أفاق العالم أمس على البشاعة في لبوس الدين، 132 طفلا تمت إبادتهم على أيدي مجرمين يزعمون حمل راية الإسلام، وحسب الناطق الرسمي باسم حركة طالبان باكستان فإن قتل الأطفال جاء للانتقام من الجيش الباكستاني، باعتبار أن المدرسة التي اقتحمها المجرمون يدرس فيها أبناء أفراد الجيش الباكستاني. لا شيء يبرر هذه الهمجية لكنها تحدث باسم الإسلام، ولن يكفينا أبدا القول بأن الإسلام بريء من هذه الأفعال، فما أتيح لقتلة الأطفال في بيشاورالباكستانية لم يتح لأمثالهم من حملة هذه اللوثة الإجرامية الذين يتواجدون في طول العالم الإسلامي وعرضه، وهم يلقون التشجيع ممن يوصفون بالدعاة والعلماء، عبر القنوات التلفزيونية وعبر مواقع التواصل الاجتماعي عبر الانترنيت. قد نعود إلى الوراء قليلا لنجد أن طالبان كانت صنيعة المخابرات الباكستانية في تسعينيات القرن الماضي، غير أن توظيف هذه الأدوات القذرة لا يسقط حقيقة الأفكار التي تنتج هذا التطرف القاتل في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي، وعندما يعتبر الأزهر أن كل الأفعال الإجرامية التي اقترفها تنظيم الدولة الإسلامية لا تخرج عناصره من الملة، فهذا يعني أن الفارق بين مؤسسة دينية بحجم الأزهر وتنظيم إجرامي مثل داعش هو خلاف في الرأي لا يفسد للود قضية. نعم أمريكا استغلت أسامة بن لادن، وربما تلاعبت بتنظيم القاعدة ووجهته حسب رؤيتها، وباكستان اختلقت تنظيم طالبان في أفغانستان واستعملته من أجل ترتيب التوازنات في ذلك البلد بما يخدم مصلحتها، وفرنسا تكون قد اخترقت تنظيمات متطرفة في إفريقيا وأوروبا، وكذلك فعلت كثير من أجهزة المخابرات مع داعش والنصرة وغيرها، لكن كل هؤلاء لم يخترعوا الفكر الذي يجعل قتل أكثر من مائة وثلاثين طفلا في مدرسة فعلا يمكن من خلاله التقرب إلى الله. قبل سنوات من الآن كان جزائريون يموتون بفعل فتاوى تكفرهم وتدعو صراحة إلى قتلهم، واليوم صرنا نتحدث عن تلك الفترة المظلمة بصيغة الماضي، ونغفل حقيقة أن نفس الفتاوى لا تزال تصدر اليوم وعلى أوسع نطاق حتى ولو تأخر تنفيذها، والأكيد أن هناك من يتحين الفرصة للتنفيذ. عندما يعتبر عبد الفتاح زراوي حمداش عدم قتل الكاتب كمال داود، الذي يعتبره زنديقا، علنا أمام الملأ، تعطيل لشرع الله، فعلينا أن نتوقع أن نرى في الجزائر مستقبلا مذابح مثل تلك التي شهدتها بيشاور أمس، ولن ينفعنا يومها قولنا إن حمداش كان يستفيد من تغطية هذه الجهة أو تلك.