حماس الفلسطينية موجودة في سلاحها، والعكس بالعكس صحيح. وفلسطين، كامل فلسطين، قائمة اليوم في غزة، وليس العكس. غزة اليوم هي الثغر المتقدم في الرقعة الفلسطينية وفي الرقعة العربية كلها. هي أشبه ما تكون برباط كتلك الرباطات في الأندلس، أيام كان ملوك الاسترداد الكاثوليكي يعملون على استعادتها ودك ما تبقى فيها من حصون. والتاريخ يعلمنا أنه يوم دخل أهل الثغور، أو هم أجبروا على الدخول إلى ساحة المفاوضات تناثروا شظايا شظايا، ولم تقم لهم بعد ذلك قائمة. الذين يريدون اليوم أن تتخلى حماس عن سلاحها مقابل تهدئة لا أفق لها أناس يريدون تمرير المشروع الصهيوني الأمريكي أوالعربي المتخلفm كيف يريدون لأناس جاؤوا من وراء البحر أن يضمنوا سلما دائمة في أرض غزةوفلسطين كلها، وهم لم يخرجوا بعد من مرحلة الجوع والقمل والأوبئة؟ كان البعض منهم يعيشون في أطراف حينا بالجزايئر العاصمة، وبالذات في حي العين الباردة المطل على أطراف باب الوادي. كنت صغير السن عام ,48 وأسمع الكثير من الحكايات عنهم وعن الأمراض التي جاؤوا بها من أصقاع أوربا ومن ألمانيا بالذات. يرطنون بلهجات مختلفة، تتراوح بين الألمانية والفرنسية والدانمركية والهولدية وغيرها، ولا يجمع بينهم جامع سوى الأمراض التي كانت تعصف بهم بعد أن جوعهم هتلر وزبانيته. وما حل عام 1950 حتى كانوا قد شدوا الرحال إلى أرض فلسطين واتخذوها وطنا لهم بمساعدة من العالم الغربي، بل، وجعلوها قاعدة متقدمة لهذا العالم الغربي بالذات. هاهم اليوم يشترطون نزع السلاح عن غزة وعن كل محارب فلسطيني لكي تخلو لهم الساحة مجددا ويقضوا على أبناء هذا البلد مثلما قضى الأمريكيون على الهنود الحمر في آخر موقعة لهم عام 1890 في موقعة زوونديد نيس. من هؤلاء الأغراب والأعراب الذين يريدون طمأنة أهل غزة على مستقبلهم وحياتهم؟ إنهم لم يتمكنوا حتى من ضمان السلم في خيامهم التي تسفيها الرياح في الصباح وفي المساء. من يكون أولئك الذين يزعمون ضمان السلم في غزة وفي فلسطين كلها وفي الشرق الأوسط؟ لا شي. الواقع السياسي يعلمنا ذلك كل يوم. حزب الله في لبنان قائم في سلاحه. لو تخلى عنه لحظة واحدة لذهب أدراج الرياح. وكذلك الشأن في غزة، وبين أنصار حماس. لو حدث ? لا قدر الله ? وأنصتوا إلى الصهاينة والأمريكيين والأعراب لما عاد لهم ذكر أبدا. المعاناة لا نظير لها، وضربة السوط لا يشعر بها إلا من تقع على ظهره، ولكن، من الأفضل أن تنهال هذه الضربة وهو يحاول اتقاءها خير من أن يثق في كل من هب ودب، وفي الصهاينة وفي العالم الغربي برمته. قنابلهم وطائراتهم تخرج من قواعدها، وتقصف العراق واليمن وباكستان وأفغانستان، وتحلق في أجواء إيران، ويذهب بهم الظن إلى أنهم يضمنون السلم في العالم. السلم أمره بسيط جدا: ليبق كل واحد داخل حدوده، وليترك الشعوب الأخرى تعيش حياتها على هواها. التجويع، القنبلة، الحصار برا وبحرا وجوا، ذلك ما عاشته غزة وما زالت تعيشه، ووقفتها الصامدة هي التي سمحت لها بأن تكون هي هي، دون مساعدة من أهل التخلف في العالم العربي ومن المجرمين في العالم الغربي كله. وعليه، لا بد من القول دائما وأبدا: إن غزة موجودة في سلاحها، والعكس بالعكس صحيح. والسبب هو أن الإسرائيليين لن يقبلوا أبدا بقيام دولة فلسطينية بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة. ينبشون المقابر يوما، ويهددون بنسف المسجد الأقصى يوما آخر، فمن هذا الغبي الذي يمكن أن يثق بهم وفي عهودهم ومواثيقهم؟ في الجزائر مثل شعبي يقول: خذها من الشبعان إذا جاع، وليس من الجائع إذا شبع. هربوا من أوربا والقمل والأوبئة في رؤوسهم وبين جوانحهم، ووضعوا أيديهم بالقوة على أرض ليست لهم، وذبحوا وشردوا أهاليها، وهاهم اليوم يطمعون في أن تتخلى حماس عن سلاحها, فيا لهذه المهزلة! ويا لهذه الأكذوبة التي تتكرر منذ هرتزل ومرورا ببن غوريون وجولدا مائثيرا ودايان وشارون وغيرهم! حماس قائمة في سلاحها، والعكس بالعكس صحيح.