن حزب جبهة التحرير الوطني يتعرض منذ ما يقارب عشرية كاملة لما يمكن أن يسمى حالة ''استنزاف داخلي'' لها نصيبها الواضح، ليس فقط في تشتيت الصف بل أيضا في تشجيع الخصوم على التحرش بالحزب، من خلال تلك الدعوات التي تطالب بإيداعه في المتحف! إن المؤامرات ضد حزب جبهة التحرير الوطني لا تنتهي، والمطلوب ليس الاكتفاء بالحديث عنها أو التنديد بها، بل ينبغي إدراك أن أعتى المؤامرات تسقط إذا كان الحزب محصنا بالوعي النضالي والسياسي والفكري وبمؤهلات القوة في أداء مهامه السياسية. إذن، فالقراءات التي، تتحدث عن »التصفية« و»قطع الطريق« وتنظيم مؤتمر على المقاس، تبدو مبتسرة أو قاصرة عن إدراك ما يمثله المؤتمر المقبل من أهمية بالغة في حياة الحزب والبلاد معا، ذلك أن رهان الأمين العام هو تنظيم مؤتمر ناجح، يعكس طموح حزب جبهة التحرير الوطني وتطلعات المناضلين والمحبين والمتعاطفين ويستجيب لمتطلبات المرحلة المتسمة بالتحديات والتحولات الكبرى في محيط وطني ودولي يعج بالأحداث والمتغيرات العميقة. ذلك هو التحدي الحقيقي الذي ترفعه القيادة بالنسبة للمؤتمر العاشر، لضمان انطلاقة جديدة ونوعية وإحداث القطيعة نهائيا مع الممارسات والسلوكيات، التي ميزت العشرية الأخيرة، حيث طغت الأهواء الذاتية والأغراض الشخصية على حساب المصالح العليا للحزب.