هناك العديد من المظاهر تُعتبَر نقاط ضعف في تسيير الحكومة لدخولٍ اجتماعي سلس، وهي عبارة عن ألغام يمكن أن تنفجر في أي لحظة لا قدّر الله، فتُحقِّق أمنية المتربصين، الذين يحلمون بإيذاء الجزائر لسببٍ أو لآخر، وتُسرِّع باستكمال أسباب الأزمة التي يقول المتفائلون إننا لم ندخلها، وإن كانت على مرمى أمتار، وحينما نحاول تشخيص بعض الصور بما تسمح به المساحة التي تخصِّصها لي الجريدة، فلإيماني بما جاء في سيرة السلف الذي كان يعتبر نفسه في أيّ موقعٍ كان مسئولا عن مجتمعه: لا خير فينا إن لم نقلها، ولا خير فيمن يعنيهم الأمر إن لم يسمعوها. قد يكون الدخول المدرسي هو الساحة الأكثر قبولا للاشتعال، فهو ليس كما تنقل صوَّرَه اليتيمةُ ومَن لفّ حولها، بأنه بدأ مريحًا لكل الأطراف، لأن حقيقة الواقع تؤكِّد أن هناك شرخًا ليس بسيطا بين وزارة التربية وشركائها الأساسيين، ورثه القطاع من السنة الدراسية الماضية، زاده الطرْح الصادم الذي جاء به إداريو الوزارة، وأفرز نقاشا ملأ صيف هذا العام، والقاضي باستبدال العربية الفصحى، بكل دوارج الجزائر وعامياتها، لأطفال المدرسة الابتدائية، الذين كانت تجمعهم لغة سليمة بسيطة واحدة، هي اللغة الأم، أو اللغة الوطنية الرسمية دستوريا، يضاف إليها حالة التيهان التي يعيشها المُرحَّلون إلى مساكن جديدة، أشهر لها الإعلام الحكومي، إلى حد أن جعلها جناتٍ تجري من تحتها الأنهار، فقد أصبح المتمدرسون وأولياؤهم، يركضون في كل اتِّجاه، بحثًا عن مدرسة قريبة، أو من أجل الحصول فقط على مقعدٍ دراسي في مدرسة قريبة، وإن تشبّعت ولم تعُد تستجيب لمعايير المدرسة الناجحة، من نجاعة تربوية وتحصيل علمي. الساحة الثانية المرشّحة للاضطراب، هي الطرقات، سواء كانت في المدن الكبرى، أو حتى بين التجمعات البشرية التي تفتقد إلى معالم المدينة، لقد أصبحت المدن الكبرى محاصَرة بشبكات طرقها، بل تحولت إلى ما يشبه المحتشدات المُغلَقة، بعدما كان مستعملو تلك الطرق قد وُعِدوا في أكثر المناسبات إشهارًا لعمل الحكومة، بفك الخناق عليها، من خلال إيجاد وسائل ُتخلِّصها من حالة الانحباس المزمنة، التي أثّرت على العامل، وقلّلت من مردوديته، بل أعاقت الحركية الاقتصادية والمعاقة أصلا بالبيروقراطية البغيضة، ولكن الناس وجدوا أن ما قيل لهم رسميا وإعلاميا، ليس إلا مجرّد وعود وأوهام، وأن الطريق- أينما وُجِد- إنما ارتفع منسوب الاختناق فيه، إلى مستويات قياسية تنذر باستشراء العنف، وتبادله بين كل فئات المواطنين ومستوياتهم، وزادها انسداد قنوات صرف المياه تأزما وتعقيدا، ارتفع مع كل هذه المظاهر المشينة، ضغط الشركاء في استعمال الطُّرُق المُحفَّرة والمُحْدَوْدَبة والمُدَوْدَنة. والساحة الأخرى التي تُنذِر بما لا تُحمَد عقباه، هي عند سكان المدن الجديدة، الذين لم تدم فرحتهم طويلا، حيث اكتشفوا أن مدنهم التي يفاخر بها الراسخون في كراسي ليست لهم، هي مدُنٌ كارتونية، زخّت السماء عليها قليلا من الماء، فغرقت وكادوا معها يغرقون، وإن تعلّقوا بوعود مَن واساهم في مصابهم وحتى موتاهم من المسئولين، بأن كلّ شيء سيُصلَّح، فهم على أهْبة الاستعداد لانتفاضة يقولون إنها ستكون كبيرة، حينما يُوسِّعها شباب ما قبل التشغيل، الذين قيل لهم من طرف أكثر من وزير، سواء ممّن رحلوا، أو ممّن تمّ تدويرهم في حكومات عبد المالك سلال المتعاقبة، إن لحظة إدماجهم قد حانت، وأنه لن يمر عليهم عامهم هذا، إلا ويكونون قد خرجوا من قائمة البطالين الطويلة، وقد أشيع بينهم- لغرضٍ ما- ألاّ شيء مما قاله الوزراء سيتحقّق، لأن الأزمة تقتضي تسريح مزيدٍ من العمال، وليس توظيف عددٍ آخر . قد يكون الدخول الاجتماعي، أكثر حرارة من صيف هذا العام، بالنظر إلى تعدّد نقاط التوتّر واتِّساعها بين الحكومة وفعاليات المجتمع الأخرى، إن لم يسارع القائمون على تسيير الشأن العام، إلى تفكيك تلك الألغام، بتغيير نمط هذا التسيير، وذلك باعتماد الصدق في القول والفعل، وإعادة النظر في اختيار المسئول، طبقا لكفاءته وليس تبعا لولائه، والحكمة في التقييم، مع الصرامة التي تفرضها واجبات الحفاظ على مؤسسات الدولة، في هذه المرحلة الأصعب داخليا وخارجيا، ربما بذلك تعطي الانطباع الحسن للمواطن، وتُعيد له بعض الثقة التي فقدها فيها، وحتى لا يبقى سيف الدولة، الذي تستله الحكومة في كل مناسبة تفرض تدخُّلها، مجرّد سيف من بلاستيك... خليفة بن قارة [email protected]