الأرقام المخيفة التي كشف عنها لوسائل الإعلام، عبد الملك سايح، المدير العام للديوان الوطني لمكافحة المخدرات وإدمانها حول استهلاك المخدرات في الجزائر، تدفع إلى دق ناقوس الخطر، وتتطلب قراءة متأنية وتحليل معمق لمعرفة أسباب التوسع المريع للظاهرة في بلد، كان إلى وقت قريب يعتبر فقط كبلد عبور، لهذا السموم. سايح تحدث عن 30 ألف مدمن خلال العشرية الأخيرة وعن 4900 مروج للمخدرات وعن حجز 23 طنا من المخدرات منذ الفاتح جانفي الفارط، وأن الجزائر قد دخلت فعلا »نادي« الدول الأكثر استهلاكا للمخدرات، خاصة منها القنب الهندي، رغم انخفاض استهلاك الأقراص المهلوسة، ودعا إلى وضع إستراتيجية صارمة لتجفيف منابع الترويج للمخدرات، خاصة بعدما أضحت هذه السموم تباع بأسعار منخفضة مما سهل وصولها إلى الشرائح الاجتماعية البسيطة. ولن نبالغ إذا قلنا بأن الجزائر قد أضحت فعلا أمام هوة سحيقة، وان الأخطار الآتية من المخدرات ربما توازي أو تتجاوز تلك التي تصنعها الجبهة الأمنية في شقيها المتعلق بالإرهاب أو الجريمة بصفة اشمل، ووصولنا إلى هذا المستوى الخطير له أسبابه، فهناك أسباب لها علاقة ببعض دول الجوار وعلى رأسهم الجار الغربي الذي يفضل ترك الحدود مشرعة ولا يبذل الكثير من أجل كبح جماح المهربين، وهناك سبب آخر له علاقة بالوضع الاجتماعي المتردي وتزايد مظاهر الجنوح والجريمة والآفات الاجتماعية المختلفة التي تجد في البطالة والتهميش وما إلى ذلك من أصناف العوز الاجتماعي أرضية مواتية. لقد تحدث سايح عن مشروع إنجاز 15 مركزا متخصصا في نزع السموم، و53 آخر للتكفل بالمدمنين، فضلا عن 185 خلية استماع وتوجيه، وتحقيق هذا الهدف قد يسمح بمحاصرة الظاهرة داخليا، وبطبيعة الحال فإن ما قصده هو أن هذه المراكز التي تأخر إنجازها هي من الوسائل العصرية التي يتم اللجوء إليها في أكثر الدول تقدما، وهي من الأدوات الناجعة التي تمكن من متابعة الشرائح المدمنة وإعادة إدماجها، ومن ثمة الحد من ظاهرة الإدمان وتقليص رقعتها داخل المجتمع، لكن ما لم يقله سايح هو أن المعالجة البعدية ورغم أهميتها تبقى غير كافية للقضاء على ظاهرة الإدمان التي ترتبط عضويا بالوضع الاجتماعي والاقتصادي، وحتى الأمني و بالإرادة السياسية لدى صناع القرار في البلاد، ناهيك عن العوامل الأخرى التي تسمح بمعالجة ظاهرة الإدمان في المصدر وقبل أن تدخل المجتمع. إن مهمة مكافحة المخدرات هي مهمة مجتمع ودولة، وقد تقوم أجهزة الأمن بدور احترافي في مكافحة المروجين وتجار السموم القاتلة، وقد تؤدي العدالة دورها على أتم وجه، لكن هذا لن يكون كافيا إلا إذا تمت معالجة الأسباب التي تدفع بالشباب، لما نتحدث طبعا عن المخدرات غير الصلبة كالحشيش،إلى تعاطي المخدرات، والمقصود هنا معالجة البطالة والتهميش والحقرة بكل أصنافها وإيجاد الوسائل الكفيلة يضمان إدماج اجتماعي حقيقي وتوفير أسباب شغل الفراغ في مجالات تعود بالفائدة على الفرد والمجتمع كالرياضة ودور الثقافة. وبطبيعة الحال فإن الحديث عن معالجة ظاهرة الإدمان في المصدر تقتضي التصدي لشبكات التهريب، وإذا كانت بعض دول الجوار الجنوبي قد لا تلام بالنظر إلى فقرها وعجزها عن توفير الأمن حتى داخل أراضيها فما بالنا بملاحقة شبكات الاتجار بالمخدرات التي تتداخل حتى مع شبكات الإرهاب والجريمة العابرة للحدود بصفة عامة، فإن حالة التسيب التي تعرفها الحدود من جهة المغرب، ورفض الجار الغربي لحد الساعة المساهمة الجادة في تامين الحدود مع الجزائر ووقف تدفق المخدرات، على اعتبار أن أكثر من 90 بالمائة من هذه السموم تأتي من المغرب، لا يفسر إلا بوجود رغبة لدى نظام المخزن في خوض حرب قذرة مع الجزائر تكون فيها المخدرات هي السلاح، علما أن المغرب يعتبر من اكبر دول العالم إنتاجا للمخدرات التي يقتات منها الملايين من المغاربة.