هم أطفال في عمر الزهور رمت بهم ظروف الحياة القاسية الى عالم غير عالمهم البريئ، فأصبح الشارع ملاذهم وملجأهم المغيث ليلتقطهم في لحظة ضياع ويحولهم الى متسولين ومتشردين وفي مرات عديدة نشالين ومجرمين يتعاطون مختلف أنواع السموم والممنوعات بعد أن فقدوا الحضن الدافئ والعيش الكريم، "صوت الأحرار" بحثت في أسباب الظاهرة ورصدت واقع بعض العينات التي روت بكل أسى بعضا من يومياتها في هذا الزمن الذي لايرحم والذي أفقدهم أعز مايملكون "البراءة" كثيرة هي الظواهر السلبية التي تفشت في مجتمعنا من بينها التشرد والتسول أبطالها أطفال في عمر الزهور قصفت بهم قساوة الحياة فاختنقت طفولتهم في لحظة ضياع وماتت على أرصفة الشوارع التي يذرعونها للحصول على ما يسد رمقهم لترمي بهم ظروف الحياة نحو عالم مجهول غير عالمهم الصغير ليلتقطهم الشارع بعد ذلك والذي لم يرحم براءتهم وحولهم إلى ما يطلق عليهم ب"أطفال الشارع" أطفال لا يتجاوزون السادسة عشر من العمر جمعهم الشارع بعد أن فرقتهم ظروف الحياة جراء معاناتهم النفسية والاجتماعية من أسر تفككت أو تصّدعت نتيجة مشاكل متعددة أو حالات اجتماعية أخرى كالفقر الشديد أو طلاق الوالدين أو قسوة العمل المدفوعين إليه من خلال الأسرة ،يواجهون جملة ضغوط نفسية وجسدية واجتماعية لم يستطيعون التكيف معها فأصبح الشارع مسيرة لهم ليحولهم بذلك إلى أطفال فاقدين لأمل العيش الكريم لا يدرسون كأقرانهم من الأطفال لا يملكون مستوى تعليمي، يعيشون على صدقات الأخرين، يقتاتون من المزابل، يبيتون في العراء، وفي أقبية العمارات وأرصفة الطرقات، يقومون بسلوكات وممارسات غير أخلاقية، لا هّم لهم سوى الهروب من الواقع المرير الذي تكبدوه في الوسط العائلي ليكون الشارع لهم الملجأ الوحيد حيث أن لكل واحد منهم قصة تدمع لها الجفون. أمين ذو الأربعة عشر ربيعا واحد من بين هؤلاء رمى به التفكك الأسري الذي حدث في العلاقة التي تجمع والديه والتي انتهت بالطلاق وقصفته الى الشارع، فبعد أن كان نجيبا في دراسته ويحلم بأن يصبح طبيبا لصالح المجتمع وجد نفسه متشردا يجوب الشوارع والأحياء باحثا عن طعم الحياة الذي فقده وسط أسرته بعد أن ترك مقاعد الدراسة أصبح كعابر السبيل يمد يديه إلى جيوب الآخرين ليأكل حتى يعيش يتسكع ويتسول بين هذا وذاك، وبعد أن تعرف على صحبة سيئة من أقرانه أصبح يتعاطى كل أنواع المخدرات والسموم فحين تراه تدرك أنه طفل لا ينتمي لعالم الطّفولة بشيء سوى بحجمه وجسمه الهزيل حتى شكله بات أشبه بعجوز قد أكل الدهر عليه ما أكل وشرب من عروقه حتى ارتوى، قال لنا وفي عينه ألف دمعة تتحدث عن معاناته" طلاق والدي وإعادة كل طرف منهم الزواج أثر على نفسيتي ولم أجد الدفئ العائلي والمرافقة فاحتضنني الشارع دون أن أشعر وحياتي أصبحت جحيم أتعاطى المخدرات وأقوم بسلوكات مشينة لا أبالي بأي كان لأن مستقبلي ضاع .....والكثير من الناس ينظر إلي بعين الرأفة والكثير منهم من يحتقرني وأنا راض بما كتبه الله لي......" ليختم أمين كلامه معنا بعبارة "ربي يسامح والديا ضيعوني".... وبعد حديثنا مع أمين انتقلنا الى ساحة ديدوش مراد حيث يتواجد الطفل زينو البالغ من العمر 16 سنة يعرفه جميع أصحاب الحي يتواجد في المكان ذاته منذ قرابة العامين يلبس ثيابا بالية والابتسامة لا تفارق وجهه يتحدث وكأنه شاب في الثلاثين من العمر لقنه الشارع دروسا في الحياة اقتربنا منه سألناه عن حاله قال وهو يتحير عن مستقبله المجهول" هذه هي حياتي لا ملجأ لامأوى، أمي متوفية وأبي أعاد الزواج ولا يكترث لأمري أحد لا من قريب ولا من بعيد، خرجت من المدرسة في سن مبكرة احتضنني الشارع أطلب الصدقة من المارة، أدخل إلى المطاعم وأطلب الأكل، أعيش على صدقات الآخرين وأبحث عن لقمة العيش في أي مكان لا يهمني الأمر، وفي الليل أذهب عند الأقارب منهم من يرحب بي لأنام عنده ومنهم من يرفضني وكثيرا ما أبيت في العمارات والشوارع ومحطات الحافلات". زينو ليس الأول ولن يكون الأخير من ضحايا أطفال الشوارع ولكنه بمثابة نموذج مصغر من ضحايا الإهمال وعدم اهتمام السلطات بقضيته التي قد تتحول إلى قنبلة موقوتة تهدد امن الشارع والمجتمع. فهي حالات كثيرة ينده لها الجبين ولم تسلم منها حتى الفتيات اللائي احتضنهن الشارع دون سابق انذار ففقدن طفولتهن وأنوثتهن ليكون مصير أحلام واحد من بينهن »أحلام« التي غدر بها الدهر رغم صغر سنها »15 سنة« بعد أن دخلت في علاقة غير شرعية مع احد الجيران وفي لحظة طيش فقدت أعز ما تملك "شرفها" لتحمل بين أحشائها جنينا لم تستطع إخفاءه، حيث أنها لم تستطع مواجهة عائلتها المحافظة، لتأخذ وجهة مجهولة بعيدا عن منزلها.. فبعد قرابة العام من هروبها من بتها العائلي وتخليها عن رضيعها لأحدى العائلات اتخذت من أزقة شوارع العاصمة ملجأ لها فأصبحت فريسة للذئاب البشرية تنهشها أينما حلّت. وذكر مراهق آخر انه يعمل بموقف السيارات، الواقع بمحاذاة سوق 08 ماي 1945 ببلدية عين البنيان، منذ حوالي 7 سنوات بعد أن توقف عن الدراسة وهو في قسم الثانية متوسط ليجد نفسه يمتهن مهنة حارس بموقف السيارات ليعيل عائلته خاصة وانه الطفل الوحيد في عائلته رفقة أخوه الصغير وأمه طريحة الفراش ، كما أن أبوه لا يستطيع أن يتكفل بمتطلبات عائلته، مضيفا انه يعمل رفقة صديق له وقال أنه يعمل في الفترة الصباحية بدءا من الساعة التاسعة صباحا حتى السادسة مساءا ،ولم يخف المتحدث أن ظروفه الاجتماعية المزرية هي التي دفعته إلى العمل وبأنه ان كان في وضعية أحسن مما عليه الآن لما عمل كحارس في الموقف وان وجد عملا أحسن من هذا سيترك العمل الذي يمتهنه حاليا. الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل أطفال الشارع قنبلة موقوتة تهدد أمن الشارع والمجتمع أكد رئيس الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الانسان "ندى" أن الشارع أصبح العنوان الاجتماعي للأطفال المشردين والمتسولين، ودعا بضرورة التدخل العاجل لإنقاذ الطفولة الضائعة التي يحتويها الشارع منددا بذلك بعدم اهتمام المسئولين بهذه الشريحة التي قد تتحول إلى قنبلة موقوتة تهدد امن الشارع والمجتمع عامة. أوضح عرعار أن حياة الأطفال في الشوارع تؤدي بهم الى الانحراف وهم في وضعيات جد مزرية حيث يتعرضون للعنف والجريمة بصفة مستمرة ويتم استغلالهم في الاتجار بالمخدرات، السرقة، والانتهاكات الجنسية، الاعتداء على ممتلكات الغير، انتهاك الحرمات، والتسّكع في الطرقات العامة والتسول وهم فئة ليس لديهم هوية ويعيشون في الشارع مما ينذر بالخطر على المجتمع فهم يزدادون انغماسا يوما بعد الأخر في الانحراف وبالتالي ارتفاع مستوى الجريمة لديهم مما ينبأ عن ضحايا جدد في وسطنا، حيث نجد نسبة كبيرة من هؤلاء يتعرضون للعنف الجسدي والنفسي بصفة يومية خاصة ما اذا وجدنا حالات يعيشون رفقة أمهاتهم من العازبات أو المطلقات بين أروقة الشارع فالأم في الشارع تبحث عن لقمة العيش والأب موجود في السجن مما يزيد من معاناتهم الاجتماعية ويولد منهم مجرمين ومنحرفين. وفي ذات السياق أكد عرعار أن الجزائر ليست في المستوى المطلوب من ناحية التكفل بهذه الشريحة من الأطفال حيث لا توجد مراكز كافية للتكفل بهم وإخراجهم من دائرة الخطر فالمراكز الموجودة تنحصر مهمتها في المأكل والمأوى، أما التكفل النفسي والاجتماعي والطبي والتربوي لهذه الشريحة هو غائب تماما عن الواقع من أجل إعادة إدماجهم في الحياة العادية والمهنية وإعادة بناء شخصيتهم وعلاقاتهم الاجتماعية من جديد، وهنالك بعض المبادرات من الجمعيات الخيرية التي تقدم الدعم لهم ولكنها تبقى موسمية تمنح الأكل والأغطية في الشتاء وتقوم بإفطارهم في شهر رمضان أي في المناسبات فقط.....ليبقى السؤال المطروح الى متى يبقون على هذا الحال. كما أشار من جهة أخرى الى الاجراءات الادارية والقضائية التي تمارسها السلطات والتي تأمر بإخراج الأسر الى الشارع رفقة أطفالها مما يساهم في تفاقم الوضع وتفشي الجريمة لذا لابد من التفكير في القضية لأنها تمس بالأطفال فهو قرار قضائي لديه بعد اجتماعي ينعكس بالسلب على الطفل وهذا ما نشاهده الآن على قنوات التلفزيون وشبكات التواصل الاجتماعي عائلات مهددة بالطرد وأخرى تتواجد في دور الشباب وفي أقبية العمارات وهنا ينبغي معالجة الواقع أولا لأن الطفل يوجد في الشارع وهو في خطر حتمي. ونطالب كشبكة وطنية للدفاع عن حقوق الانسان من تفعيل قانون حماية الطفل الذي تم اصداره في 15 جويلية 2015 وتطبيقه على أرض الواقع لأنه ينص على حلول ايجابية لخدمة الطفل، ونحن نعمل في الجانب الوقائي لأن التكفل التام والكلي بالطفل الضرير يتطلب امكانيات مادية وبشرية ومجهودات حثيثة فالطفل في الشارع منحرف أخلاقيا يعاني نفسيا وكثيرا ما تكون شخصيته محطمة وصحته متدهورة لذا لابد من توفير الامكانيات اللازمة لاحتواء الظاهرة والتقليل منها. الأخصائي لخضر شتوي أطفال الشوارع ضحية أسرة ومجتمع لايرحم أوضح المختص الاجتماعي لخضر شتوي أن الظواهر السلبية داخل المجتمع موجودة منذ القدم غير أن تفشيها وانتشارها يختلف من منطقة الى أخرى، وترتبط أكثر ظاهرة »أطفال الشوارع« بمتغير الفقر والبيئة الجغرافية لأي بلد كان، وهي قضية مجتمع ككل ومعالجتها تستلزم استئصال الأسباب المؤدية لها والتي تبدأ بالوقاية والمتابعة وصولا إلى إعادة الإدماج والتأهيل. تحدث لخضر شتوي ل"صوت الأحرار" عن أطفال الشارع واعتبرهم أطفال محرومين من حقوقهم المعنوية والمادية والاجتماعية التي تكفلها الأسرة داخل البيت ومؤسسات الدولة في الخارج، مشيرا الى أنهم أطفال كغيرهم من أقرانهم قلبت الظروف المعيشية موازين حياتهم لتجعل منهم أطفال يستقرون في الشارع ويتخذون منه الملجأ الوحيد لمعاناتهم الاجتماعية....نتيجة أسباب متعددة عاشتها بلادنا في فترات مختلفة ولازالت تعيشها حيث نجد من بينها الظروف الأمنية التي مرت بها الجزائر في العشرية السوداء والتي شردت أكثر من ألف طفل، وكذا الوضع الاقتصادي وانخفاض القدرة الشرائية التي لا تخدم المواطن البسيط مما ساهم في تفاقم الظاهرة إلى جانب التفكك الأسري وطلاق الوالدين والذي يعتبر من أهم العوامل الرئيسية المتسببة في ضياع الطفل وكذا التسرب المدرسي وعمالة الأطفال والقسوة والعنف والفقر وغيرها من العوامل التي جعلت منهم أطفال شارع بامتياز، لذا لابد من تضافر الجهود من طرف أفراد المجتمع وهياكل الدولة لإنقاذ هذه الطفولة الضائعة من الشارع لأنهم أطفال مهمشون ويحتاجون إلى عناية ورعاية خاصة باعتبار أن طفل اليوم هو رجل الغد، لذا ينبغي التكفل بهذه الشريحة من الأطفال وكذا الاهتمام والمتابعة النفسية والاجتماعية من خلال بناء مراكز إيواء وأن لا تقتصر مهمتها على المبيت والأكل فقط بل أن تتوفر على مناهج تربوية وتعليمية وتكوينية حتى يتم بناء شخصية الطفل من جديد وتوعيته من خلال التكوين والتثقيف وإدماجه في الحياة الاجتماعية حتى يكون فردا صالحا لخدمة المجتمع. والجزائر إذا أرادت أن تعطي حلولا لظاهرة أطفال الشارع يجب أن تلقى حلولا للمصادر المسببة في ضياع الطفل، والسعي للتقليل من العوامل التي تدفع بهم للجوء إلى الشارع، وفي هذا الإطار أكد محدثنا على ضرورة رفع المستوى المعيشي للأسر وتفعيل أهمية التكوين المهني وكحلول مستعجلة قال شتوي ينبغي بناء مراكز إيواء وفق معايير عالمية. الاخصائية زهرة فاسي لابد من توفير مراكز إيواء للحد من المعاناة قالت المختصة الاجتماعية زهرة فاسي أن ظاهرة أطفال الشوارع موجودة في كل مكان وزمان وهي ظاهرة كانت ولازالت موجودة منذ القدم، تتدخل فيها عدة عوامل منها العوامل البشرية كالأسرة والمجتمع ومنها العوامل الطبيعية كالزلازل والفيضانات. وأشارت في حديثها ل"صوت الأحرار" أن لجوء الطفل الى الشارع واتخاذه مكانا للعيش والانحراف لا يتحمله الوسط العائلي وحده حيث هنالك أطفال متمردين ومنحرفين اراديا يقومون بأفعال اجرامية وسط العائلة مثل السرقة من المنزل والتعدي على الأصول بالضرب والشتم وهذه القضايا تعالجها المحاكم بصفة مستمرة وهذا ما يسمى بالفعل الارادي ولا دخل فيه للأسرة أو الظروف المعيشية، وهنالك نوع أخر من الأطفال تشردوا بصفة قهرية أي من خلال الحوادث الطبيعية كالزلازل والفياضانات والحروب وحوادث أخرى عرفتها البلاد كزلزال بومرداس مثلا وفياضانات باب الواد أين فقد أكثر من ألف طفل عائلاتهم جراء هذه الظروف وذهبوا الى الشارع ليحتضنهم بصفة لاإرادية نتيجة نقص مراكز الايواء للتكفل بهؤلاء الضحايا. وأكدت "فاسي" في معرض حديثها عن أهمية مراكز الايواء ودور التكفل بهؤلاء الأطفال لإخراجهم من العزلة وإدماجهم في المجتمع لأنهم جزائريون في النهاية يعانون من فراغ عاطفي رهيب ولديهم نزعة كبيرة لحب اثبات الذات وكذا الخوف من المجتمع.....، منددة بذلك بقلة المراكز الخاصة للتكفل بهم وكذا الاكتظاظ الرهيب الذي تعاني منه دار الأيتام بالمحمدية بالعاصمة ودار الطفولة المسعفة بدرارية، تضيف محدثتنا لذا لابد من استحداث دور للتكفل تتوفر على مربيين مختصيين في علم النفس الاكلنيكي والعيادي لإخراج هؤلاء البراءة من العزلة وإدماجهم في المجتمع بصفة عادية. رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان فاروق قسنطيني ينبغي تطبيق القانون الخاص بحماية الأطفال قال فاروق قسنطيني أن الأطفال الموجودين في الشارع يمكن أن يكونوا فيه بصفة ارادية أو مدفوعين له من طرف الأهل وهي تصرفات غير مقبولة من الناحية الشرعية وحتى القانونية، معتبرا أن هذا الأمر جد مؤسف مشيرا الى أن القانون الخاص بحماية الأطفال واضح وينص بمعاقبة كل من يستغل الطفل في عمل غير شرعي أو لأغراض معينة والتطبيق الخاص بهذا القانون للأسف غير موجود على أرض الواقع ونطالب بتطبيق القانون لأنه يساهم في التقليل من الظاهرة.