تشهد مختلف مناطق الوطن اختلالات إيكولوجية خطيرة بسبب الوضعية الكارثية والأضرار التي لحقت بالبيئة في السنوات الأخيرة، بعد تحول العديد من المناطق إلى مربعات لرمي النفايات السائلة السامة التي باتت تطرحها المصانع والمستشفيات بالإضافة إلى الروائح الكريهة التي لازالت تنبعث من واد الحراش ومفرغة وادي السمار التي لم تجد لها حلا نهائيا لحد الساعة، أضف إلى ذلك تحول الشوارع والحدائق العمومية إلى فضاءات للتبول في ظل انعدام المراحيض العمومية، وقد خلّفت هذه المظاهر وضعية سلبية تحط من قيمة الجزائر كعاصمة سياحية وعروس للبحر الأبيض المتوسط وتنقص من جاذبيتها. حين نتخلص من أكياس القمامة خارج منازلنا ومحلاتنا ونغلق دونها أبوابنا نشعر براحة كبيرة لأننا تخلصنا من هذا العبء الثقيل ومعه تخلصنا من روائح الكريهة ومن الحشرات والبعوض ، ولا نعود نهتم ولا نفكر بما يحدث لها، ولأننا لم نعتد على الطريقة الصحيحة للتخلص من النفايات بكافة أنواعها فإننا لا ندري ماهي الخطورة التي تشكلها الطريقة التقليدية لتخلصنا من النفايات المنزلية أو الصناعية أو الكيماوية أو الطبية فنعتقد أنه بمجرد إلقائنا بها في الأماكن التي اعتدنا إلقائها فيه نكون قد تحررنا من العبء الضميري والمسؤولية لذلك، غاضين النظر عن الأخطار البيئية التي قد لا يحمد عقباها سواء على صحة الإنسان أو على الطبيعة. العاصمة في مقدمة الكوارث والمواطنون لا يحترمون مواقيت رمي النفايات جولة استطلاعية ببعض بلديات العاصمة كافية لكشف حقيقة الرمي العشوائي للنفايات بأنواعها التي أصبحت تشكل خطرا على الصحة العمومية والبيئة فمن أقصى شرق العاصمة إلى أبعد نقطة في ضواحيها الغربية، ترتسم مئات النقاط السوداء التي تشوه منظر الجزائرالبيضاء والتي عجزت مؤسسات النظافة من الحد من هذه الظاهرة بسبب استفحال الرمي العشوائي للنفايات من قبل بعض المواطنين والتجار اللامسؤولين والذين حولوا الشوارع والأسواق إلى مزابل عمومية على حد تعبير أحد المواطنين . فمن حي بلكور إلى باب الواد مرورا بساحة الشهداء ثم إلى القصبة وسوسطارة، ومن باش جراح إلى الحراش ثم إلى الأبيار وبوزريعة وصولا إلى عين البنيان، مشاهد يومية تشمئز منها الأنفس خاصة بالأزقة والشوارع الوسطى التي لا تمر منها المواكب الرسمية، نفايات في كل مكان، ردوم البناء مرمية على حواف الطرقات، حاويات منعدمة وإن وجدت تكون مكسرة أومتسخة جدا لا يستطيع المرء حتى الاقتراب منها خوفا من أن تنتقل إليه عدوى، ضف إلى ذلك تحول الحدائق والشوارع إلى أماكن للتبول في غياب مراحيض عمومية وكذا خلط النفايات الخطيرة بالنفايات المنزلية حيث أحصت شرطة العمران وحماية البيئة على مستوى العاصمة لوحدها فقط 4406 مخالفة خلال العشرة أشهر الأولى من السنة الماضية، الأمر الذي يستلزم من الجمعيات والمجتمع المدني دق ناقوس الخطر واحتواء كارثة بيئية . ويقول أحد المواطنين القاطن ببلدية سويدانية في تصريح ل»صوت الأحرار« أن رائحة الدخان تسابق السكان إلى منازلهم وبات إشعال النار في الحاوية عادة يومية للتخلص من الكميات الهائلة من الأطعمة المستهلكة والمواد البلاستيكية المتراكمة على جانبي الطريق مضيفاً » نحن أمام خيارين أحلاهما مر، فإما بقاء النفايات مكدسة في الحاويات ومتناثرة هنا وهناك والسماح للجرذان والفئران بغزو بيوتنا، أو حرقها، ولذلك ضرر لا يقل خطورة صحية عن الأول، حيث بالكاد تستطيع التقاط أنفاسك بسبب الدخان الذي ينتشر في المكان«. ويرى مواطن آخر، أن البلدية مطالبة بالانتباه لمعاناة الناس من انتشار للذباب والحشرات والأبخرة والغازات السامة المنبعثة وما تتركه من آثار مدمرة على الجهاز التنفسي، متسائلاً باستياء وهو يشير بسبابته نحو الحاويات التي تبعد أمتاراً فقط عن منزله :»كيف للبلدية أن تضع هذه الحاويات وسط مناطق سكنية تقدمت بأكثر من شكوى ودون جدوى.. إنه أمر غير مقبول ولا يطاق«. الشواطئ.. مصب القاذورات كما طالت النفايات خلال الأعوام الماضية الثروة المائية بشواطئ العاصمة التي أصبحت تشكو الإهمال مثل ما هو الحال عليه بشاطئ فرانكو ببلدية رايس حاميدو والذي أصبح بفعل لامبالاة سكان العمارات المجاورة للشاطئ مفرغة عمومية، يقوم هؤلاء برمي الفضلات المنزلية من شققهم مباشرة إلى البحر . الوضع هذا شكل حيزا كبيرا من اهتمامات جمعيات حماية البيئة، حيث طالبوا الجهات الوصية إيجاد الحل الأنسب والدائم لهذه المعضلة وتغريم السكان المتهاونون الذين يتسببون في تلوث الشاطئ. وفي هذا الصدد يقول أحد المواطنين ل»اصوت الأحرار« العيب ليس في مؤسسات التنظيف وليس في البلدية، العيب كله يكمن في السكان القاطنين بالعمارات المجاورة للبحر، والذين يرمون أكياس قمامتهم من شرفات شققهم مباشرة في البحر غاضين النظر عن النتائج التي سيلحقونها بالبيئة والصحة، وطالب المتحدث من السلطات المحلية تسليط عقوبة تحرير غرامات مالية للمتسببين في ثلوث البحر حتى يمتنع هؤلاء عن إلحاق الضرر بالمحيط وبالثروة السمكية، كما طالب مواطن آخر بأن يتم استحداث شرطة حراسة الشواطئ لفرض الصرامة والمراقبة خصوصا وأن المواطنين يقومون برمي النفايات بشكل يومي ومن دون أن تحرر مخالفات ضدهم وهو ما يتسبب في تلوث الشواطئ، موضحا في نفس الوقت أن البلدية لم تقدم على فعل أي شيء ضد هؤلاء المتهاونين. من جهته حذر، حسين بلوط ، رئيس اللجنة الوطنية للصيد البحري، من التلوث السواحل الجزائرية خاصة شواطىء بومرداس،عين تموشنت، سكيكدة، بجاية ،عنابة والعاصمة بسبب صب الوديان بها وانعدام محطات تصفية المياه القذرة، بالإضافة إلى رمي الفضلات ونهب الرمال، وهو ما أثر حسب المتحدث بشكل كبير على الموارد البحرية بالساحل الجزائري ،حيث أشار إلى هلاك العديد من الأصناف البحرية، فيما هجرت أخرى إلى مناطق آمنة، موضحا في نفس السياق أن 7.5 متر مكعب من الفضلات الجافة تلوث 100 هكتار في البحر على عمق 40 مترا وأن هناك 650 ساحل معرض للتلوث خلال 3 سنوات المقبلة وعليه ،طالب محدثنا باحترام القوانين واستحداث شرطة البحار لحماية السواحل من التلوث البيئي . وادي الحراش ..تلوث بيئي مستمر ومشاريع فاشلة يعتبر وادي الحراش من أكثر الوديان تلوثا في الجزائر، وذلك نتيجة تفريغ الوحدات الصناعية المجاورة للنفايات السامة فيه، بالإضافة إلى تصريف المياه القدرة المنزلية وكذا المواد الكيميائية المتعلقة بالمبيدات الحشرية وغيرها من العوامل الأخرى التي زادت من التلوث، وفي هذا الشأن ذكر أحد المواطنين الذي يقطن بالقرب من الوادي، أن «الأوضاع البيئية في الوادي باتت متردية عاما تلوى العام إثر عدم نجاعة الحلول لمعالجة مشكلة مياه الصرف الصحي في الوادي بالإضافة إلى نفايات المصانع»، وأوضح أن «مطالبات السكان المجاورين للوادي لم تجد صدى لدى الجهات المعنية بالرغم من المكاره الصحية والروائح الكريهة التي تنبعث من الوادي والتي من شأنها التسبب بالأمراض، خاصة في فصل الصيف»، مؤكدا أن «غياب الرقابة من قبل الجهات المعنية أدى إلى تفاقم المشكلة، بينما يرى مواطن آخر أن الدراسات والمشاريع التي أقيمت بغرض الحد من التلوث والروائح الكريهة كانت كلها فاشلة باعتبارها حلولا مؤقتة، لا غير، حسب نفس المتحدث الذي أضاف بأن رش مادة سائلة على مستوى جسر الطريق السيار المؤدي إلى شرق الجزائر للحد من الروائح الكريهة المنبعثة من الواد ليس حلا للمشكل، وإنما الحل يكمن في وضع حد للرمي النفايات الصناعية وغيرها في الواد وإيجاد حلول فعالة " . يذكر أن قطاع الموارد المائية شرع في العديد من الأعمال من أجل الحد من هذه المشكلة حيث سيكتمل مشروع إزالة التلوث في وادي الحراش سنة 2014 من خلال انجاز محطة تطهير المياه الصناعية المستعملة حسب مصدر مسؤول بوزارة الموارد المائية وأضاف نفس المصدر أن عملية إزالة التلوث التي بدأت قبل ثلاث سنوات من خلال عملية » الياسمين« التي سمحت بتقليص بشكل معتبر للروائح الكريهة التي كانت تنبعث من هذا الوادي الملوث قبل تشغيل في بداية 2008 لمحطة تطهير براقي بقدرة يومية تقدر ب 000. 900 مقابل نسمة ستدخل مرحلة جديدة من خلال بناء منشأة قادرة على جمع المياه التي تطرحها المناطق الصناعية العاصمية مما سيؤدي، من دون شك، إلى تخفيض مستوى التلوث في هذه المنطقة وتفادي عدة المشاكل في المستقبل، وتندرج تمويل هذه المنشاة في إطار البرنامج الخماسي للاستثمارات العمومية المقبل خلال سنة 2014 وستمتص مجموع المياه التي تطرحها الوحدات ال 473 المتموقعة ببلديات الحراش وبراقي وجسر قسنطينة وواد السمار. الأكياس البلاستيكية السوداء تعود إلى الأسواق ولعل المواطن الجزائري يلاحظ عودة الأكياس البلاستيكية السوداء التي أصبحت تتداول من جديد بعد أن استغنى عنها فيما سبق بسبب خطورتها على صحة الإنسان وآثارها السلبية على الطبيعة والبيئة، ، بالنظر لاستغراقها ما يقارب ال 400 سنة للانحلال في الطبيعة، إلى جانب تشكيلها خطرا على صحة الأفراد، الأمر الذي استلزم الوزارة المعنية إصدار مرسوم تنفيذي رقم 04 / 210 الصادر في جويلية من عام 2004 كان المرسوم يهدف للقضاء الكلي على استعمال الأكياس السوداء أكثر من ذلك، اتجهت السلطات العمومية لمعاقبة منتجي هذه الأكياس، فقد تم غلق ما يقارب عشر وحدات إنتاج للأكياس غير محترمة للبيئة ومع ذلك، وبعد أكثر من خمس سنوات من إصدار المرسوم والشروع في العمل به، تستمر هذه الأكياس في التواجد في الأسواق، وتكاد تكون الوحيدة المعمول بها، سيما في تغليف المواد الغذائية، والتي تحتوي على مواد كيميائية سامة، من شأنها التغلغل داخل المواد الغذائية وكذا الأيادي الحاملة لها، ما يؤدي إلى إصابة العديد من الأشخاص بتسممات . وذكر العديد من المختصين أن هناك إشكال ثقافي يعرقل القضاء على الأكياس البلاستيكية سوداء اللون، يتمثل في أن بعض الجزائريين يفضلون حجب مشترياتهم عن الفضوليين، ولذلك يميلون إلى استعمال الأكياس البلاستيكية سوداء اللون ، وفي هذا الإطار يجمع المسؤولون على أن التصدي لهذه المشكلة يعتبر تحدياً صعباً، بعد أن أصبحت أكياس وعبوات البلاستيك تدخل في جميع تفاصيل الحياة اليومية ولذلك لا بد من خطوات متدرجة تبدأ بتقليل استخدام هذه الأكياس، وإحلال الكيس الورقي مكانها وكذلك تعميم استخدام العبوات الزجاجية بدل العبوات البلاستيكية، وصولاً إلى إنهاء هذه الظاهرة الخطيرة على حياة الناس وسلامة البيئة، لكن مثل هذا الهدف لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عمل دؤوب يستمر لسنوات طويلة.