مائة وثمانون ألف لاجئ سوري مهددون بالموت في الدول المجاورة لسوريا، لا الأممالمتحدة قادرة على التكفل بهم، ولا الدول المستقبلة لديها الإمكانات الاقتصادية التي تسمح لها باستيعابهم، والدول التي شجعت على تسليح المعارضة السورية، ودفعت في اتجاه الحرب، لا ترى نفسها معنية بهذه المأساة الإنسانية. تحرير الشعب السوري من الديكتاتورية كان الشعار الذي رفعه دعاة إسقاط النظام السوري بالسلاح، وكان من المفترض أن تفتح دولة مثل قطر، وهي البلاد الغنية، حدودها لاستقبال ولو بضعة آلاف من السوريين الذين غادروا بلادهم مرغمين بسبب الحرب، وكان من المنطقي أن تخصص السعودية جزء من مليارات الدولارات التي تنفقها على شراء السلاح لجماعات المعارضة، أن تساهم في إيواء اللاجئين السوريين وتقديم المساعدة لهم. السوريون اليوم بحاجة إلى القوت، وإلى الكرامة، أكثر من حاجتهم إلى ديمقراطية مخضبة بالدماء، والذين يصرون في خطابهم الرسمي على الجوانب الأخلاقية التي يجعلونها مبررا للسعي إلى إسقاط نظام بشار الأسد، عليهم أن يتحلوا بالحد الأدنى من الأخلاق ويقدموا شيئا للاجئين الذين شردتهم الحرب. مع كل غزو عسكري تقوم به أمريكا وحلفاؤها في الحلف الأطلسي لبلد عربي يبدأ الحديث عن مؤتمر للمانحين، وتعقد قمم من أجل إعادة البناء، ويصف قادة الدول الغربية أنفسهم بأصدقاء سوريا أو العراق أو ليبيا، لكن لم يحدث أبدا أن أعيد بناء بلد دمره الغزاة الأمريكيون وحلفاؤهم في الأطلسي، لا يزال العراق خرابا، ولم تنهض ليبيا من مستنقع الدم، وسوريا على طريق الفناء، في حين نهب الغزاة مئات المليارات وأعادوا نشر قواتهم بما يضمن لهم مزيدا من النهب وبأقل تكلفة. ما يجري للاجئين السوريين يفضح الوجه الحقيقي للسياسات الغربية، ويكشف زيف ادعاءاتهم بالسعي إلى تحرير الشعوب ونشر الديمقراطية، أما العرب من أتباع أمريكا فلسنا بحاجة إلى دليل آخر على أنهم أكبر أعداء الحرية والإنسانية.