بمناسبة مرور الذكرى العاشرة على وفاة شاعر الحرية نزار قباني الذي غادرنا فجأة سنة 1998، رحت أقلب صحفنا اليومية لعلي أجد بين دفاتها مقالة أو دراسة لأحد مثقفينا كعربون وفاء واحترام لهذا الشاعر العظيم الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، مثله مثل المتنبي وشوقي في زمانه، ولكنني لم أفلح في ذلك وكأن هذا التقليد وهذه السنة عادت وللأسف من سيئات أعمالنا ولهذا آثرنا الإقلاع عنها في مثل هكذا مناسبات وبذلك نكون بحق قد ظلمنا شاعرنا العظيم مرتين، المرة الأولى حينما أسأنا فهم شعره نحو المرأة والمرة الثانية حينما تنكرنا له وهو ميت في الوقت الذي ما بخل علينا بأشعاره التي طربنا لها وبالخصوص لما غناها المرحوم عبد الحليم حافظ في رائعتيه "رسالة من تحت الماء" و"قارئة الفنجان" واللتان لحنهما المرحوم محمد الموجي، إلى جانب رائعته" أيظن" التي غنتها نجاة الصغيرة ومحمد عبد الوهاب عزفا على العود. فهذا الارتباط الذي تميز به شعر نزار بالغناء مرده أن نزار نفسه كان مولعا بالموسيقى ولهذا قال "كلمات شعري تأتيني مثل حداء الإبل بحيث أبدء مغنيا ثم تأتي الكلمات فيما بعد"، فالشعر كما أخبرنا عن نفسه هو الذي يأتيه ويقصده ويطلبه وليس العكس، ومع ذلك ورغم رحلة العمر الطويلة مع الشعر يتأسف نزار في تساؤل مرير قبيل وفاته بأشهر قليلة بالقول "الجيل الجديد لا يتواصل مع الشعر الحر، إذن لمن هو هذا الشعر؟ هذا هو السؤال"، و أنا بدوري أتساءل أين دعاة وعشاق الشعر الحر من ذكرى نزار قباني الذي خلف لنا خمسين ديوان شعر والعديد من الكتابات النثرية التي لم يلتفت لها النقاد رغم أهميتها؟ ولد شاعرنا بتاريخ 21 مارس 1923 بدمشق من أسرة عريقة، وصدر له أول ديوان شعر سنة 1944 بعنوان "قالت لي السمراء"، وبعدها عين بسفارة سوريا بالقاهرة سنة 1945 التي كانت بالنسبة إليه فردوسه الذي حرره من جاذبية الأرض ويعني التحرر من التقاليد والأعراف التي كانت تحاصره في سوريا، ولهذا و لم يمر عليه المقام بالقاهرة سوى ثلاث سنوات حتى صدر له ديوانه الثاني الشهير "طفولة نهد" سنة 1948 الذي يشكل بالنسبة إليه مفترق الطرق في مسيرته الشعرية من حيث اللغة والصياغة والصور والألوان الشعرية، وبالتالي تعيينه بالقاهرة يعتبر نعمة ساقها الله إليه مكنته من الالتقاء بعمالقة ذلك العصر من مثل طه حسين والعقاد وعلي محمود طه والزيات وغيرهم كثير. رغم دراسته القانونية في الحقوق التي تخرج منها محاميا من كلية دمشق إلا أن شاعرنا كما صرح لم يستخدم هذه المهنة في الدفاع عن شيء سوى عن الإنسان من أجل قضي الحرية "كانت ألف امرأة في تاريخي إلا أنني لم أتزوج إلا الحرية" ومع ذلك ارتبط اسمه واختزل في الدفاع عن المرأة دون ذكر للقضايا الأخرى، ولكن نزار لا يتهرب من المسؤولية ويقول أنه يتحمل مسئولية ذلك لأنه نقل سريره من الغرفة إلى الشارع إلى درجة أنه لما تزوج تلقى الآلاف من الرسائل من النساء يشتمنه على هذه الخطوة اعتقادا منهن أنه ملك لكل امرأة في هذا العالم، وهذا خطأ لأن نزار رغم ثورته الشعرية في المرأة إلا أنه لم يمر سوى بخمس تجارب حب معها، هذه المرأة التي لا يغريه فيها جسدها كما يظن الكثير وإنما ذكاؤها الذي يطرح الأسئلة المتلاحقة التي لا تنتهي، فنزار في مراحل النضج والرجولة لم يعد ذلك الذي كتب "طفولة نهد" في العشرينات من عمره، فلكل مرحلة مقتضياتها، فتعامله مع المرأة فيما بعد كان قد أخذ شكلا من الحوار الثقافي ومع ذلك يقول متحسرا "لقد حملت المرأة خمسين عاما على أكتافي، من أجلها ومن أجل قضيتها ولكن في عز المعركة تركتني وذهبت إلى الكوافير"، ترى لو امتد بنزار العمر إلى اليوم ماذا يقول عن "موضة الكليبات" التي جعلت من جسد المرأة مقدما على كل إبداع. "قصائدي تخرج من بين أصابعي ساخنة مثل رغيف الخبز"، هذا مقطع من إحدى قصائد نزار يظهر لنا فيها مدا اعتزازه بشاعريته التي صنعها لنفسه ولا يعترف بفضل أحد بل ويتهجم على النقاد بالقول أنهم لم يضيفوا له شيئا ولم يعطوه الخريطة التي يستدل بها على طريقه في الشعر بل لو استمع للنقاد ولنصائحهم لما كان نزار قباني الصدامي الذي يشعل الحرائق بشعره في الحب والسياسة، هذه الأخيرة التي أخذت منه أعز حبيب وهي زوجته بلقيس التي اغتيلت أثناء تفجير السفارة العراقية ببيرو يوم 15 ديسمبر 1981، وقد رثاها بقصيدته الخالدة "بلقيس" والتي جاء فيه: فحبيبتي قتلت و صار بوسعك أن تشربوا كأسا على قبر الشهيدة وقصيدتي اغتيلت... وهل من أمة في الأرض.. إلا نحن- تغتال القصيدة؟ عدة فلاحي برلماني سابق [email protected]