انقضى فصل الصيف، وما تميز به من ركود في الحياة السياسية، وما أن لاح الدخول الاجتماعي في الأفق، حتى تفجرت '' عبقرية'' المعارضة، من خلال تصريحات تحمل من الإثارة والتهويل أكثر مما تقترح من خيارات وبدائل. إنه من الضروري التوقف بالتأمل والتفكير أمام تلك التصريحات التي دأبت بعض قيادات المعارضة على ترديدها، مما قد يوحي للقادم من بعيد بأن الجزائر تعيش داخل سجن كبير وأن شعبها مكمم الأفواه ومقيد الحركة وأنها أقرب ما يكون إلى المجاعة والانفجار. في البداية لا بد من الإشارة إلى أنه لا اختلاف على ضرورة وجود معارضة سياسية قوية، لأن ذلك هو التعبير الأبسط عن وجود السياسة ذاتها، كما أن المعارضة تمثل زالرقيبس على ممارسة السلطة لصلاحياتها الدستورية والقانونية. وبهذا المعنى، إذا كان المطلوب من النظام تجديد نفسه وتطوير أدائه وتحسين صورته وتصحيح أخطائه، فإن المعارضة مدعوة أيضا إلى القيام بمراجعة جريئة لطروحاتها وطريقة تعاطيها مع العملية السياسية، إذ الملاحظ أن هناك ظواهر غريبة تطبع سلوك هذه المعارضة، من ذلك جمود الأفكار وافتقاد الرؤية الواضحة، وصولا إلى السطحية في طرح القضايا وتفضيل الشطحات السياسية وإثارة الجدل العقيم عوض تقديم البدائل والخيارات، وهذا ما تؤكده الكثير من التصريحات الصحفية المبتسرة، التي تبدو أنها تبحث عن وجود وهمي. إن من حق المعارضة أن تنتقد القرارات والسياسات الخاطئة للسلطة وأن تجهر بمواقفها، لكن الواقع يؤكد بالملموس أن أغلب القوى والتيارات المعارضة هي أقرب ما يكون إلى ز الظاهرة الصوتيةس، وهذا يتجلى في عجزها عن القيام بدور فاعل في الحياة السياسية، بل أيضا في غيابها إلى حد كبير وربما بالكامل عن الشارع السياسي، مما يجعلها في الواقع نخبة سياسية لها اتجاهاتها المتنوعة، أكثر منها تيارات سياسية فاعلة في المجتمع. إن كثيرا من الطروحات التي، تردد في التصريحات والبيانات أصحبت مثل الأسطوانة المشروخة، مما يؤكد إفلاس أصحابها وعجزهم عن تقديم مواقف مدروسة ومسؤولة، تعبر عن اهتمامات المواطن وانشغالاته، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو غيرها، وهذا انطلاقا من أن الأساس في أي عمل سياسي هو أن يقوم على أرضية حقيقية ويعكس اهتمامات قاعدة مجتمعية قوية. لقد اعتلى سيد أحمد غزالي، وهو الذي كان وزيرا ورئيس حكومة في الدولة الجزائرية، منصة المعارضة وراح يعطي الدروس ويتحدث عن ز الانتقال الديمقراطيس وسالنظام الفاسد والمريضس وما إلى ذلك من نعوت وأوصاف وفتاوى، إلى درجة يبدو فيها وكأن المتحدث قد نزل علينا من المريخ وأنه لم يكن مسؤولا أو أنه كان المثال والقدوة أو أن النظام كان صالحا وفي صحة جيدة وأنه اليوم غير ذلك. إن أي عملية سياسية يجب أن تكون مؤسسة على رغبة جماهيرية وليس على طموحات شخصية، ولذلك نجد أن النخب المعارضة تطرح قضايا لا تقع في اهتمامات الجماهير وتغرق في مسائل ليست في صلب انشغالات الرأي العام وتجد متعتها في الإثارة وترويج البهتان وتسويق الأوهام، ولو كان ذلك على حساب المصداقية الشخصية والمصلحة الوطنية. وضمن هذا السياق، عاد بنا زعيم الأرسيدي إلى جدل تجاوزته الأحداث ، بتنظيم الانتخابات الرئاسية وفوز الرئيس بوتفليقة بثقة الشعب، فهل يجب تذكير مسؤول ذلك الحزب هو وأمثاله، بأن المجلس الدستوري قبل ملف ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للعهدة الرابعة وأعلن نجاحه رسميا وأدى اليمين الدستورية وهو اليوم يمارس مهامه في إدارة الدولة، فكيف يمكن العودة إلى ذلك الجدل، أليس ذلك دعوة صريحة إلى الانقلاب على الشرعية.هكذا تفكر المعارضة في بلادنا، وتلك هي الخيارات التي تلتصق بها، وقد كان المفترض فيها أن تشكل النخبة التي تزن الأمور بميزان المنطق السليم والمصلحة الوطنية، إلا أنها تؤكد في كل مرة تلك الصورة الفاضحة عن مدى الإفلاس السياسي الذي تعاني منه. إن المتعارف عليه هو أن النخب السياسية لا تملك وصاية على الناس ولا تنوب عنهم ولا تحظى بشرعية الحديث باسم الشعب، لذلك فإن السؤال المطروح هو: باسم من يتكلمون وعن أي شعب يتحدثون.