محتوى هذا المقال مقتبس من المحاضرات والأعمال الفكرية للفيلسوف الأردني العظيم سحبان خليفات رحمه الله وهو أستاذ في الفلسفة وعلومها-الجامعة الأردنيةأنقل هذا المقال على لسان أحد طلبته الأوفياء الذي وضع على عاتقه نشر أعمال الدكتور سحبان بعد وفاته. كان ممداً على سرير مستشفى الجامعةì دكتور ثمانيني «ما بقى ولا خلى» في علوم الفلسفة والمنطق والإيتومولوجيا (علم أصول الكلام) والإنثروبولوجيا (علم الإنسان) والتاريخ القديم والتحليل المعمق جداً لتاريخ العرب واللغة العربية وإنجازات الحضارة الإسلاميةì نافسه المرض على بقية أنفاسه ولكنه كان يلهج بالأمانة العلمية حتى آخر رمق... دته عيادة مريض، عساني أفي ببعض ما أحمله له من العرفان تجاه ما علمني في «مادة الفلسفة» تلك المادة الاختيارية ذات ال 3 ساعات والتي أضحت بين يديه سبباً في تغيير حياتي للأبدì بصّرني هذا الدكتور بالمنهج العلمي الفلسفي القويم المبني على محاكمة كل ما أعرف تحت مشرحة «أفلا يفقهون» و»أفلا يتفكرون» وبالاعتماد على المنطق والحجة. سرعان ما تحولت الجلسة من سؤال عن الحال والأحوال إلى نقاش جميل حول تعلم اللغات وكيف أنني تعلمت لغات أوروبية مختلفة كانت مستحوذة على اهتمامي في تلك الفترة. ابتسم وقالì لا عجب أنك قادراً على تعلمها بسرعةì اللغة العربية هي أصل اللغات كلهاì اللغات التي نراها اليوم هي بالنهاية شكل متحور للغاية من أشكال اللغة العربية القديمةì تطور الحوار إلى «اللغات السامية»، وكيف أن هنالك مجموعة من اللغات السامية في الحضارات القديمة، فكيف لنا أن نعلم أي منها بالضبط تطور إلى اللغة العربية التي نعرف اليوم حتى نعرف أي منها هي التي أسهمت في اللغات الأوروبية مثلاً؟ يقول سحبان بأنها ليست «لغات سامية» بقدر ما هي «لهجات سامية»؛ تكاد الكلدانية والأكادية والأشورية والبابلية والآرامية تنضوي تحت أصل لغوي واحد قادم من اللغة العربية القديمةì العربية القديمة لغة متسعة جداً (لربما هي «الأسماء كلها» في قول الله تعالى: «وعلم آدم الأسماء كلها) لا نكاد نستخدم عشرها اليوم... قال بأنه حاول مرة بأن ينشئ قاموساً يترجم ما بين العربية اليوم والآراميةì برم سريعاً وقال بأن محاولته في فعل ذلك لعشرات الكلمات ليس سوى مضيعة وقت حيث أن معظم الكلمات الآرامية من أصل عربي واضح للعيان!! ربما بعضها غير مستخدم أو غير شائع، ولكنها حتماً من أصول عربية!! الآرامية لغة الإنجيل وهي الوالدة الشرعية للعبرية مثلاً قولاً واحداً، ويقول بأن كلمات عبرية مشهورة، يمكن بسهولة لمتحدث بالعربية أن يؤسس الارتباط بينها حتى دون خبرة في ذلكì أتى بمثال كلمة «هآرتس» وهو عنوان صحيفة عبرية مشهورةì الهاء البادئة تمثل (ال) التعريف في العبرية والسين تمثل حرف وقوف (تماماً كاللاتينية القديمة السين حرف توقف وسنرى ذلك في مثال صغير لاحق. بإزالة الهاء وإزالة السين تصبح آرتì وتعني أرض. فتصبح هآرتس معناها الأرض! حتى عنوان صحيفة عبرية أخرى مشهور كذلك يسمى يدعوت أحرنوت... مقطع يدعوت يعني الدعوة نقول بالعامية عندما نستكثر شيئاً: «شو الدعوة؟! بمعنى ما الخبر...» أما أحرنوت فهي متحورة عن أخرنوت وتعني آخر تصبح يدعوت أحرنوت تعني آخر خبر.. كلمات كثيرة في اللغة الإنجليزية تعود إلى العربية أيضاًì كلمة (Car) و(Carriage) مثلاً تعود للأصل العربي (كرّ) بل إننا نقول بين أنفسنا بأن فلان حافظ «كَرِج»... إشارة إلى السرعة والانسيابì كلمة (Walk) تعود إلى الأصل العربي (وَلَق) وهي عربية متروكة تعني مشى!! حتى اللام لا تزال موجودة فيها!! حتى أصول لغوية أعمق كقولنا مثلاً (cut) و(قط) هما فعلياً قريبتانì المقاطع اللغوية التي تحتوي فيها (قط) غالبياً تفيد (القط ع)، كقولنا: (لم أره قط)، أنا أقطع بعدم الرؤية هناì قولنا قط ف وقط ب وقط ر كلها تفيد الانقطاع عن شيء حتى وإن عنت اتصالات من ناحية أخرى لاحقاً... يقول الدكتور بأن من يسمون ب «السومريين» (Summerians) هم ببساطة عرب «شمريين» من عرب شمر!! ولكن الكشوفات التاريخية تتم على يد أعداء العرب وهم يعملون في الليل والنهار -على حد وصفه- على فصل ارتباط العرب اليوم عن تاريخهمì يقول بأن الكلدانين مثلاً يشار إليهم في بعض المصادر على أنهم ال (Oniz) يقول الدكتور أنهم من عرب عنِزة!! يذهب الدكتور سحبان -رحمه الله- إلى أبعد من ذلك، يقول أن اللغة هي جانب فقط من السرقة التاريخية التي حصلت للتاريخ والحضارة العربية القديمةì كثير من الأمور التي نأخذها مسلمة اليوم هي من صنع وإنتاج الحضارة الأولى على يد عرب ومسلمين رياديينì يقول بأن الإغريق اللاتينيين سرقوا حتى آلهة الهلال الخصيب وآلهة ما بين النهرين وغيروا أسمائها وغيروا قصصها لتصبح كقصصهم ثم باعوها لشعبهم ديناً وثنياً خاصاً بهمì كانت الوثنية آلة محكمة في تجييش الجيوش ضد أعداء الدولة ومصدراً أساسياً في جمع الضرائب والمصادر وعاملاً مهماً في السيطرة السياسيةì عشرات الآلهة نسخت وغيرت أسماؤها وحرفت قصصها قليلاً ولكن محدداتها الأساسية بقيت كما هيì وتعددها بقي كما هو وتخصصاتها في العوالم التي حكمتها بقي كما هوì يقول بأن زوس على سبيل المثال وهو كبير الآلهة الإغريقية وملك جبل أولمبوس منسوخ نسخاً عن شماش وهو إله الشمس في حضارة ما بين النهرينì نفس الصفات ونفس القدراتì بل إن كلمة زوس نفسها هي فعلياً ذات أصل عربيì بإزالة حرف السين الذي يمثل سكون الكلام في اللاتينية يبقى زو الزاي هي انقلاب بلسان أوروبي للضادì هي فعلياً ضو وهذا يفسر كيف أنه كان إلهاً مسيطراً على البرق و»الضو» وكيف أن الضوء أصلاً هو هبة الشمسì مسائل كلها متشابكة ومترابطةì حتى الربات المؤنثة نسخت أيضاً أفروديت هي نفسها عشتار حتى الملاحم الدينية الأسطورية مثل ملحمة جلجامش مثلاًì نجدها ظهرت عندهم على هيئة الإلياذة والأوديسا لهوميروس!! سرقة في الليل والنهارì سرقة للدين والتراث والقصة والمسرحية وكل شيءì حتى الألولمبياد هو شبيه للغاية بطقس العرب في الامتناع عن القتال في الشهور الحرم!! دراسات حديثة كتبت أن كثيراً من الأوروبيين هم فعلياً من أصول عربية وهاجروا إلى أوروباì واندمجوا مع أعراقها التي كانت هناك وتماهوا معهاì لربما كانت هذه بداية التلاقح بين الحضارتينì التلاقح مطلوب ومحثوث عليه، ولكن السرقة أمر آخر تماماًì السرقة لا تعترف بفضل من اقتبس منه... استمرت السرقة حتى بعد العصور الذهبية العربيةì في وقت الحروب الصليبية وحدها كان هنالك «فرق مدربة» مهمتها بالدرجة الأولى نسخ الكتب بل وسرقتها إن لزم الأمر، حتى أن بعض جامعي الكتب من المسلمين قتلوا لأنهم لم يقبلوا ببيع نوادر كتب لديهمì فقتلوا وسرقت كتبهم... يقال أن أحد الأوروبيين ذهب إلى الأندلس المدمرة وجمع ما استطاع من الكتب الملقاة على عواهنها في الشوارع فتكونت له مكتبة من أوائل مكتبات أوروباì تكونت مكتبة أكسفورد!! وقد تحدّث الدكتور خليفات بأن العديد من الإنجازات الحضارية الماثلة اليوم والمنسوبة إلى الغرب هي ليست إلا سرقة في وضح النهار لإنتاج حضارة المسلمينì الكاميرا على سبيل المثال موصفة بمستوى عال من التفصيل في كتب ابن الهيثم بل وإن الكلمة نفسها مشتقة من العربية (القمرة المظلمة)ì أجهزة عالية التقدم مثل الآلة البخارية على سبيل المثالì مسروقة من مخطوطات علماء المسلمينì قوانين نيوتن الثلاث موجودة في ثلاث برديات أندلسية ومغاربية مستقلة جمعها نيوتن وقدمها ونسبها لنفسهì أذكر مرة أني شهدت مخطوطة قديمة لعالم فارسي يدعى الجزاري يقدم فيها لإنسان آلي بدائيì ربما ساهمت في تشكيل قاعدة لعلم الروبوت اليومì حتى على المستوى الثقافي رسالة الغفران لأبو العلاء المعري هي ذاتها الكوميديا الإلهية لدانتيì سيل عارم من المعارف والمعلومات التي سرقت جهاراً نهاراًì أذكر أنني سألت الأستاذ مرةì وإن سرقوهاì ماذا يضيرنا؟ نحن لم نصن إنجازنا وهم ببساطة أخذوه وأكلموا السير فيهì يحق لهم الفخر بذلكì يرد الأستاذ بأنه لا يعارض أن يأخذوه ويكملوا عليه فذلك شأن كل الحضاراتì لكن الذي يطالب به الدكتور اعترافهم بأن الحضارة العربية الإسلامية هي صاحبة الفضل باستمرار دورة التلاقح الحضارية التي صانها المسلمون بنسبة معارفهم في الفلسفة والفلك على سبيل المثال لليونانيينì يضيف الدكتور بأن هذا الاعتراف سيكون له أثر في الرضا الجمعي عن النفس الذي سيؤسس لثقة في الماضي وإقبال على الحاضر مهمين لأي أمة ناهضةì من ناحية أخرى فهو اعتراف بالندية بما يؤسس احتراماً متبادل وقبول للآخر وهو ما لا يريد منتصر لئيم أن يعطيه... ولكن السرقة تستمر حتى لآثار حضاراتنا القديمةì زيارة بسيطة إلى متحف اللوفر أو إلى أي من متاحف ألمانيا وبريطانيا يشاهد الزائر ثيراناً بابلية مجنحة أو أقنعة وتماثيل فرعونيةì نسينا علوماً عربياً كاملة وألقيناها في سلة المهملاتì لم نعد نستطعم شعرنا الجاهلي ولا نعرف شيئاً عن القيافة والإيافة وأما قيم الفروسية التي يمثلها عنترة بن شداد فليست سوى قصص قبل النوم فقطì إن لم تحل مكانها قصص سوبر مان... طالما نحن مفرطون في تراثنا هكذا فلن تكون لنا قيامةì ولا نلومن إلا أنفسناì وفي النهاية، تأتي شركة عالمية كبرى تدعي حماية حقوق الطبع والنشر وتبادل المحتوى لإنتاجهاì أنتم من سرقتم تراثنا ويحكم!! والآن هو ملك يمينكم وحرام علي؟! هم يعلمون تماماً بأنهم سرقتهم مستمرة حتى اليوم حينما يستقطبون أبنائنا من بلادنا التي جعلوها جحيما لا يطاق العيش فيه فيفرون إلى بلادهم مبدعين ومثقفين وعلماءì هم يأخذون ما هو ملك للبشرية جمعاء ويحتكرونه لأنفسهم ويحتفظون به بعيداً عن أيادي الناسì ويستخدمونه لمزيد من السلطة والسطوةì إذا كانت الحضارة حقاً رِبِّية كما يجب أن تكون، فهي لن تمانع نقل المعلومات والخبرةì لن تمانع النقاشì لن تصادر الآخرì وستسمح بالتنوع وستعترف لكل ذي فضل بفضلهì وأما ما سُرق، فإذا كان مالاً حلالاً، فسيعود لأهله عاجلاً أم آجلاًì حيث أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ..