بصرف النظر عن النوايا التي حركت القرارات الأخيرة التي تم الإعلان عنها في اجتماع مجلس الوزراء يوم الخميس فإن هناك اعترافا صريحا بأن مرحلة جديدة يجب أن تبدأ ودون إبطاء. أشار الرئيس إلى ضرورة أن تنفتح وسائل الإعلام العمومية وفي مقدمتها التلفزيون والإذاعة، على الأحزاب والجمعيات، وجاء في حديثه أنه لا يوجد أي قانون أو تعليمة يجعل هذه الوسائل ممنوعة على الأحزاب والجمعيات، وهذا أيضا اعتراف لا يستهان به، لأن غلق وسائل الإعلام العمومية أمام الرأي المخالف كان تجاوزا للقانون فضلا عن كونه غير مبرر سياسيا، وقد يكون الاعتراف بالخطأ بداية جيدة للإصلاح. الملاحظة التي تستوجب التسجيل هنا هي أن وسائل الإعلام العمومية مطالبة بتغطية نشاطات الأحزاب والجمعيات وفتح المجال أمامها للتعبير، وهذا ليس مطلب هذه المرحلة، فعندما انفجر الشارع في الخامس من جانفي الماضي، قالت السلطات العمومية إن العنف الذي طبع تلك الاحتجاجات دليل على عجز الأحزاب والجمعيات وعدم قدرتها على تأطير الشباب خاصة، واليوم تتحول هذه الأحزاب والجمعيات العاجزة الطرف الوحيد الذي تنفتح عليه وسائل الإعلام العمومية، وهذا يعني ببساطة أن هذه الأحزاب والجمعيات تنال مكافأة على فشلها وهو أمر غير مقبول بالمرة. الأولى بالحرية هو المجتمع، والتجارب عندنا وعند غيرنا أثبتت أننا نعيش عصر ما بعد الأحزاب، وأن وسائل الإعلام العمومية لن تستعيد صفة العمومية التي فقدتها منذ وقت غير قصير، إلا إذا انفتحت على المجتمع وأصبحت ناقلة لانشغالاته، وحتى إن كان هذا الانفتاح قد تأخر كثيرا فإنه يظل في كل الأحوال أفضل من فتح الباب أمام أحزاب لا يعرفها أحد ليجلدنا التلفزيون بموائده المستديرة التي يتحدث فيها أشخاص لا يحسنون صياغة جملة مفيدة واحدة. لقد ألغت التكنولوجيا كل القيود، وأساليب الرقابة البالية تحولت اليوم إلى وصمة عار في جبين الأنظمة السياسية التي تجاوزها الزمن بعجزها عن مواكبة تطور المجتمعات، وهذه التكنولوجيا تنقل لنا في بيوتنا صورة عن مصير هؤلاء حتى لا يقول أحد بعد اليوم لم يأتني نذير.