ابد أن تكون لدينا الشجاعة لنسمي الأشياء بمسمياتها، فالجزائر حقا ليست مصر ولا تونس ولا سوريا ولا ليبيا ولا اليمن .. لكننا ما قمنا برفع حالة الطوارئ وتشكيل لجنة للإصلاحات إلا تحت تأثير الأحداث في الدول العربية المعنية. وكما تأثرنا بها في وقت سابق سوف نتأثر بها أيضا في وقت لاحق. دخلت المشاورات السياسية مراحلها النهائية، إذ بقي لبن صالح أن يستقبل الأمين العام للأفلان عبد العزيز بلخادم، باعتباره يمثل أهم حزب في الوقت الراهن، ليس من باب الأغلبية النيابية التي يتمنع بها بل بالثقل السياسي والفكري والرصيد التاريخي الذي يحمله. وكانت لجنة بن صالح قد تعرضت لجملة من الإنتقادات على المنهجية التي اعتمدتها في المشاورات، القائمة على »توسيع رقعة المعنيين« بها، حيث شملت السياسيين بمختلف الأوزان والأحجام، وشملت الطلبة والفلاحين والنساء ونقابات الجامعة ومنظمات المجتمع المدني وغيرها، وقال النقاد أنه كان يتعين على لجنة بن صالح أن تعتمد منهجية مغايرة تقوم على »اختيار الصفوة« باعتبار تعديل الدستور مسألة جدية جدا حتى توكل لكل من هب ودب. كما تعرضت اللجنة لانتقادات أخرى ليس بسبب منهجية العمل، إنما بفعل »أجندة« الإصلاحات، حيث فضّل بعضهم أن تتم الإصلاحات في إطار حكومة تكنوقراطية مثلا، وفضّل آخرون حل البرلمان كأولية وغيرها من المقترحات. في نهاية المطاف سارت الإستشارات كما أرادت لها اللجنة ووفق خطتها ومنهجها، والأهم بالنسبة للجزائريين، هو أن تنجح المشاورات، حتى تنجح الإصلاحات، لأن مشاورات فاشلة قد تؤدي إلى إصلاحات فاشلة. بدون شك فإن كلمة الفشل أو النجاح هي كلمة تحمل قيمة، والقيم في العادة نسبية، لكننا نعيش ظروفا إقليمية ودولية أضفت على المفردتين )الفشل والنجاح( قيمة مطلقة، فالنجاح إما أن يكون كليا وشاملا، وإما أن يحل محله الفشل، كقيمة بديلة. لكن السؤال المطروح ما ذا يعني نجاح الإصلاحات؟ وهو سؤال صعب لأنه أيضا سؤال قيمي يختلف حوله الرأي، فما هو نجاح بالنسبة إلي قد يكون فشلا بائنا بالنسبة إليك. وخاصة في القضايا السياسية. ففي شهر سبتمبر القادم عندما يتم الإعلان عن مضمون المشاورات ومضمون التعديلات التي ستمس الدستور والقوانين الأخرى، سترتفع الأصوات الناقدة بأكثر ما لديها من قوة، وقد تجد دعما أكيدا من الخارج على اعتبار قمة الثمانية الكبار المنعقدة في فرنسا مطلع جوان الجاري، قد قررت بوضوح دعم ما أسمته »الربيع العربي«. من هذا الإستشراف يمكن رسم عناصر النجاح في المبادئ العامة التالية: تعزيز الحريات العامة والفردية، صيانة حقوق الإنسان الفردية والجماعية، ضمان شفافية أوسع لممارسة الفعل الانتخابي، ضمان آليات »أنظف« للتداول على السلطة. ويصاحب هذا كله القوانين المنظمة للحياة العامة التي تنعكس في قانون الإعلام وهامش الحرية المتاح لإنشاء المؤسسات الإعلامية، وقانون الأحزاب وكيفية اعتماد أحزاب جديدة وغيرها من القضايا الحساسة بشكل مفرط. وعلى الإصلاحات القادمة أن تميز بين »السلطة« و »الدولة«، حيث يصبح المسؤولون جميعهم بدءا من رئيس الجمهورية موظفا عند الدولة، بدل أن تكون الدولة في خدمة السلطة. فهذه الحالة هي التي فجرت الوضع في الدول العربية، حيث أصبحت جميع مؤسسات الدولة في خدمة الفرد الحاكم وعائلته وحاشيته بعيدا عن القوانين. الإصلاحات يجب أن تنجح، لأننا أمام متغيرات جديدة، لأنه عندما تنجح الإصلاحات، فالناجح الحقيقي هي الجزائر وليس فلان أو علاّن، وعندما تفشل، فإن الفاشل الحقيقي أيضا هي الجزائر، ومعها »المسؤولين عن الإصلاحات«. الظروف الإقليمية لم تعد تسمح بالفشل، ففي شهر سبتمبر تكون متغيرات كثيرة قد حصلت في بلدان عديدة مثل مصر وتونس وليبيا واليمن وغيرهم ، وكل تغير سواء أكان إيجابيا أو سلبيا سوف يؤثر علينا ما في ذلك شك. وهنا لابد أن نفتح قوسين وأن تكون لدينا الشجاعة لنسمي الأشياء بمسمياتها، فالجزائر حقا ليست مصر ولا تونس ولا سوريا ولا ليبيا ولا اليمن .. لكننا ما قمنا برفع حالة الطوارئ وتشكيل لجنة للإصلاحات إلا تحت تأثير الأحداث في الدول العربية المعنية. وكما تأثرنا بها في وقت سابق سوف نتأثر بها أيضا في وقت لاحق. ويتعيّن علينا أن نقدم قراءة موضوعية عميقة لقرارات مجموعة الثمانية في قمتها الأخيرة بفرنسا ، التي قررت الوقوف إلى جانب الشعوب العربية الراغبة في التغيير، وقبلها كان الرئيس الأمريكي قد أعلن بوضوح أن واشنطن مؤيدة للتغيير في الوطن العربي. إن التغيير هو رغبة داخلية، لكن المتغير الخارجي ، يستطيع أن يساهم وأن يوجه مجرى الأحداث. لذلك يجب أن تنجح الإصلاحات، فبنجاحها ينجح الجميع، والعكس صحيح مئة بالمئة.