يبتلي سبحانه وتعالى عباده الصالحين ليختبر صبرهم وثباتهم ومدى عزمهم على المواقف التي تصنع المواقع أو ترعاها أو تحافظ عليها . وهاهو ابتلاء أهل بيت المقدس ومن حولها طال وقد طال صبرهم بطول ابتلائهم تحت الحصار وتحت النار وبين قضبان السجون وتحت طائلة الفتك والقتل وحتى المتاجرة بأعضائهم ، فأثبتوا القدرة على الثبات . وبالمناسبة هاهي الأمة الإسلامية تحيي الذكرى الأربعين لإنشاء هيئتها المتمثلة أصلا واسما، حسا ومعنىً، في مؤتمر منظمة الدول الإسلامية ، وكان المسلمون قبل هذا قد عودوا أهل الأقصى والمنافحين عنه والمقاتلين من أجله أن يَهبُّوا إلى دعمهم وإلى نصرتهم، بل كانوا ينضمون إلى الرباط ويبقوا إلى جانبهم مستقبلين بصدورهم وبسواعدهم هجمات العدو فيصدونها. أما اليوم فلا حياة لمن تنادي ، فماذا جرى بالمسلمين يا ترى ومالهم بعد أن تهيكلوا وانتظموا إقليميا ودوليا مثل غيرهم لكنهم ليسوا مثل غيرهم في نجدة من يستجيروا بهم من إخوانهم الذين أضناهم تكالب أعدائهم عليهم ومن مع أعدائهم من أقوى قوات الردع وأبلغ السلاح فتكًا وأكثره دمارًا . مؤسسة القدس الدولية وفضلا عن ما نسمع ونقرأ ونشاهد لم تفوت الفرصة لأن تنقل إلينا مشكورة الوضع في القدس الشريف ، وما يتعرض له من تحرش وابتزاز واستبداد مصدرها نوايا مبيتة وخلفيات ظلت دفينة لغلّ شديد بدأ مفعوله ينكشف للعيان في عمليات الاعتداءات المطردة على المسجد الأقصى ، وتطور خطوات الاحتلال الصهيوني تجاه تهويده ، وتتابع تنقية فكرة الوجود اليهودي على المستوى السياسي والديني والقانوني تحقيقا لمرامية مفادها تثبيت هذا الوجود إنسانيا وماديا وتفعيله بمختلف أدوات القهر والتعذيب والفتك داخل المسجد الأقصى. إنّ الكيان الإسلامي الذي نشأ على أنقاض هزيمة 1967 من أجل إنقاذ القدس الشريف الذي أجهدته القوات الصهيونية المدججة بالسلاح على احتلال كامل مدينته في عام الهزيمة النكراء المشؤوم ليبدأ الهدم يطال الأحياء العربية ومع سبق الإصرار والترصد تنجز مؤامرة سرقة مفاتيح أقفال باب المغاربة لتشرع أقدام اليهود في تدنيس أرضية الأقصى الشريف ويعبث بقدسيته، ثم وبعد سنتين تدبر عملية حرقه أمام الملأ، فمواصلة تهويد مدينة القدس، والذهاب بعيدًا في طمس معالمها، ومحو أثارها العربية والإسلامية والعمل على تكثيف الحفريات وتعميمها واختلاق الأنفاق لأمر وهميُ الوجود مبحوث عنه في اعتقادهم، وبعث كنائس يهودية حوله بأعداد غير مسبوقة لمحاصرته وضرب الخناق عليه. وهي الأمة القادرة إن جدّت وعزمت وحققت الوحدة وامتلكت ناصية الإرادة أن تردع الاحتلال وترد كيد اعتداءاته إلى نحره، الاعتداءات على أولى القبلتين وثاني مسجد شيّد على وجه المعمورة وثالث الحرمين الشريفين. أمام هذه الحقائق المذهلة المؤلمة ماذا عسى منظمة الدول العربية والإسلامية في ذكراها الأربعين أن تفعل غير استنكار الانتهاكات المسلطة غصبا على القدس وسكانها وبخاصة منهم المحيطين بالمسجد الأقصى الشريف ، ما عساها أن تفعل في ذكراها الأربعين المصادفة للذكرى الأربعين لحرق الأقصى ...!؟