يناقش اليوم نواب المجلس الشعبي الوطني القانون العضوي المتعلق بالإعلام في صيغته الجديدة التي جاءت بها الحكومة وعدلتها لجنة الثقافة بالغرفة العليا، حيث يفترض أن تساهم آراء ممثلي الشعب في إعادة بعث هذا القانون الذي أفرغ من محتواه مقارنة بقانون الإعلام لسنة 1990 وفق ما أكده كثير من الخبراء في ميدان الإعلام، وقد تم تسجيل عديد الانتقادات في هذا الشأن. يرى عديد من الأساتذة المختصين في مجال الإعلام والاتصال أن الجزائر ضيعت فرصة ثمينة لإحداث قفزة نوعية في مجال الإعلام بسبب المكتسبات التي فقدت في الصيغة القانونية الجديدة التي جاء بها مشروع قانون الإعلام، في الوقت الذي حمل فيه قانون الإعلام لسنة 1990 إيجابيات كثيرة كان من الممكن استغلالها وتطويرها وكذا تكييفها مع التطورات السياسية والتكنولوجية الحاصلة. ومن هذا المنطلق، كان النص الجديد محل استنكار ورفض من طرف الأسرة الإعلامية التي سعت جاهدة لتدلي برأيها في عملية صياغة هذا النص وبالرغم من أن الجهات المعنية وسعت دائرة النقاش إلا أنها لم تأخذ بعين الاعتبار المقترحات الحقيقية التي تتصل بعمق التغيير الذي يتجسد في مجمله في الحريات الإعلامية التي كان من المفروض أن يكرسها النص الجديد بكل قوة. ورغم كون النص الجديد لم يعالج القضايا الجوهرية التي لها علاقة بحريات الممارسة الإعلامية، فقد حمل فراغات على غرار غياب الآليات المحددة لطرق إنشاء قنوات إذاعية أو تلفزيونية، عدم اتخاذ إجراءات لمنع الاحتكار من طرف لوبيات الإعلام لا سيما فيما يتعلق بمنح التراخيص، نقائص أخرى صاحبت هذا القانون خاصة حول طرق منح وسحب الاعتمادات لأصحاب الجرائد، تداخل في مهام سلطة الضبط وتعسف رئيسها في إقالة أو استقالة أعضائها. نقائص كثيرة جعلت الخبراء الإعلاميين ينعتونه بالقانون غير الصالح إضافة إلى انتقادات أخرى لها علاقة بالفلسفة التي استمد منها النص وكذا بعض المضامين التي دلت على أن أصحاب النص لم يستوعبوا التغييرات السياسية والتكنولوجية الحاصلة في العالم وعلى المستوى الإقليمي وهو الرأي الذي ذهب إليه كثير من الأساتذة في مجال الإعلام وصحفيون كذلك. وقد افتقد هذا القانون الذي بقي يحوم حول العموميات، إلى تفاصيل دقيقة ولم يلجأ حتى إلى النصوص التطبيقية لتوضيحها إلا في بعض المواد، وباستثناء بعض المواد التي اقترحتها لجنة الثقافة والاتصال والسياحة بالمجلس الشعبي الوطني، وبعض التعديلات التي مست في أغلبها شكل النص وابتعدت أو بالأحرى تفادت تعديل المضمون، بقي النص جسدا بلا روح. من المعروف أن النصوص القانونية المنبثقة عن الحكومة نادرا ما تخضع إلى تعديلات قوية وعميقة على مستوى البرلمان بغرفتيه، بالرغم من كون البرلمان يمثل السلطة التشريعية، وعادة ما تمرر النصوص كما جاءت باستثناء بعض التغييرات الشكلية التي قد تطرأ عليها. وبالنظر إلى جدية هذا المسعى، فإن الأمر جلل..فهل سينجح النواب في إعادة بعث هذا القانون الذي أفرغ من محتواه؟ إن مناقشة مثل هذا النص القانوني تضع ممثلي الشعب بالغرفة العليا أما امتحان صعب وأمام مهمة أشبه ما تكون بالمستحيلة، حيث أنهم سيضطرون لمناقشة مشروع قانون مصيري، والعمل على بعث الروح فيه من جديد.