عاد، الرئيس الفرنسي، إمانويل ماكرون، إلى إحياء ملف جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر وصرح من مالي قبل أسبوع من زيارته الرسمية للجزائر أن جرائم الاستعمار الأوروبي في أفريقيا لا جدال فيها، وهي التصريحات التي من شأنها أن تفجر الجدل مجددا في فرنسا، غير أن تأكيده هذه المرة على أن هذه الجرائم ماضي يجب أن يمر تعد بمثابة التراجع عن نية الاعتذار التي زلزل بها فرنسا عندما صرح بذلك من الجزائر كمترشح للرئاسيات. تجاوز إمانويل ماكرون مرة ثانية في ظرف أشهر جميع الخطوط الحمراء المفروضة ضمنيا في فرنسا على موضوع بحساسية ماضيها الاستعماري، أو ما يسميه البعض بالذاكرة الاستعمارية لفرنسا، عندما أكد أمس أن "جرائم الاستعمار الأوروبي في أفريقيا لا جدال فيها"، وقال ماكرون بحسب ما أوردته أمس وكالة الأنباء الفرنسية في خطاب ألقاه أمام أكثر من 800 طالب في جامعة واغادوغو، في إطار زيارة رسمية يقوم بها لمالي "كانت هناك أخطاء وجرائم وأشياء عظيمة وقصص سعيدة ولكن جرائم الاستعمار الأوروبي لا جدال فيها"، وأضاف "إنها الماضي يجب أن يمر"، وهي التصريحات التي تأتي اسبوعا فقط قبل زيارته الرسمية للجزائر. ومن شأن هذه التصريحات التي تسعى من خلالها باريس إلى تبيض صورتها وأثرها في القارة السمراء تحيي الجدل مجدد حول قضية جرائم فرنسا الاستعمارية ومطلب الاعتذار، كما ستثير جنون اليمين وأقصى اليمين على وجه التحديد، الذي سبق وأن زلزلته تصريحات مماثلة أطلقها ماكرون من الجزائر في ماي الماضي عندما زارها كمرشح للرئاسيات. ومع أن الرئيس الفرنسي سبق وأن تطرّق إلى هذا الموضوع، في زيارته للجزائركمرشح للرئاسيات وفي مقابلة سابقة له، في نوفمبر 2016، مع صحيفة "لو بوان" الفرنسية، إلا أن تصريحه الجديد بدا أقل حدّة وجرأة من سابقيه، فبعدما أسهب في وصف جرائم الاستعمار الفرنسي واعتبرها جرائم ضد الإنسانية وهو ما لم يسبقه إليه أي مسؤول فرنسي مهما بلغت درجة مناهضته للإستعمار، حيث قال في حواره مع "لو بوان"، "إن الاستعمار يدخل ضمن ماضي فرنسا.. إنه جريمة بل جريمة ضد الإنسانية وعمل وحشي وهي جزء من هذا الماضي الذي يجب أن نشاهده أمامنا ونقدم اعتذاراتنا للذين ارتكبنا بحقهم هذه التصرفات"، هذا التصريثح الناري الذي نزل على الأوساط السياسية في فرنسا كالصاعقة يختلف تماما عن ما قاله ماكرون أمس من مالي، حيث اعتبر جرائم الاستعمار "ماضي يجب أن يمر"، وهو ما قد يحمل دلالات عن نية تراجع الرئيس الفرنسي عن الاعتذار الذي تطالب به الجزائر رسميا وشعبيا منذ الاستقلال.