مرفوعة إلى روح الخال ساعد وفي القلب ما يكفي من الوجع: "في أحايين كثيرة يتحول الموت إلى كابوس.. ينتقل من حالة الإلزام إلى مستويات أخرى يستحيل فيها إلى موت جائز أو موت واجب أو موت محتمل.. ! قد يصير جائزا عندما يموت المرء في زحمة من تقرر أن يموتوا بيد من قرروا إنهاء حياة هؤلاء وبالطريقة التي يشاؤون.. قد يصبح واجبا إذا اختار المرء ميتته الأخيرة دفاعا عن أرض أو عرض أو دين.. وقد يمسي محتملا إذا كان عاديا ينتظر صاحبه الذي عاش ليموت ثم مات فقط.. ! أما أن يتحول إلى كابوس فهو أن يخطف الموت من نحبهم واحدا تلو الآخر في زمن قياسي لا نقوم بعده من شدة الحزن ولوعة الفراق.. كان سيغموند فرويد مؤرّقا ليس فقط بفكرة أثر العقل الباطن في تحليله النفسي بل أيضا بفكرة الموت كما عبّر عنها في كتابه »أفكار الموت« ومثله انشغل كثير من الفلاسفة والمفكرين.. حتى الأنبياء لم يسلموا من مواجهة الموت وعسره، وكان النبي الكريم في لحظاته الأخيرة يقول: »إن للموت لسكرات« وقد خبر الناس حزنه وبكاءه في عام سمّوه عام الحزن أي في العام العاشر من البعثة حين مات عمه أبو طالب الذي كان يحميه من أهل مكة، ثم ماتت زوجته الوفية السيدة خديجة التي كانت تخفف عنه، وتؤيده في دعوته. يتحول الموت إلى كابوس حينما نفقد من نحب..يرحلون دون أن يبقوا أي أثر لعودة محتملة.. صوتهم في كل مكان عرفناهم فيه..رائحتهم في زوايا حضورهم وفي عتبات مرورهم..صورهم تتحرك في الوجدان..نشهد لهم بكل الحب والطيبة و الإيمان.. ناس زمان فجعوا بالموت الكابوس وما يخلّفه من ألم وحرمان..كانوا يضربون على صدورهم ويقولون بكل لغات الضعف البشري: يا حريقي..ياخّاه..يامّا الحنّانة..يابّي لعزيز... ناس زمان لخّصوا تجربة الموت الذي يصير كابوسا إلى مثل ظل يتردّد على كل لسان..فيه السحر واللغة والبيان..»يروح الماشي ويبقى الرّاشي« !! يتحوّل الموت إلى كابوس حينما يرحل الذين نحبهم..يتركوننا وحدنا عرضة للوجع والاغتراب والنسيان.. يلاحقنا ليهذم لذّات الحياة فينا مثل الكتاب الذي إليه مصيرنا.. أما بعد: الموت فاصلة ليبدأ كل شيء من جديد