رحل ككل الراحلين الذين نحبهم، رحل بعد أن ترك غصة في الروح، وهو الذي ظننا أنه هزم المرض الذي لازمه منذ اثنين وعشرين عاما، لقد كان أبيا كريما وهو يرفض أن تتكفّل بعلاجه مؤسسة ثقافية أجنبية، ربما كان يعتقد أن بلاده التي منحها كل جهده وطاقته، ستقوم بواجبها تجاهه، لقهر داء القصور الكلوي، الذي كان يُرغِمه على الذهاب ثلاث مرات في الأسبوع، إلى المستشفى لتصفية الكلى، ولكنه بين الذهاب والعودة كان القلم لا يتوقف سواء، لكتابة مقالات أدبية ذات الصلة بالنقد الأدبي، الذي يُعتبر أحد رواده بلا منازع، أو لممارسة إدمانه في الكتابة النقدية الأكاديمية، حتى امتلأت المكتبة العربية في الجزائر بعشرات الكتب، التي أصبحت مراجع أساسية لطلاب الجامعة. رحل الدكتور الأستاذ والباحث شريبط أحمد شريبط على حين غفلة، لتبقى مختلف القاعات الثقافية تتذكر حضوره لهذا الملتقى أو ذاك، غير عابئ بمتاعب العلة التي تقارعه، وسيراه طلابه وأصدقاؤه في إنتاجه القصير الذي يقول عنه إنه مجموعة من الأسئلة التي طرحها لتُحرِّك دواليب العقل البحثي من أجل استجلاء مزيد من الحقيقة، أما مدينتاه سكيكد التي يقول إنها أحبها لأنه قضى فيها سنوات عمره الأولى، وعنابة التي يعترف أنها احتضنته وطوّرت ثقافته، ومنحته الشهادات، فستظلان تفتخران بالفارس الذي تجاوز حالته الصعبة فيُنجِز معجما للنقاد العرب. الكبار- وشريبط أحمد شريبط أحدهم- لا يموتون دائما، بل يرحلون عن دنيانا فقط، فهم الباقون ما بقي الوطن، لأنه كما يقال الحياة حلم، يوقظه الموت، وربما أحسن وفاء لهم أن نتذكّرهم على الدوام، من خلال الترويج لأفكارهم وتقديمهم إلى الناشئة، وجعلهم معلما لكل المؤمنين بسيادة العلم والمعرفة، بغية ترميم الذاكرة الجماعية للأمة والمساهمة في بناء الوطن وتقدّمه.