تحول الحديث عن الأزمة الليبية ، وتاريخ الاتفاق المعلق ، إلى حديث عن دور "برناردينو ليون" كوسيط أممي وإصراره على الاستمرار في مهمته بعد إعلان الأمين العام للأمم المتحدة " بان كي مون " عن اختيار الدبلوماسي الألماني "مارتن كوبلر" مبعوثاً أممياً جديداً إلى ليبيا ، رغم أن " ليون " تمسك بإتمام الوساطة رغم الاتهامات الموجهة له من أطراف ليبية تقر بالتحيز إلى أخرى ، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ تعيين المبعوثين الأمميين. الدبلوماسي الأممي الذي لم يتقبل قرار إزاحته ، كان قد برر ذلك بأمله في وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق والتوقيع عليه، ليتولى خليفته " كوبلر " المبعوث الجديد ، المرحلة الخاصة بتنفيذه ، لكن رفض أطراف الحوار الليبي لمقترحاته بتشكيل حكومة الوفاق الوطني كان قويا، عبر رفض كل من برلمان طرابلس المدعوم من قبل تحالف جماعات مسلحة تحت مسمى " فجر ليبيا " ومن البرلمان المعترف به دولياً في الشرق (برلمان طبرق) الذي مدد ولايته قبل انتهائها رسمياً الأسبوع الأخير من أكتوبر الماضي ولفترة لم يحددها.وقد أدى ذلك إلى التعجيل بتولي " مارتن كوبلر " المبعوث الجديد إلى ليبيا مهمته بالفعل وبالتالي انتهاء دور برناردينو ليون الذي ثارت حوله الشبهات بشأن نزاهته. وبرغم تحذيرات العديد من الدول العربية والأوروبية والمنظمات الدولية من أن أي تأخير في إقرار الوثيقة قد يعرض استقرار ليبيا للخطر والفوضى والانفلات الأمني ، إلا أنها لم تتمكن من إحداث الضغط على مختلف الأطراف وحثها على الوصول إلى التوقيع بعد سلسلة جولات حوار عقدتها، طوال سنة ، ما بين جنيف والصخيرات والجزائر . وتجدر الإشارة إلى أن " كوبلر" قد اعرب عن إمكانية التوصل إلى اتفاق بين الأطراف الليبية في غضون الأسابيع القادمة لوجود أجواء إيجابية في ليبيا تسمح بتوجه أطراف الأزمة لقبول الاتفاق كإطار عام مع إمكانية إدخال بعض التعديلات على نص وثيقته النهائية للضرورة التوافقية . بالمقابل فإن حدة التحذيرات والقلق لم تتوقف ولم تبعد شبح الخوف من ضياع الآمال التي كانت تبشر مجددا بالتفاؤل نحو حل سياسي يتطلع إلى إعلان حكومة وحدة وطنية في ليبيا ترسخ لقيام دولة مؤسسات قادرة على إرساء الاستقرار ، والتفاعل مع الحشد الدولي لمكافحة الهجرة غير الشرعية ومحاربة الجماعات المتطرفة التي وجدت في الفوضى الليبية موطئ قدم لها، ومن بينها تنظيم (داعش) الذي يسيطر منذ أشهر على سرت (450 كلم غرب طرابلس ) ويسعى إلى التمدد في ظل الانسداد السياسي الحاصل . كما صاحبت خطابات للمبعوث الأممي ، الجديد ، الذي حل محل ليون، دعوات متواصلة من أجل تكثيف الجهود الرامية إلى إيجاد حل للازمة الليبية حتى ولو بصيغة أخرى لكن تحت إشراف الأممالمتحدة دائما ، وهي من العبارات التي استجدت كطرح في مسار المعالجة الليبية. و سجل وزير الخارجية الجزائري " رمطان لعمامرة " الذي استعمل عبارة "صيغة أخرى" دون تحديد مدلولاتها ، خلال محادثاته مع "فرنسوا هولاند" و " لوران فابيوس" تطابقا حول المسألة مصرا على استكمالها بعبارة أخرى " أن لا يكون هناك فراغ" ، ذلك أن الوضع في ليبيا سيما مع استمرار غياب اتفاق يعد أمرا خطيرا على الشعب الليبي وجيرانه مثل تونس ومصر والسودان وتشاد والنيجر والجزائر وعلى بعض الدول الأوروبية في الضفة الأخرى من المتوسط . وفي الوقت الذي سعى فيه وزراء خارجية الجزائر ومصر وإيطاليا ، مؤخرا ، لعقد اجتماع في إطار المشاورات التي تشرف عليها البلدان الثلاثة لدراسة الوضع في ليبيا والوسائل الكفيلة بالإسراع وإنجاح مسار الحوار الوطني تحت إشراف الأممالمتحدة من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية في إطار التسوية السياسية ، وتقييم انعكاسات عدم الاستقرار السياسي والأمني بليبيا على البلدان المجاورة والمنطقة بشكل عام ..كانت الحكومة الليبية المؤقتة، المعترف بها دوليا ، تؤكد أن القوات البحرية رصدت ثلاث قطع بحرية عسكرية تحمل العلم الإيطالي داخل المياه الإقليمية الليبية ، واستمرت في التوغل دون إذن أو تنسيق مسبق مع السلطات الليبية حتى وصلت قرابة شواطئ منطقة دريانة شرق بنغازي. بيان الحكومة الذي حمل السلطات الإيطالية مسؤولية دخول هذه القطع البحرية للمياه الإقليمية الليبية، داعيا إياها إلى احترام المعاهدات الموقعة بين البلدين ، لم يكن برأي متتبعين بعيدا عن مؤشرات الترتيب التنفيذي لعبارة " صيغة أخرى"، ومن حيث التزامن مع ما صرحت به المتحدثة باسم المفوضية العليا للسياسات الخارجية للاتحاد الأوروبي " ماجا كوسيانسيك " التي قالت إن المفاوضات والحوار يبقى الخيار الوحيد القابل للتطبيق لليبيين لتجاوز الصراع الحالي بغض النظر عن الوضع القانوني الحالي ، وأرفقت تصريحاتها بتحذيرات تتعلق باستعداد الاتحاد الأوروبي لتبني عقوبات بشكل مستقل على الأطراف التي تتعمد عرقلة الاتفاق السياسي ومواصلة الحوار والمفاوضات الجارية بوساطة الأممالمتحدة والرامية إلى تشكيل حكومة وفاق وطني . وكانت المفوضة العليا للسياسات الخارجية بالاتحاد الأوروبي " فردريكا موجريني" قد قدمت في تقرير وزع على الدول الأعضاء ال(28) في الاتحاد خطة أوروبية لتحقيق الاستقرار بليبيا في غضون 40 يوما حال إقرار حكومة وفاق وطني وبمشاركة وتعاون الليبيين أنفسهم ، ويتعين تقديم المساعدة العاجلة لتعزيز القدرات التقنية للحكومة الجديدة لجعلها تعمل بشكل فعال، موضحة أن الخطة الأوروبية ترتكز على ضرورة أن يرى الليبيون فوائد ملموسة من عودة السلام، والاستقرار في بلادهم في فترة الأشهر الستة الأولى من خلال دعم البلديات المحلية وتحسين الخدمات الصحية . وبحسب التقرير، فإن الخطة تسعى إلى تقديم برامج بقيمة 100 مليون يورو في الأيام المائة والثمانين الأولى لإعطاء دفعة إيجابية للبلاد من خلال تعزيز قدرات المؤسسات الليبية في مختلف القطاعات ، ودورات تدريبية لقوات الجيش والشرطة وأعضاء النيابة العامة وتطوير قطاعي التعليم والصحة. المسؤولة الأممية التي لم تتردد في وصف المسار في ليبيا بالمعقد ، تؤكد وفق التقرير أن الاتفاق لتشكيل حكومة الوفاق يوفر فرصا للتعاون الأمني مع ليبيا في مجالات أزمة الهجرة ومراقبة الحدود ومواجهة تهديد تنامي تنظيم " داعش" الإرهابي في مدينتي درنة وسرت ، والحل على حد قولها يجب أن يجده الليبيون أنفسهم وأن يكون ملائما بمشاركة جميع المناطق والتيارات السياسية باستثناء الجماعات الإرهابية. ويوجد مضمون تلك التصريحات وآلياته خارج التفاعل الأوروبي في توقيع عشرة أطراف أخرى ? بلدان عربية وأوروبية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ? على بيان يدعو الليبيين إلى قبول مشروع الاتفاق، وبالنسبة للجميع هناك شعور خطر كبير يتهدد المنطقة وأمن المتوسط في حالة غيابه، و أن جميع المطالب مهما كانت مشروعة لا يمكن تحقيقها في فترة تتميز بالتوتر وغياب الدولة ، وهي الظروف التي يستغلها الإرهاب و الجريمة المنظمة من اجل التمكن أكثر على حساب استقرار ليبيا و جيرانها والمجتمع الدولي .
الحل السياسي المطروح على الليبيين مازال يتيح فرصة التقاء أبناء ليبيا لمواجهة الانقسام والتمزق وبناء المستقبل ، شريطة إبعاد أحاسيس الأنانية والشكوك والخيبات التي يجب أن تترك مكانها لشعور الوطنية وبقوة ، وإن إنقاذ ليبيا هي البوصلة التي يجب أن تقود جميع الأطراف عبر البحث عن حل سياسي للأزمة ولا مجال للاحتكام إلى القوة ؛ و تشكيل حكومة وحدة وطنية، وتمكينها من صلاحيات واسعة لتسيير مرحلة انتقالية، وتتكفل بمحاربة الإرهاب ؛ و أن يكون الحوار بين الليبيين شاملا لا يقصي أحدا، ما عدا الجماعات المتطرفة المصنفة في قائمة المنظمات الإرهابية، من طرف الاممالمتحدة و دعم مساعيها في البحث عن حل سياسي . . فهل يمكن رؤية اتفاق الليبيين يتجدد لاستدراك التاريخ الضائع منذ أكثر من أربع سنوات و نصف عقب سقوط نظام معمر القذافي؟ .. وهل ستصل إرادة الوسيط الأممي الجديد الذي حل محل ليون في مهمته ، والمدعومة من عديد الإرادات الحسنة في المنطقة والعالم إلى تجديد إقناع الأطراف الليبية وتقريب وجهات النظر خاصة وأن الطابع السياسي للازمة التي تعاني منها الدولة الليبية يشكل إشارة ايجابية للمشكلة ويمكن تجاوزها عكس الأزمتين العراقية و السورية الذين تغذيهما النزاعات العرقية و المذهبية بشكل معقد وخطير؟ ..وهل يقتنع الليبيون أن هذه الخطة بدون شك ليست مثالية إلا أنها وسيلة لجمعهم معا ؟ وعليهم أنفسهم إيجاد حل وتسوية سياسية تسمح لبلدهم بتخطي هذه المرحلة الصعبة ويكون الاتفاق الموقع بمثابة المنطلق نحو التصحيح وإعادة البناء الشامل لليبيا. [email protected]