يذهب إلى باريس يوم 13 جويلية أو لا يذهب؟ هذا هو السؤال الذي يطرح في الجزائر وباريس حول موقف الرئيس بوتفليقة من مشروع الاتحاد من أجل المتوسط، والإجابة على هذا السؤال غير متوفرة إلى حد الآن، وتصريحات رئيس الحكومة عبد العزيز بلخادم التي نشرتها جريدة "لوموند" في عدد أمس لا تعطي ردا واضحا لكنها تؤكد أن بوتفليقة مصر هذه المرة على جعل رحلته إلى باريس مثيرة وربما مثمرة أيضا بلخادم لم يستبعد حضور بوتفليقة في القمة الأورومتوسطية التي من المنتظر أن تشهد الإعلان الرسمي عن ميلاد الاتحاد من أجل المتوسط، وقال "ليس مستبعدا أن يأتي الرئيس بوتفليقة إلى باريس للمشاركة في القمة. عودنا على أن يكون حاضرا كلما وجب أن تمثل الجزائر على أعلى مستوى". وهذا الكلام ليس إعلانا رسميا بالمشاركة، فالقمة لها هدف واحد هو إعلان قيام الاتحاد من أجل المتوسط والموقف الجزائري من المشروع لم يتخذ بصفة نهائية ولذلك أضاف بلخادم "الجزائر تؤيد كل مبادرة تساهم في تقريب ضفتي المتوسط. لكن المبادرة التي عرضها علينا الرئيس ساركوزي ليست المبادرة التي تعرض علينا اليوم". ويفصل أكثر "في البداية كان الأمر يخص الدول المطلة على المتوسط والهدف منه بناء اتحاد يشبه الاتحاد الأوروبي بمشاريع وهندسة متغيرة. لكنه اليوم اتحاد من أجل المتوسط وليس اتحاد متوسطي وما زال فحواه غامضا".، وربما استدعى هذا الموقف من الناحية النظرية أن تكون الجزائر غائبة عن قمة باريس لأن الذين سيحضرون إنما يعلنون انضمامهم رسميا للمشروع. باريس هي الأخرى واثقة من حضور بوتفليقة وقد قال سفيرها المكلف بمشروع الاتحاد من أجل المتوسط آلان لوروا بأن الجزائر ستكون ممثلة على أعلى مستوى وهذا يعني حضور بوتفليقة، وقد قدم لوروا، الذي أدلى بهذه التصريحات على هامش اجتماع الخبراء المكلفين بإعداد مشاريع الاتحاد في برشلونة قبل ثلاثة أيام، ردا صريحا يدحض كل ما قيل عن الاعتراضات الجزائرية على المشروع عندما قال ''سأتحدث معكم بصراحة، الجزائر تشجع بقية الدول المغاربية على الانضمام للمبادرة، وخلال اجتماع طرابلس جميع الأصداء التي وصلتنا عن تفاصيله تؤكد بأنه باستثناء العقيد القذافي، كل الرؤساء أكدوا انتماءهم للمبادرة بما فيهم الرئيس الجزائري بل كان موقفه جد إيجابي''، وهذا الاتجاه وجد تأكيدا في الموقف الرسمي للحكومة الجزائرية الذي عبر عنه وزير الاتصال عبد الرشيد بوكرزازة قبل يومين عندما قال "الجزائر لن تدير ظهرها للاتحاد من أجل المتوسط"، فأمر المشاركة محسوم والسؤال يطرح حول حضور الرئيس من عدمه، وربما حرص ساركوزي على حضور بوتفليقة باعتبار أن ذلك يعتبر إعلانا قويا بانخراط الجزائر في الاتحاد وإسقاط كل التحفظات التي جرى الحديث عنها. الحديث عن مشاركة بوتفليقة يأتي عشية زيارة رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون إلى الجزائر السبت القادم ومن المنتظر أن تشهد توقيع اتفاق إطار للتعاون النووي بين البلدين، وقبل أن يأتي فيون كان ثلاثة وزراء فرنسيين قد زاروا الجزائر خلال أقل من شهر كان آخرهم جان لوي بورلو وزير الدولة لشؤون البيئة والطاقة والتنمية المستدامة وإدارة الإقليم جان لوي بورلو وتم الإعلان خلال زيارته عن توصل الجزائروفرنسا إلى هذا الاتفاق، ويعيد هذا التطور إلى الأذهان تصريحات سابقة أطلقها وزير الطاقة والمناجم شكيب خليل قبيل مجيء ساركوزي إلى الإليزي وقال فيها إن فرنسا تماطل في الاستجابة لطلب جزائري لإقامة تعاون نووي مدني، وقد ثار جدل حول هذه القضية انتهى بإعلان ساركوزي دعمه لإقامة تعاون نووي مع الجزائر، وبحسب مسؤول كبير في الرئاسة الفرنسية فإن الاتفاق الذي سيتم توقيعه مع الجزائر سيكون الأول من نوعه مع بلد عربي وإسلامي وأنه " يشكل وحدة كاملة لإنتاج الطاقة النووية"، ويعتبر التذمر الذي أعلنته الجزائر من مماطلة الفرنسيين إشارة مبكرة على الرغبة في تغيير قواعد التعامل مع فرنسا، وطرحت بجدية فكرة البحث عن بدائل أخرى من خلال دراسة إمكانيات التعاون مع الولاياتالمتحدة والصين. ليس التعاون في مجال الطاقة النووية هو المجال الوحيد الذي تطالب به الجزائر، فقد أشار بلخادم في حديثه لجريدة "لوموند" إلى ما ترجوه الجزائر بالقول " إذا أردنا التوصل إلى شراكة استثنائية فيجب علينا إثراء فحواها. إننا نرغب بالخصوص في مزيد من الاستثمارات الفرنسية في الجزائر ومزيد من المساعدة التقنية والليونة في تنقل الأشخاص" دون أن ينسى أن يمهد لهذه المطالب بحكم واضح على مستوى العلاقات بين البلدين والتي وصفها بأنها " أصلا جيدة"، ولا بد من الاعتراف بأن العلاقات كانت دائما جيدة مع فرنسا حتى عندما كانت وسائل الإعلام تنشر التصريحات المتشنجة التي قد يعتبرها البعض من مظاهر التوتر، ففرنسا احتفظت في كل الأحوال بمكانة متميزة في الجزائر وتعززت مصالحها بشكل واضح في عهد الرئيس بوتفليقة الذي اختار أن يقترب أكثر من باريس سياسيا واقتصاديا وثقافيا لعله يزيد من قدرته على التأثير على السياسة الفرنسية تجاه الجزائر والمنطقة عموما، ولأن محاولة التأثير في تصور بوتفليقة لا تنسجم مع خيار الخلخلة العنيفة لهذه العلاقات فإن عدم المشاركة في قمة باريس سيكون قرارا غير منسجم مع التوجه العام الذي طبع تعامله مع فرنسا منذ مجيئه إلى الحكم قبل تسعة أعوام. القضايا التي قيل أنها تثير بعض التحفظات هي قضايا سياسية، فقد جرى الحديث عن رفض الجزائر تحول الاتحاد إلى إطار للتطبيع مع إسرائيل وهو تحفظ أكده بلخادم في حوار "لوموند" صراحة بقوله "الاتحاد يجب ألا يكون غطاء للتطبيع مع إسرائيل" لكن هذه المسألة تبدو هامشية وقد نبه آلان لوروا إلى أن الدول المعنية بالاتحاد جلسة في طاولة واحدة إلى جانب الإسرائيليين طيلة 13 عاما هي عمر مسار برشلونة الذي تقاسم العرب العضوية فيه مع إسرائيل، أما المسألة الأخرى فهي الموقف الفرنسي من قضية الصحراء الغربية وهي مسألة مستبعدة تماما وقد كان رد بلخادم على سؤال بشأنها عاما وبما يوحي أن الجزائر لا تنوي بناء موقفها من مشروع ساركوزي على ضوء موقف هذا الأخير من قضية الصحراء الغربية.. القناعة التي تتقاسمها دول جنوب المتوسط إذن هي أن القطار انطلق وقضي الأمر وأن من لا يركب في أول محطة قد لا تتاح له فرصة الركوب أبدا، ولعل هذا ما جعل القذافي، وهو المعارض الوحيد باعتراف الفرنسيين، يهاجم الجميع في خطاب ألقاه أمام قمة تجمع دول الساحل والصحراء، وبقي أن ننتظر أي مزايا سيجلبها هذا المشروع الذي قال الجميع قبل أيام فقط إنه غامض ومشبوه.