نقف اليوم بولع ممزوج بالوله نحو كل ما هو غربي، وقد أثّر هذا الإعجاب المزمن بما لدى الآخر حتى لدى العلماء والمثقفين الكبار وعلى رأسهم رفاعة رافع الطهطاوي وطه حسين وسلامة موسى وغيرهم، فكيف نلوم العوام من الناس خاصة في ظل العولمة وموجها الهادر الكاسر.. هذا الولع فتك بقدرتنا على رؤية الأشياء وتقدير المواقف وأضعف كثيرا أداءنا الإداري وحسن التسيير والتدبير وفي جميع الميادين، وانجرّ عنه نتائج وخيمة وخسائر وبيلة.. هذا الولع بالغالب سبّب للبلد تبعية تكاد تكون عمياء للآخر..أو الغالب بتعبير بن خلدون، والغالب بالنسبة لنا هو فرنسا التي يميل إليها الميل كله بعض أشباه الجزائريين وأدعياء الوطنية.. ! كثيرة هي صور الولع وأشكال التبعية العمياء للآخر، منها محاولات إبقاء الجزائر رهينة فرنسا من حيث إنتاج الحبوب وتأمين الغذاء، أو عرقلة الجزائر في مجال الصناعة الصيدلانية وتعطيل الإنتاج الوطني للدواء حتى تبقى سوقا للدواء الفرنسي وفاتورة الاستيراد التي تتجاوز المليار و300 مليون دولار.. ولعل أعظم مظهر من مظاهر التبعية العمياء وبتعبير خبراء الصحة أنفسهم ما أقدمت عليه وزارة الصحة بسحب دواءين مضادين للآلام من السوق الوطنية قبل نهاية السنة اقتداء بالوكالة الفرنسية للأمن الصحي، بالرغم من أن هذه الوكالة أجلت القرار إلى نهاية السداسي الأول من السنة المقبلة، لكن وزارة الصحة عندنا تمسكت بقرارها دون استشارة أحد ودون بدائل مثلما يؤكد الخبراء.. ! ذي صورة بسيطة لكنها مقزّزة عن تبعية عمياء لفرنسا ويتم عمدا رفض الحديث عنها والتعتيم عن إثارتها، مثلها كمثل النفوذ الاقتصادي الفرنسي الذي يضغط لحرمان الجزائر من استقلاليتها الغذائية والصحية كما فعل بعد الإجراءات الأخيرة لقانون المالية التكميلي..وهو بالتأكيد أحسن جواب على الذين يهونون من آثار التبعية اللغوية والثقافية التي تعانيها الجزائر ويتصورون بغباء أن اللغة أداة محايدة وأنها غنيمة حرب يجب استغلالها بينما نكتشف الآن من يستغل الآخر.. ! ربما ما وقف أحد من مثقفينا موقفا دقيقا من العمران البشري مثل ابن خلدون، ولكن ماذا كان سيقول هذا العلاّمة لو عاش إلى اليوم ورأى هؤلاء القوم وقد ضلّت بهم السبل في وطن لا يعتدّ كثيرا بهويته ومرجعياته؟