عودة الديناميكية إلى محور التعاون الأمني بمنطقة الساحل الصحراوي، بعد اجتماع قادة أركان جيوش المنطقة والزيارات المتبادلة بين الجزائر وباماكو، وعلى خلفية الدعم الجزائري المدني والعسكري لدول جنوب الصحراء، يلخص كل الاهتمام المعقود على هذه المنطقة سواء على خلفية الأوضاع الأمنية الخطيرة الجارية بليبيا ومساعي »القاعدة« للاستفادة منها، أو على خلفية محاولات التصعيد الإرهابي الخطير في الجزائر ومنطقة الساحل الصحراوي أو حتى في المغرب بعد التفجير الإرهابي بمقهى »ماركنة« بمراكش. يسير الوضع الأمني بمنطقة المغرب العربي والساحل الصحراوي على خطين متناقضين، خط محاولات التصعيد الإرهابي التي تتمركز في مناطق مختلفة وخط عودة الدفئ إلى التعاون الأمني بين دول المنطقة خصوصا منطقة الساحل الصحراوي خاصة بعد الاجتماع الأخير لقادة أركان جيوش الساحل »الجزائر ومالي موريتانيا والنيجر« بالعاصمة المالية باماكو، والذي شاركت فيه الجزائر كما هو معروف ممثلة في قادة أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق احمد قايد صالح، وهو اللقاء الذي يعيد التنسيق بين الدول المذكورة إلى طبيعته بعد انقطاع دام عدة أشهر، علما أن الجزائر، باعتبارها الراعي لهذا التنسيق منذ البداية، احتضنت لقاءات لوزراء خارجية دول الساحل ولقاء أخر ضم مسؤولي أجهزة استخبارات الدول المذكورة فضلا عن اللقاء الأول لقادة أركان جيوش الساحل الذي انعقد بالناحية العسكرية السادسة بتمنراست، المقر الرسمي لهذا الهيكل الذي أنيطت به مهمة تنسيق العمليات الأمنية والعسكرية لمواجهة خطر المجموعات الإرهابية وخلايا التهريب والاتجار غير المشروع بالسلاح والمخدرات..الخ ولعل أول ما يمكن ملاحظته قبل الخوض في التنسيق الأمني وأهدافه، هو التقارب بين الجزائر وباماكو، والذي يأتي بعد تنافر وشبه أزمة دبلوماسية عكرت الأجواء الطبيعية التي كانت سائدة منذ عقود بين الجزائر ومالي، والمعلوم أن الجزائر كانت قد احتجت دبلوماسيا وبشدة ضد إطلاق حكومة أمادو توماني توري سراح أربعة عناصر إرهابية خطيرة، في إطار صفقة أشرف عليها وزير الخارجية الفرنسي الأسبق برنار كوشنير لتحرير الرهينة بيار كامات، وبسط مالي لأراضيه أمام القوات الأجنبية الذي أدى إلى قيام الجيشان الفرنسي والموريتاني بعمليات عسكرية مشتركة بشمل تومبوكتو ضد مواقع لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي خارج إطار التنسيق الأمني لدول المنطقة ودون علم الجزائر التي تجري الأحداث على مقربة من حدودها الجنوبية. والملاحظ أن اجتماع قادة جيوش الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر الأعضاء في لجنة الأركان العملياتية المشتركة، لم يلتئم منذ الصيف الماضي، وتشير وزارة الدفاع الوطني إلى إن الاجتماع غير عادي، مرتبط بالأوضاع غير الطبيعة التي تعيشها المنطقة كما سنرى فيما بعد،وهو »مخصص لتحليل الوضع الراهن ...وإعداد حصيلة شاملة للنشاطات والأعمال المنفذة، بغية تفعيل التعاون والتنسيق، وكذلك التشاور لمجابهة التحديات المشتركة في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة«، ويتزامن مع تقديم الجزائر مساعدات مالية وعسكرية لدول الساحل الصحراوين، كما يتزامن أيضا مع الزيارة التي قام بها وزير الخارجية لدولة مالي سومايلوا بوباي مايغا الذي استقبل من قبل رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة شخصيا. وما من شك أن تصريح مسؤولي الدبلوماسية المالي الذي جاء فيه بأن باماكو »تريد فعالية أكبر في عمل لجنة أركان الجيوش المشتركة«، يعكس وجود رغبة حقيقة من حكومة ممادو توماني توري للعمل في إطار التنسيق بين دول المنطقة لمحاصرة خلايا القاعدة، فالرئيس المالي متهم بسبب تساهله في إبرام صفقات مشبوهة مع الإرهابيين بعدم الجدية في مكافحة النشاط الإرهابي بمنطقة الساحل الصحراوي، خاصة في ظل حديث عن تورط أعيان في مالي وقادة عسكريين كبار في الاستفادة من الفدية التي تدفع للخلايا الإرهابية التي تقوم بعمليات خطف الأجانب. وهناك حديث عن مسعى جزائري لتغطية العجز الذي تواجهه جيوش منطقة الساحل الصحراوي، خاصة مالي والنيجر بعد انقطاع المساعدات العسكرية الغربية، وخصوصا الفرنسية عنها، والمساعدات على هذا المستوى، التي سبقتها مساعدات مماثلة في السابق، تشمل السيارات المصفحة ووسائل الاتصال وذخيرة المدفعية في الغالب، علما أن التصريحات التي أدلى بها الرئيس التشادي إدريس دبي منذ أسابيع لصحيفة »جون أفريك« والتي قال فيها بان تنظيم القاعدة قد حصل فعلا عن صواريخ أرض-جو، وأن هذا التنظيم الإرهابي قد يصبح أقوى من جيوش بعض دول المنطقة، ويقصد بطبيعة الحال بلاده ومالي بوركينافاسو وبدرجة أقل موريتانيا، اخذ بالجدية خاصة من قبل الجزائر التي تنظر بالكثير من القلق للتحركات التي تقوم بها عناصر تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي على المحور الليبي والشريط الحدودي الممتد على كامل الجنوبالجزائري من النيجر إلى موريتانيا. ويتزامن هذا التحرك الجزائري والمالي مع تصاعد مخاطر تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي في المنطقة، فالمعلومات التي بحوزة أجهزة استخبارات محلية وغربية تشير إلى أن تنظيم عبد الملك درودكال نجح في تحريك خلاياه بهذه المنطقة وتجنيد مجموعات كبيرة تقاتل حاليا إلى جانب المعارضة المسلحة في ليبيا، وتستفيد من الحرب الدائرة مع كتائب نظام معمر القذافي لتوسيع مجال نشاطها والحصول على السلاح والذخيرة التي يتم تهريبها نحو منطقة الساحل الصحراوي وتكديسها في مناطق بشمال مالي والنيجر يعتقد بأن التنظيم الإرهابي، الذي أقام مؤخرا بقاعدة جديدة بشمال مالي، يحضر لجولات خطيرة من التصعيد مستقبلا خاصة في حال تعقد الوضع أكثر في ليبيا إذا ما تورطت قوات الحلف الأطلسي في حرب برية ضد القذافي.