لم يعتد الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي مثل هذه الاحتجاجات والاضطرابات المطالبة بإسقاط نظامه والتي بدأ نطاقها يتسع ليشمل عدة مدن ليبية، مما يجعلها واحدا من أشد التحديات التي يواجهها منذ توليه الحكم قبل نحو 42 عاما. وكانت مظاهرات أول أمس الجمعة ضد حكم القذافي غير مسبوقة مع إعلان منظمة العفو الدولية أن عدد القتلى منذ بدء المظاهرات قبل ثلاثة أيام بلغ 46 شخصا، في حين رفعت منظمة هيومن رايتس ووتش هذا العدد إلى 84 قتيلا. وتجعل هذه الأرقام معدل سقوط القتلى في هذه الاحتجاجات يفوق بكثير ما حصل في الثورتين الشعبيتين بالدولتين المجاورتين لليبيا، تونس ومصر، خلال نفس الفترة. وتمرد الناس في الاحتجاجات الليبية على مواقع تعتبر رمزا للنظام خاصة في مدينة بنغازي التي أفاد شهود عيان فيها أن المتظاهرين أحرقوا جميع المراكز الثورية ومقر إذاعة بنغازي. كما هدموا نصبا يمثل الكتاب الأخضر وسيطروا على ثلاث دبابات للجيش، واقتحم محتجون سجن الكويفية المركزي بالمدينة وأطلقوا سراح عشرات السجناء. وسقط أول أمس الجمعة 21 قتيلاً برصاص »بلطجية« يرتدون قبعات صفرا أثناء تشييع 19 شخصا قتلوا الخميس الماضي كما أصيب 45 آخرون، ومن المرجح أن تثير أي جنازات جديدة لمحتجين مظاهرات أخرى. وفي البيضاء القريبة من بنغازي قالت مجموعتان ليبيتان معارضتان في المنفى إن المحتجين سيطروا على المدينة التي »باتت في يد الشعب« وانضم إليهم بعض من الشرطة المحلية. كما اتسعت دائرة المظاهرات في ليبيا المطالبة بتنحي القذافي لتشمل إلى جانب بنغازي والبيضاء مدن درنة وأجدابيا والقبة وطبرق والزنتان وتاجورا وشحات وحتى العاصمة طرابلس. ومثلما حصل في تونس ومصر عطلت ليبيا بعض خدمات الإنترنت أول أمس الجمعة، كما فعلت الأمر ذاته مع صفحات مجموعات الغضب على موقع فيسبوك. ورغم ذلك فإنه لا يمكن وصف هذه الاضطرابات بأنها انتفاضة عامة حيث إن معظم الاحتجاجات تركزت في الشرق حول بنغازي حيث يضعف التأييد للقذافي بشكل تقليدي. وقد نقل التلفزيون الليبي أول أمس مظاهرات بطرابلس مؤيدة للنظام الليبي شارك فيها القذافي نفسه. ويعتقد المعارض الإسلامي الليبي نعمان بن عثمان أنه لا يمكن مقارنة ليبيا بمصر أو تونس، مضيفا أن القذافي سيقاتل حتى آخر لحظة. كما يقول مراقبون إن الوضع في ليبيا مختلف عن مصر لأن القذافي يملك سيولة نقدية نفطية للتغلب على المشكلات الاجتماعية. لكن هذه الاحتجاجات حتى وإن لم تحقق مطلبها الرئيسي بتنحي النظام، فإنها بكل تأكيد ستعيد صياغة السياسة الليبية الداخلية. وقد نقلت صحيفة قورينا الخاصة -المقربة من سيف الإسلام نجل القذافي- عن مصادر لم تسمها أن مؤتمر الشعب العام )البرلمان( سيقر »تغييرا كبيرا« في سياسة الحكومة بما في ذلك تعيين أشخاص جدد بمناصب رفيعة. كما أشارت صحيفة الوطن الليبية إلى أنه سوف يتم إيفاد الساعدي النجل الآخر للقذافي إلى مدينة بنغازي للمساعدة على تطبيق»خطة تنموية غير مسبوقة«.