الجزائر والانشقاق الكبير في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية عبرت الجزائر عن انزعاجها العميق من الانشقاق الكبير الذي حدث في صفوف حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية (مارس 1983) بدعم من سوريا وذلك في أعقاب الاجتياح الاسرائيلي للبنان صيف عام 1982 وما ترتب عنه من اتهامات متبادلة بين سوريا وقيادة المنظمة كما حذرت من تداعيات الانشقاق ورفضت بالتالي إنشاء تنظيم بديل لمنظمة التحرير الفلسطينية والذي تجسد في ما سمي ب : جبهة الإنقاذ الفلسطيني برئاسة خالد الفاهوم واعتبرت ذلك ضربا للمكاسب التي حققتها الثورة الفلسطينية بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية و أخذت موقفا واضحا إلى جانب الثورة الفلسطينية حيث أعلن الرئيس الشاذلي بن جديد هذا الموقف الواضح عند مخاطبته يوم 26 نوفمبر 1983 المناضلين الفلسطينيين و اللبنانيين المفرج عنهم من سجون الاحتلال و الذين استقبلتهم الجزائر بقوله : (باسم الشعب الجزائري أقول لكم نحن معكم و سنبقى بجانبكم، نحن مع الثورة الفلسطينية و على رأسها مسئولوها الشرعيون الذين انتخبوا بطريقة شرعية هنا في الجزائر (إشارة إلى الدورة ال 16 للمجلس الفلسطيني المنعقدة في الجزائر 14-12 فيفري 1983، والتي تم خلالها انتخاب القيادة الفلسطينية) نحن نقف ونعمل من أجل أن يكون للقرار الفلسطيني استقلاليته، وندعم المبادئ لا الأشخاص، نحن مع القرار السياسي المستقل للثورة الفلسطينية وليس من حق بلد مهما كانت المبررات و الحجج أن يعطي نفسه حق الوصاية على الثورة الفلسطينية و ستكون الجزائر معكم دائما ولن تتدخل في قراركم السياسي، وأعتقد مخلصا بأن هذا يجب أن يكون موقف الجميع). وقد قرنت الجزائر القول بالعمل الصادق والجاد، وقادت حوارات شديدة التعقيد مع القيادات الفلسطينية المختلفة والمتناحرة وذلك على مدار أربع سنوات كاملة من الجهد ( 1983 – 1987 ) لإقناع هذه الأطراف للالتقاء مع بعضها البعض وقد استضافت مئات اللقاءات الثنائية والثلاثية والرباعية والجماعية بين قيادات الفصائل الفلسطينية، و السعي في الوقت ذاته لإقناع سوريا بهذا الخصوص لما لها من تأثير مباشر على قيادات بعض الفصائل وخاصة رموز الانشقاق، وقد توجت هذه الجهود المضنية التي لا يتحملها إلا صاحب موقف مبدئ و يتحلى في الوقت ذاته بصبر أيوب باحتضان الجزائر- رغم الصعوبات الجمة- لاجتماعات الدورة ال 18 للمجلس الوطني الفلسطيني أفريل 1987 تحت شعار: الوحدة الوطنية : والتي أسست نتائجها لمرحلة جديدة من النضال و أعادت منظمة التحرير الممثل الشرعي الوحيد موحدة قوية على المستوى الفلسطيني والعربي والدولي عموما مما أعطى دفعا مهما لمواصلة نضال الشعب الفلسطيني، وقد كنت من موقعي في المديرية العربية بوزارة الشؤون الخارجية متابعا لكل هذه الجهود الكبيرة وشاهدا عليها. الموقف من حرب المخيمات واحتضان المجالس الوطنية الفلسطينية بينما كانت الجزائر منهمكة في تنظيم الحوارات المتعددة مع القيادات الفلسطينية لرأب الصدع ومعالجة تداعيات الانشقاق من منطلق أهمية الوحدة الوطنية لأية ثورة لتحقيق أهدافها، شنت حرب ضد المخيمات الفلسطينية في بيروت شهر ماي 1985 كانعكاس لتداعيات الانشقاق الفلسطيني– الفلسطيني تتصدرها حركة أمل اللبنانية على أساس أنها حرب ضد أتباع ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية وقد جاءت في أعقاب الإعلان عن تأسيس: جبهة الإنقاذ الوطني الفلسطيني وانسجاما مع خطها الثابت المساند للثورة الفلسطينية دعت الجزائر منذ اللحظات الأولى إلى ضرورة وقف الحرب ضد المخيمات و رأت فيها حربا على الشعب الفلسطيني و ضد سياسة فريق معين و وقفت مع حق الشعب الفلسطيني في القيام بأمن مخيماته التي يراد نزع سلاحها، وقامت بجهود مكثفة لاطفا ء نار الحرب ضد المخيمات مع المسؤولين في سوريا و قيادة حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان و غيرهم و تقدمت بالعديد من المبادرات باسم الجزائر أو من خلال ترأس اللجنة السباعية للجامعة العربية، وقد توج جهد الجزائر بالتوقيع على اتفاق أنهى حرب المخيمات في إطار مرتكزات المبادرات الجزائرية المستندة إلى حماية الثورة الفلسطينية وتعزيز العلاقات النضالية الفلسطينية-اللبنانية. وفي الاتجاه ذاته احتضنت الجزائر العديد من اجتماعات المجالس الفلسطينية (1982-1988) عندما ضاقت بالفلسطينيين الدنيا و سدت أمامهم السبل، بما فيها الدورة التي أعلن خلالها عن تأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة يوم 15 نوفمبر 1988 واعترفت بها الجزائر على الفور وهي التي احتضنت قبل أربعة أشهر من ذلك وبدعوة منها القمة العربية الاستثنائية في شهر جوان 1988 لدعم الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت في شهر ديسمبر 1987 كترجمة لنتائج الدورة الثامنة عشرة للمجلس الوطني في الجزائر-دورة الوحدة الوطنية واتفاق إنهاء حرب المخيمات بمبادرات جزائرية وجهود كبيرة بذلت بكل إخلاص. ورغم التغيرات الكبيرة التي شهدها العالم لا سيما منذ انتهاء الحرب الباردة والضغوطات التي لا حصر لها فإن الجزائر بقيت ثابتة في موقفها الداعم لقضية فلسطين على كل المستويات بما في ذلك دفع الالتزامات المالية على اعتبار أنها واجب وليس منة وذلك بشكل مستمر إلي غاية العام الجاري 2014، لأن قضية فلسطين بند دائم في أجندة الدبلوماسية الجزائرية سواء في علاقاتها الثنائية الدولية ولا سيما مع القوى المؤثرة أو قيامها بمبادرات عديدة ودعم أي مبادرة تهدف إلى تعزيز نضال الشعب الفلسطيني لإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، والأمر ذاته ينسحب على ما قامت به من جهود مستمرة على مستوى الاممالمتحدة وكل المنظمات العاملة في نطاقها أو المنظمات الإقليمية او الجهوية كالاتحاد الأفريقي أو منظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية، والجهود المتواصلة بذلت وما تزال على مستوى حركة عدم الانحياز التي كان للجزائر مساهمتها المعتبرة في صياغة البيان الخاص بقضية فلسطين والداعم لها خلال اجتماعات الدورة ال 17 لوزراء خارجية دول الحركة التي استضافتها الجزائر يوم 30 ماي 2014. وللتذكير فان كل تحركات ومبادرات الدبلوماسية الجزائرية بهذا الخصوص بتوجيه مباشر من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والذي لم يفوت أي مناسبة إلا وأكد فيها علي موقف الجزائر الثابت والداعم لنضال الشعب الفلسطيني ويمكن أن نذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر الرسالة التي وجهها إلى الأممالمتحدة يوم 25 نوفمبر الماضي 2014 بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني (29 نوفمبر من كل عام)ويمكن الإشارة إلى بعض ما جاء فيها في الأتي : - تجديد التأكيد على موقف الجزائر الثابت والمتمثل في نصرة الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف. - اعتبار سياسة الاستيطان وتهويد القدس الشريف والحصار الحائر المفروض على قطاع غزة عقبة اساسية أمام المساعي الرامية إلى إيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية. - تثمين مبادرة الأممالمتحدة في جعل سنة 2014 سنة للتضامن مع الشعب الفلسطيني وتذكيرها في الوقت ذاته بمسؤولياتها التاريخية لإنصاف الشعب الفلسطيني. - الدعوة إلى تكثيف الجهود على كل المستويات يما في ذلك الدبلوماسية المتعددة الأطراف لإيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية. وفي الأخير يمكن القول أن زيارة الدولة التي قام بها الرئيس محمود عباس إلى الجزائر بدعوة من فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (21-23 ديسمبر الجاري 2014) والتي جاءت في سنة التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني خير دليل على ما توليه الجزائر من أهمية ومكانة متميزة لقضية فلسطين، التي أسدى رئيسها وسام نجمة فلسطين الدرجة العليا لفخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بتصدير جاء فيه : تقديرا للقيادة الحكيمة للرئيس بوتفليقة ولدوره الريادي على المستويين الإقليمي والدولي، وكذا تثمينا لمواقفه القومية ودعمه لحقوق الشعب الفلسطيني في الحصول على حريته وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. الخلاصة مما سبق ذكره وشرحه يمكن القول أن الجزائر قد قرنت القول بالعمل و وأن دبلوماسيتها قد انسجمت تماما مع مبادئ سياستها الخارجية، وفي مقدمتها حق الشعوب في تقرير المصير وأوفت بالفعل بمضمون مقولات الرئيس الراحل هواري بومدين. - نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة. - إذا خيرت الجزائر بين منظمة التحرير الفلسطينية وأي بلد عربي فإنها ستختار المنظمة بدون تردد. - إننا نؤازر ونؤيد القضية الفلسطينية بدون قيد أو شرط وإننا نؤازر وندعم المقاومة الفلسطينية حتى لو اختلفنا مع كثير من الدول العربية وإن كانت هذه الدول العربية قريبة منا في الهدف وفي النضال وفي المصير. وقد ركزت الجزائر في العلاقة مع القضية الفلسطينية على أمور أساسية نابعة من خبرتها وتجربة ثورتها النضالية لعل من بينها : - التشديد على أهمية و ضرورة الوحدة الوطنية ووحدة الصف والوقوف على مسافة واحدة من جميع الفصائل الفلسطينية والتركيز على القضية الوطنية. - رفض التدخل في الشؤون الداخلية للثورة الفلسطينية من أي طرف تحت أي مبرر. - فهم الجزائر لقومية النضال هو أن يتصدر الفلسطينيون الصفوف وعلى الآخرين تقديم كل أنواع الدعم الممكنة التي يحتاجها الطرف الفلسطيني دون أي تدخل أو محاولة فرض وصاية على ممثلي الشعب الفلسطيني بحجة قومية القضية، بمعنى أن الجزائر لم تكتف بتقديم كل أشكال الدعم الممكنة للقضية وإنما انحازت إليها عندما تضطر للخيار بينها وبين الآخرين. وفي الأخير فإن القول بأن الجزائر وفية لمبادئها ومع حق الشعوب في تقرير مصيرها وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني وشعب الصحراء الغربية وغيرها ليس ترفا فكريا أو شعارات ترفع وإنما هو حقيقة تسندها الوقائع و الممارسات الدبلوماسية كما بينا ذلك بالوقائع و الشواهد العملية . * محاضرة ألقيت من طرف الدكتور مصطفى بوطوره سفير مستشار بوزارة الخارجية في الملتقى الوطني السادس هواري بومدين المنظم من طرف جمعية الوئام ببلدية حساينية بولاية قالمه يومي 27 ، 28 ديسمبر 2014.