طرح مقتل زعيم »القاعدة« السعودي أسامة بن لادن تساؤلات كثيرة عن مستقبل ما يسمى ب»التنظيمات الجهادية« في العالم، فهل سيحفز ذلك على تنامي النشاط الإرهابي، أم يؤدي إلى تراجع أو ربما انتهاء الإرهاب، وما مصير الحركات المرتبطة بهذا التنظيم »العالمي«، خاصة في ظل وجود سيناريو بديل وهو حركات الشارع العربي وما يسمى ب»مسار الدمقرطة« الذي يجتاح الكثير من الدول، أم الانتشار بشكل أكبر واستغلال الأزمات الأمنية الآخذة في التوسع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للتموقع من جديد، وما مصير تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، هل يستأثر وفي أي اتجاه، وما هي النتائج التي ستترتب عن جهود مكافحة الإرهاب في الجزائر؟. بغض النظر عن الضبابية التي تحيط بالقضية بصفة عامة، والتساؤلات الكثيرة التي لا تزال تثيرها وسط المراقبين والمختصين في الشأن الأمني، تمحورت جل التحاليل التي تناولت مقتل أسامة بن لادن على يد فرقة تابعة للقوات الخاصة الأمريكية بباكستان، حول مسألة خلافة زعيم »القاعدة«، ومن هي الشخصيات الأقرب إلى تعويض بن لادن، وهكذا طرح البعض اسم الرجل الثاني في التنظيم المصري الدكتور أيمن الظواهري، ورأى البعض بأن الظواهري لا يحمل كاريزما تسمح له بقيادة »القاعدة«، وفضل البعض الآخر اسم أنور العولقي والشيخ أبو زبيدة الفلسطيني وأبو فرج الليبي..الخ، إلا أن التركيز هو بدرجة اكبر حول مصير التنظيم وكل »التنظيمات الجهادية« التي تعلن ارتباطها ب»القاعدة« . وقبل التطرق إلى انعكاسات مقتل زعيم القاعدة على النشاط الإرهابي في الجزائر، وتحديدا على مستقبل الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي تسمي نفسها تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي لا بد من الإشارة إلى أن هناك ثلاثة سيناريوهات متوقعة، فإما أن يتوسع نشاط »القاعدة« بشكل أكبر وتلجأ على المدى القريب، على الأقل، إلى تنفيذ عمليات انتقامية، وأما أن يتراجع نشاط القاعدة وقد يضمحل أو تزول بشكل نهائي بعد النهاية التي عرفها زعيمها الروحي، فبالنسبة للبعض فإن العملية الأميركية لن يكون لها أي تأثير على مسار التنظيم العسكري بأفغانستان، لوجود حاضنة الطالبان التي تتبنى نفس أفكار القاعدة، لكن ومن وجهة نظر أخرى فإنه بإمكان القاعدة أن تستثمر موت قائدها لتوسيع نشاطها والقيام بعمليات انتقامية، هذا على المدى القريب، وأما على المدى المتوسط والبعيد فإن موت بن لادن لن يؤثر على النشاط الإرهابي في ظل وجود وجوه أخرى لا تقل إصرار على بن لادن في مواصلة نفس الإيديولوجية القتالية التي تتبناها »القاعدة« منذ سنة 2001 على الأقل، فاستمرار النشاط المسلح بأفغانستان مضمون في ظل الانتصارات التي تحققها حركة طالبان ضد القوات الأفغانية وضد قوات الحلفاء بقيادة أمريكا، وأما خارج أفغانستان، فإن الأمر مرهون بتطورات أخرى ميدانية قد تفرضها معطيات مختلفة لها علاقة بما يسمى بالحرب الدولية على الإرهاب كما سنرى فيما بعد. والواقع أن النقاش حول مصير »القاعدة« يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مسألة هامة جدا تتعلق بطبيعة التنظيم الذي ولد من رحم »الجهاد« ضد القوات السوفيتية في أفغانستان خلال ثمانينات القرن الماضي، والذي غذته الحرب الباردة وعمليات الاستخبارات الغربية خاصة الأمريكية منها في إطار الحرب ضد المد الشيوعي وبمساعد من المال السعودي، ففكر تنظيم »القاعدة«، في تقدير الكثير من المختصين في الشأن الأمني، أضحى كالخلايا العنقودية المتناثرة، التي لا ترتبط بأي علاقات لوجستية، مع التنظيم الأم في أفغانستان، بل تحول إلى فكرة عالمية غير مركزية، تتبع في الأصل الفكر المسلح لا التنظيم الهيكلي الهرمي، وهنا مكمن الخطورة، وربما يساعدنا هذا التوصيف بشكل أكبر في فهم مستقبل تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي على خلفية مقتل الزعيم الروحي للقاعدة الأم. المعروف هو أن الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي انفصلت عن الجماعة الإسلامية المسلحة »الجيا« في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، أعلنت مع نهاية 2006 وبداية 2007 انضمامها الرسمي لتنظيم القاعدة الأم، وغيرت اسمها إلى تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، ولم يأت ذلك صدفة فالمعلومات التي كانت بحوزة الأمن الجزائري تقول بأن الاتصالات بين قيادة الجماعة السلفية وتنظيم بن لادن قديمة بعض الشيء وقد تعود إلى الشهر 2004 وقد لعب اليمني أبو محمد الذي قضت عليه قوات الجيش في باتنة دورا كبيرا في ربط الصلة بين التنظيمين، ومع هذا هناك قناعة راسخة لدى الكثير من المتتبعين والمختصين في الشأن الأمني وحتى لدى بعض القيادات الإرهابية التي تخلت عن النشاط المسلح والتحقت بمسعى الوئام أو المصالحة الوطنية بأن القاعدة ليس لها وجود حقيقي وفعلي في الجزائر، وهي ربما موجودة بشكل أكبر وسط الجماعة الليبية المقاتلة حتى وإن أعلن هذا التنظيم وضع السلاح بعض المراجعات التي قام بها أعضاء هذا التنظيم في سجون ليبيا على خلفية صفقة مع القذافي قاده نجله سيف الإسلام. السؤال المحوري هو ما هي طبيعة الانعكاسات المرتقبة لمقتل بن لادن على الفرع المغاربي لتنظيم القاعدة؟ والجواب هو أن ما كان يسمى بالجماعة السلفية للدعوة والقتال في السابق تعيش أصلا حالة من الضعف والتراجع الميداني جراء عوامل كثيرة ومختلفة سبقت مقتل زعيم »القاعدة« الأم، فالتنظيم تلقى ضربات موجعة في ميدان الموجهة الأمنية والعسكرية أفقدته الكثير من عناصره ومن قياداته أيضا، ومكنت قوات الأمن من تفكيك الكثير من خلاياه اللوجستية، ويبدو أن تركيز هذا التنظيم نشاطه الإرهابي في الجنوب، وتوزيع بعض خلاياه على دول الجوار افقده الكثير من توازنه، يضاف إلى ذلك أن التنظيم عانى كثيرا بفعل إستراتيجية العمليات الانتحارية التي أريد لها أن تكون رابط روحي مع القاعدة الأم، وتراجعت قدراته على تجنيد عناصر جديدة في ظل السياسة المتبعة سواء المتعلقة بالمصالحة الوطنية أو التكفل بضحايا المأساة الوطنية وعلاج كل النابع السياسية والاجتماعية والدينية التي يتغذى منها التطرف والإرهاب. قد يساهم مقتل بن لادن على المستوى النفسي في تثبيط عزيمة الزمر الإرهابية، وأي تراجع للقاعدة سوف ينعكس لا محالة على قوة وتنظيم كل الفروع الخارجية للقاعدة، حتى وإن لم تكن مرتبطة عضويا فيما بينها، إلا أن ذلك معقود على عوامل أخرى، فهل ينوي الغرب فعلا تغيير سياساته فيما يتعلق بما يسمى ب»الحرب الدولية على الإرهاب«، وهل مقتل بن لادن لا يعد وسيلة أو أداة لتغيير أولويات واشنطن وحلفائها في أوروبا، وماذا عما يسمى بالثورات العربية، علما أن حالة انعدام الأمن وفقدان الاستقرار التي تسببه الاحتجاجات العنيفة في ظل حركات الشارع الذي يضعه الغرب ضمن إطار »مسار الدمقرطة« في الوطن العربي والتخلص من الأنظمة المستبدة التي كانت توفر حد أدنى من الاستقرار ولو بأساليب قمعية، سوف تساعد على تنامي الإرهاب وتكاثر المجموعات المتطرفة التي تتغذى من »مشروعية العنف« الجديدة، ومن معطيات أخرى مادية ومعنوية تساعد على التطرف بغض النظر عن عنوان هذا التطرف، فما يحصل في منطقة الساحل الصحراوي على خلفية الأوضاع الكارثية في ليبيا، وبفعل فوضى السلاح في هذا البلد سوف يؤدي لا محالة إلى »تغويل« الفرع المغاربي للقاعدة وعندها لن يكون لموت بل لادن أو موت كل مشايخ »القاعدة« أي تأثير.