دفع العدد الكبير من الوثائق »السرية« التي سربها موقع »ويكيليكس« عن المغرب وتصرفات ملكه وأعضاء حكومته العدوانية اتجاه الجزائر، وسائل الدعاية المغربية إلى محاولة الاستثمار في بعض التسريبات التافهة من أجل الإساءة إلى الجزائر، مع أن جل ما سرب لحد الآن هو في صالح الجزائر ولا يحمل أي حرج يذكر لقيادتها السياسية أو العسكرية. تعاملت وسائل الإعلام، وكل وسائط الدعاية في المغرب بنوع من المكر المكشوف فيما يتعلق بالوثائق التي توصف بالسرية والتي سربها موقع »ويكيليكس« حول الجزائر والمغرب، وهكذا حظيت التسريبات التي تنقل عن الرئيس بوتفليقة قوله أنه يرفض مصافحة العاهل المغربي محمد السادس ويتحدث عن ضعفه وعدم قدرته على قيادة المغرب وإحداث التغير المطلوب في هذا البلد، بتغطية لافتة، وقد سعت وسائل الإعلام المغربية بكل ما أوتيت من قدرة على تمييع وتسويف الحقائق إلى تلطيخ صورة نظام الحكم في الجزائر، لكنه في المقابل تعاطت هذه الوسائط الإعلامية، بشراهة غير معهودة مع »تسريبات« أخرى خطيرة تروج لإمكانية قيام حرب حقيقية بين الجزائر والمغرب بسبب القضية الصحراوية، من منطلق الاحتمالات التي تتحدث عن إمكانية عودة جبهة البوليساريو إلى الكفاح المسلح في مواجهة الاحتلال المغربي للصحراء الغربية. وكان من المتوقع أن تستغل الدعاية المغربية هذه الوثائق الأمريكية حتى لما تسقط في وحل الكذب والتزييف والادعاءات المغلوطة، كالقول مثلا بأن السواد الأعظم من الصحراويين يساندون المخطط المغربي المتضمن منح حكما ذاتيا للصحراء الغربية، مع أن كل المعطيات تفند هذه المزاعم، ورد الصحراويين خلال انتفاضة مخيم أكديم إزيك بالعيون المحتلة، والتضحيات التي قدمها الشعب الصحراوي خلال هذه المجزرة المغربية البشعة، وما رافق ذلك من غضب صحراوي عارم في الأراضي المحتلة وخارجها، فضلا عن النضال الصحراوي المتواصل الذي لا يمكن أن تحجبه حتى الدعاية المغربية. لقد كشفت وثائق ويكيليكس بأن الجيش المغربي يمر بوضع كارثي، ولمن يشك في صحة ذلك ما عليه إلا أن يعود إلى الحادثة الأخيرة والمتمثلة في فرار أفراد من الجيش المغربي يقودهم ضابط برتبة ملازم أول مدججين بالأسلحة والعتاد إلى الأراضي الصحراوية المحررة وتسليم أنفسهم للقوات الصحراوية، حيث عبروا عن حالة التململ التي يعرفها الجيش المغربي لظروف أفراده النفسية الجد منحطة، بفعل عوامل كثيرة من بينها المجزرة الأخيرة التي ارتكبتها قوات القمع المغربية بحق الشعب الصحراوي الأعزل، بمخيم أكديم إزيك بالعيون المحتلة. ومؤخرا فقط حاول الموقع الاليكتروني المغربي الذي يتقدم حملة الإساءة إلى الجزائر، فضلا عن العديد من وسائل الإعلام الخاضعة لمزاج جلالته، إعادة تسخين خبر قديم يتعلق برفض العاهل المغربي محمد السادس استقبال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لكون هذا الأخير فضل بدأ زيارته من الجزائر بدلا من المغرب كما جرت العادة مع شيراك من قبل، ونقل عن وثيقة سرية أمريكية مسربة على موقع ويكيليكس أن »المغرب تعامل بتشنج كبير مع الرئيس الفرنسي ساركوزي في خريف 2007، عندما اختار القيام بأول زيارة له كرئيس فرنسا إلى الجزائر وليس المغرب، كما جرت العادة في عهد الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك«. وقد تناولت هذه الوثيقة »لوموند« الفرنسية التي وبناء على مضمون ما جاء فيها فإن »الفرنسيين حاولوا إقناع المسؤولين المغاربة بأن إنهاء الزيارة سيكون في صالح الملك محمد السادس لأنه ستكون له الكلمة الأخيرة، إلا أن الجانب المغربي اعتبر الأمر خيانة، فأقدم على إلغاء الزيارة التي كانت مقررة إلى الرباط متذرعا باعتبارات البرمجة، وقد اعتبرت الوثيقة الأمريكية هذا العذر فارغا بالقياس مع حجم الإهانة«، واضطر المغرب إلى معالجة هذه الحادثة بإعادة برمجة زيارة ساركوزي في أكتوبر 2007. وتشير الأهمية التي أولتها الدبلوماسية المغربية، وحتى وسائل الإعلام في المملكة لهذه »الحادثة« الدبلوماسية أن الرباط لا تزال تتصرف تصرف الضرة التي تنافس ضرتها على الزوج الواحد، فتعطي أهمية لمن سيحظى بالزيارة الأولى بدلا من التركيز على مضمون ما سوف تسفر عنه الزيارة وما تجلبه من منافع للمغرب، وليس لباريس، وقول الفرنسيين للمغاربة بأن تأخير ساركوزي زيارته لهم هو رغبته في إعطاء الكلمة الأخيرة لملكهم، هو استهزاء واستخفاف بعقول المغاربة على الطريقة التي عرف بها ساركوزي. تجدر الإشارة هنا أن ممارسات المغرب واعتماده على الوشاية الكاذبة لتشويه صورة الجزائر لدى القوى الكبرى خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية ليس بجديد وهو معروف ولسنا بحاجة إلى وثائق ويكيليكس حتى نقف عند حقيقته، فالنظام المغربي كان ولا يزال ينتهج »سياسة انبطاحية« تهدد أمن جيرانه وأولهم الجزائر، وتخدم مصالح سادته بمن فيهم الإسرائيليين الذين يتجول خبراؤهم العسكريون على بعد أمتار فقط من حدود المغرب مع الجزائر.